“معضلة دماغ الفيل”.. لماذا لا يفُوقنا ذكاءً وهو يملك مخاً يعادل 3 أضعاف مخ الإنسان؟

هل عدد الخلايا العصبية هو الذي يجعل الدماغ البشري مميزاً بغض النظر عن الحجم والكتلة، فإذا كانت الخلايا العصبية هي ما يولد الإدراك الواعي فإن المزيد من الخلايا يعني المزيد من القدرات المعرفية، خاصةً أن الدراسات الحديثة تقول إن الاختلافات العقلية بين البشر والحيوانات الأخرى هي اختلافات في الدرجة، واختلافات كمية وليست نوعية.

عربي بوست
تم النشر: 2017/08/21 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/08/21 الساعة 04:06 بتوقيت غرينتش

اعتبرنا -نحن البشر- لفترة طويلة أن لدينا ذروة القدرات العقلية والمعرفية بين الحيوانات، وليس لهذا علاقة بالتطور، فكما أشار مارك توين عام 1903 "افتراض أن التطور طريق طويل يؤدي للبشر يعد منافياً للعقل"، كأنه افتراض أن الغرض من بناء برج إيفل هو وضع الطلاء النهائي على قمته، وأكثر من ذلك ليس التطور مرادفاً للتقدم، ولكنه ببساطة التغير مع مرور الوقت.

وحسب دراسات حديثة وجد أن البشر ليسوا الأحدث ولا الأكثر تطوراً مؤخراً، فعلى سبيل المثال ظهر أكثر من 500 نوع جديد من الأسماك السمكية في بحيرة فيكتوريا (التي تعد إحدى البحيرات الإفريقية العظيمة)، منذ ملئت بالماء قبل حوالي 14500 سنة.

ومع ذلك، هناك شيء مميز عند الدماغ البشري، يجعل قدراته الإدراكية ومنطقها وطريقتها في الافتراض والتحليل تتفوق على جميع العقول الأخرى، فإذا كنا نحن الذين نضع الحيوانات الأخرى تحت الميكروسكوب فيبدو أن لدينا شيئاً مختلفاً.

الكتلة والحجم وعدد الخلايا.. أين أسباب التفوق البشري؟




الافتراض الأوضح سيكون الكتلة الدماغية الأكبر، فإذا كان الدماغ هو الذي ينشئ الإدراك الواعي، فوجود المزيد من الدماغ يجب أن يعني المزيد من القدرات المعرفية، وهنا تنشأ "معضلة الفيل".

إذ يمتلك الفيل عقلاً أكبر وأثقل وزناً من عقول البشر، ولكنه ليس مجهزاً بسلوك معقد ومركب ومرن مثلنا، وأيضاً فإن مقارنة حجم الدماغ مع القدرات الإدراكية يفترض مسبقاً أن جميع العقول تعمل بنفس الطريقة، ولكننا نعرف أن جميع العقول لم تصنع بنفس الطريقة، فالرئيسيات ميزة واضحة على الثدييات الأخرى، والمحاور والتوصيلات العصبية المضافة للخلايا الدماغية فيها توجد بطريقة "اقتصادية" أو مميزة، لا تجعل هناك زيادة كبيرة في الحجم بالنسبة لمتوسط الخلايا العصبية في الثدييات الأخرى.

إذن فلنجرب فرضية أخرى، هل عدد الخلايا العصبية هو الذي يجعل الدماغ البشري مميزاً بغض النظر عن الحجم والكتلة، فإذا كانت الخلايا العصبية هي ما يولد الإدراك الواعي فإن المزيد من الخلايا يعني المزيد من القدرات المعرفية، خاصةً أن الدراسات الحديثة تقول إن الاختلافات العقلية بين البشر والحيوانات الأخرى هي اختلافات في الدرجة، واختلافات كمية وليست نوعية.

نحن نستخدم الأدوات بشكل رائع، بل إننا نقوم بتصميم أدوات لصنع أدوات أخرى، لكن الشمبانزي يستخدمون الأغصان كأدوات للحفر للوصول للنمل الأبيض أيضاً، وتستطيع القرود استخدام المكابس للوصول للغذاء البعيد، ويشكل الغراب الأسلاك، ويستخدمها للحصول على الطعام ويحتفظ بها أيضاً لإعادة استخدامها في وقت لاحق، وتتعاون الشمبانزي والفيلة لتأمين الغذاء بشكل مشترك لكليهما، وهناك إشارات على قدرة الشمبانزي على تخمين الحالة النفسية للآخرين وإظهار السلوك الخادع والحيل، وحتى الطيور يبدو أن لديها قدرات كهذه، ويبدو أن الشمبانزي والفيل والدلافين تستطيع أن تعرف نفسها في المرآة.

الفيل الإفريقي يملك 3 أضعاف وزن أدمغتنا، فهل لديه المزيد من الخلايا العصبية؟



لدى الفيل الإفريقي بالفعل ثلاثة أضعاف وزن أدمغتنا البشرية. وفي البحث الذي نشر في مطبوعات معهد ماساتشوستس أوردت عالمة الأعصاب البرازيلية سوزانا هوزيل قصتها مع دماغ الفيلة، إذ أنفقت وقتاً ومالاً كثيراً لتشريح دماغ الفيل الإفريقي، وكانت فرضيتها أن دماغ الإنسان يحتوي على عدد أكبر من الخلايا العصبية بالنسبة للفيل، حتى ولو كان الأخير أكبر حجماً ووزناً.

وقد استخدمت سوزانا أدوات تشريحية لتأخذ مقاطع عرضية من دماغ الفيل من مناطق مختلفة، وتقوم بمقارنتها مع دماغ الإنسان، وقامت بتجزئة العينات لشرائح أصغر لمعالجتها وتحليلها خلال 6 أشهر من العمل المستمر، وبمساعدة عدد من الطلاب الجامعيين في جامعة ريو دي جانيرو، التي تعمل رئيساً لمعمل التشريح المقارن بكلية علوم الطب الحيوي بها.

من الفائز؟


كانت النتيجة مفاجئة، فالفيل الإفريقي يمتلك عدداً أكبر من الخلايا العصبية من الدماغ البشري، وليس فقط عدداً أكبر بل ثلاثة أضعاف عدد الخلايا العصبية، ويقدر عدد خلايا الفيل العصبية في الدماغ بحوالي 157 مليار خلية، بينما عند الإنسان 86 مليار خلية عصبية فقط، وقد كان الفارق مذهلاً وضخماً للغاية.

ولكن هناك ملاحظة مهمة تشرح لماذا يتفوق الإنسان على الفيل في القدرات العقلية، رغم أن الحجم والوزن وحتى عدد خلايا الدماغ العصبية للفيل أكثر بثلاثة أضعاف نظيرتها لدى الإنسان!

وجد البحث أن نسبة هائلة من الخلايا العصبية للفيل (تصل لـ98%) موجودة في المخيخ في الجزء الخلفي من الدماغ، ويشبه هذا كثيراً من الثدييات الأخرى التي تشبه الفيل في تركّز الخلايا في المخيخ الخلفي، ولا تترك إلا نسبة ضئيلة تقدر بـ5.6 مليار خلية عصبية في القشرة الدماغية، رغم أن حجمها في الفيل أكبر من حجمها في الإنسان.

صارت الإجابة واضحة الآن، ليس في الدماغ البشري عدد خلايا عصبية أكبر من الفيل، ولكن القشرة الدماغية البشرية لديها ما يقارب ثلاثة أضعاف عدد الخلايا العصبية للفيل في قشرته الدماغية، وكان هذا هو الدليل على أن القدرات الإدراكية والعقلية للدماغ البشري المتفوقة على الفيل، يمكن أن تعزى ببساطة إلى عدد كبير من الخلايا العصبية في قشرة الدماغ البشرية.

علامات:
تحميل المزيد