لماذا لا تستطيع القردة التحدث؟ العلماء يختلفون حول إجابة هذا السؤال الفضولي

منذ عقود مضت، بينما كان فيليب ليبرمان يمكث في حوض الاستحمام مستمعاً إلى الراديو، سمع عالم الأنثروبولوجي لورين إيسلي يفكر في لغز تطوري: لماذا لا يمكن للقرود التحدث؟ مثلنا، هم بالتأكيد رئيسيات "رتبة من طائفة الثدييات" اجتماعية، أذكياء و تحديداً ليسوا هادئين. فمكاك ريسوس أو كما يسمي الريس، يهمهم، ويهدل كالحمام، يصيح ويصرخ أحياناً.

عربي بوست
تم النشر: 2017/07/22 الساعة 01:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/07/22 الساعة 01:21 بتوقيت غرينتش

منذ عقود مضت، بينما كان فيليب ليبرمان يمكث في حوض الاستحمام مستمعاً إلى الراديو، سمع عالم الأنثروبولوجي لورين إيسلي يفكر في لغز تطوري: لماذا لا يمكن للقرود التحدث؟ مثلنا، هم بالتأكيد رئيسيات "رتبة من طائفة الثدييات" اجتماعية، أذكياء و تحديداً ليسوا هادئين. فمكاك ريسوس أو كما يسمي الريس، يهمهم، ويهدل كالحمام، يصيح ويصرخ أحياناً.

صغار المكاك يصدرون أصواتاً تعرف بـ جيكيرس، ومع ذلك فلا الهمهمة ولا الـ "جيكيرس" ولا أي من أنواع القرود الأخرى – ولا حتى الشمبانزي والبونوبوس والذين يُعدان أقرب القرود تشابهاً معنا- يمكنهم نطق الحروف المتحركة أو الساكنة أو كما نسميه التحدث.

ووجد العلماء أن هناك نقطتين محتملتين، وهما إما أن يكون دماغ الرئيسيات غير البشرية غير متصل للحديث بالطريقة الصحيحة، أو أن قصباتهم الهوائية شُكلت بطريقة خاطئة.

ليبرمان الآن أستاذ فخري في الأنثروبولوجيا والعلوم المعرفية واللغوية في جامعة براون في رود آيلاند، كان قد خرج من حوض الاستحمام وأخذ اللغز معه.

في واحدة من التجارب الرائدة مع قرد مكاك ريسوس في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، ليبرمان وزملائه استطاعوا ربط المشكلة بحلق القرود. وخلصوا أن قرود المكاك تفتقر إلى المسالك الصوتية الكافية فوق البلعوم، وأيضا الفراغ الموجود لدى البشر الذي يبدأ من الفم ويتبع سنام اللسان حتى الحلق. وبذلك حتى لو توفر في أدمغة القرود الاتصالات الصحيحة للحديث، فإن المسالك الصوتية للقرود لن تكون قادرة على إصدار أصوات كافية للحديث، بحسب صحيفة Washingtonpost.

هذ التوضيح للمسالك الصوتية أخذ ينتشر حتى ظهر في الكتب المدرسية وكتب الفكاهة العلمية. وصرح وليام تيكومسيه فيتش وهو أستاذ علم الأحياء المعرفية في جامعة فيينا عبر رسالة إلكترونية "بين الخبراء في علم تطور الكلام كانت هذه الفكرة شائعة ولكنها لم تكن منتشرة، ولكن بين علماء الأحياء والأنثروبولوجيا والنفس كانت ولا تزال منتشرة على نطاق واسع جداً".

في الآونة الأخيرة، بدا وكأنه سؤال غريب الأطوار – لماذا لا يمكن للقرود الحديث؟ – ثم تحول إلى نقاش جاد وحاد بين المتعاونين السابقين. ففي ديسمبر/ كانون الأول، نشر فيتش وزملاؤه ورقة بحثية في مجلة العلوم الحديثة في هجوم مضاد تحت عنوان "الأحبال الصوتية للقرود جاهزة للحديث". يوم الجمعة نُشر تقريرين في نفس المجلة الحديثة تحولا الى مباراة من ثلاث او أربع جولات، وذلك برد ليبرمان الذي تبعه رد آخر على رده من فيتش وبقية الكُتّاب في دراسة ديسمبر/ كانون الأول.

بالنسبة لدراسة ليبرمان السابقة عن قرد مكاك ريسوس، المنشورة في مجلة العلوم عام 1969، قال "أخذنا قرد ريسوس وبدأنا نرى ما هي الحدود التشريحية ". فقد وضع العلماء لصاقة جص في حلق قرد مكاك كان قد مات بصورةٍ طبيعية ووضعوها في حلق قرد آخر لازال حياً ولكنه تحت تأثير المخدر، واستطاعوا التحكم بلسان القرد ووثقوا المواضع التي يمكنه أخذها. مستخدمين هذه المعلومات استطاعوا تقدير نطاق الأصوات التي يمكن للقرد النطق بها. لقد كانت أقل بكثير من الإنسان، وأشارت أيضا إلى أن قرود المكاك لا يمكنهم نطق الحروف المتحركة، على سبيل المثال الـ "ي" الممدودة، والشائعة بمعظم اللغات.

اتبع الباحثون هذا العمل بأشرطة فيديو مأخوذةً بالأشعة السينية لأطفال رُضع، تماثل ألسنتهم تلك الموجودة عند القرود لدى الولادة ولكنها تتجه نحو الحلق بالنمو. بالإضافة إلى ذلك افترض ليبرمان أن المسالك الصوتية للإنسان البدائي "نياندرتال" تماثل تلك الموجودة للأطفال البشريين، وبذلك طبقا لتصريح ليبرمان فإن النياندرتال لابد قد كانوا قادرين على الكلام حتى ولم لم يكن بفصاحة الانسان الناضج.

هذا وقد كرَّس ليبرمان جهده على أدمغة الرئيسيات منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد صرح في بداية عام 1968 أن عمله وضَّح أن الرئيسيات بخلاف الانسان لم يمتلكوا القدره الدماغية الممكنة لخطابٍ معقد.

في ديسمبر/كانون الأول 2016، قام فريق من علماء الأحياء المعرفية وعلماء الأنثروبولوجيا بتكرار أبحاث ليبرمان على قرود المكاك ولكن باستخدام تقنيات أكثر تقدما. وكان من بين مؤلفي الدراسة فيتش، الذي كان طالب دراسات عليا لدي ليبرمان. والفرق الرئيسي في البحث الأخير هو أن فيتش وزملاؤه أخذوا تسجيل فيديو بالأشعة السينية لقرد مكاك حياً أثناء صياحهم أو مضغهم.

وصرح بارت دي بوير، وهو أحد المشاركين في دراسة 2016 وخبير في التطور الصوتي بالجامعة الحرة ببروكسل، من خلال البحث الجديد "حصلنا على بيانات أكثر بكثير" من تلك التي اعتمدت على الجص والسيليكون في العقود الماضية. وتابع "والتي أوضحت بعد ذلك أنها تمثل مجموعة أكثر بكثير من الأصوات المحتملة".

مستخدمين 99 صورة أُلتقطت باستخدام الأشعة السينية لقرود مكاك ريسوس، استطاع هؤلاء الباحثين محاكاة التجويف الموجود في حلق وفم القرود بصورة مجسمة في الأبعاد الثلاثة. متتبعين المسارات التفصيلية للهواء خلال هذا التجويف، تبين للعلماء وجود مجموعة افتراضية أكبر من الأصوات التي يمكن لقرود المكاك إصدارها. وخلصوا إلى أن القدرات الصوتية لقرود المكاك أكبر بثمانية أضعاف من تلك المقدرة في سنة 1969.

استطاع العلماء باستخدام المحاكاة تكوين عبارة "هل تتزوجيني" كما لو قيلت من قبل قرد مكاك. الكلمات كانت غريبة وغير تامة، ولكن العلماء حاجّوا أنها تبدوا كما لو كانت لغة انجليزية مفهومة قيلت بـ "لكنة أجنبية". (على أحسن تقدير فإنها بدت كما لو كان غولوم "من رواية سيد الخواتم" يحاول التحدث بحلق مخنوق). والأهم من ذلك هو أن تلك النماذج أوضحت قدرة المكاك على نطق الحروف المتحركة "طبقا للغة الانجليزية" الموجودة في الكلمات "بات – خفاش"، "بيت – رهان"، "بِت – قليلا"، "بَط – لكن" و"بووت – اشترى".

وقال دي بوير "لقد أثبتنا بالتأكيد أننا استخفينا بمدى الأصوات التي يمكن للمكاك إصدارها" وتابع "علينا أن نركز أبحاثنا على تطور الإدراك إذا كنا نريد حقاً فهم أصول الكلام".

وتابع دي بروير، رد فعل على هذا البحث بين الخبراء المهتمين بدراسة تطور الكلام، "كان في الواقع إيجابياً جداً وداعماً"، مضيفاً (باستثناء ليبرمان). ثم تابع، في السنوات التي سبقت هذه الورقة البحثية كانت "الفكرة القائلة بأن الإدراك أكثر أهمية من التشريح الصوتي تكتسب زخماً أكبر" بين المتخصصين في التطور.

خلال وقت نشر الورقة البحثية في 2016، صرح جون إسلنغ، وهو متخصص في اللغويات بجامعة فيكتوريا في كندا، وهو لم يشارك في هذا العمل، لقد أخبرت مجلة العلوم "هذا بالتأكيد يثبت أن قدرة المسالك الصوتية لقرود المكاك أكبر بكثير مما كان مفترضاً سابقاً".

وقالت آنا بارني، مهندسة الصوتيات الطبية الحيوية بجامعة ساوثامبتون في إنكلترا. وهي أيضاً لم تشارك في البحث، لصحيفة نيويورك تايمز في ديسمبر / كانون الأول أن البحث الجديد كان مقنعا لكنه أثار أسئلة، مثل عدم توضيح قدرة المكاك على نطق الحروف الساكنة. "ما أظهروه هو أن القرود مستعدة لنطق الحروف المتحركة، وليست جاهزة للحديث".
بالنسبة لـ ليبرمان، لم تكن دراسة عام 2016 دحضاً بل تأكيداً. وقال "ليس هناك شيء جديد في الورقة البحثية لـ فيتش إلا في سلسلة من التحريفات بقصد الخداع". وتابع ما أسموه "حديث القرد" لازال لم يتمكنوا من إصدار صوت "اي" ممدودة، كما في "سيي" أو "بييت" لازال ليس لديهم "اي اي" هم بالكاد لديهم أصواتاً تشبه "وو" و "أه أه"".

وأضاف، في الواقع الـ "اي" الممدودة لها حالة خاصة بين الحروف المتحركة، أحد الأبحاث أشار إلى أنه من الممكن تقدير حجم الشخص بناءأً على الصوت الذي ينطق به الـ "اي" الممدودة. ثم تابع، إنه أكثر الحروف سهولةً للإدراك بنطقه المميز. هناك حقاً طريقةً واحدةً لنطقه خلال مسالكنا الصوتية، باقي الحروف المتحركة يوجد تقريباً أكثر من طريقةٍ لنطقها.

وقال، لنتمكن من نطق الـ "اي" الممدودة، علينا كبشر سحب ألسنتنا لأعلى ممتدة للأمام مع خلق تجويف فوق الحنجرة خلال تقليص المنطقة الأمامية، مكونين بذلك فرق في الحجم من الخلف للأمام بنسبة عشرة إلى واحد. لا يمكنك فعل هذا مع الرئيسيات الغير بشرية. وأضاف، لسان القرود غالباً مسطح، يجب عليك أخذ سكيناً وشقه نصفين. إنها ببساطة عملية مستحيلة.

وتابع، الاستماع إلى شخص ينطق حرف الـ "اي" الممدودة، هو الإشارة الأمثل لتقدير مدى طول المسالك الصوتية لهذا الشخص – وهو خطوة ضرورية لتحديد ماذا يقصد هذا الشخص.

وقد أقر دي بوير أن نطق حرف "اي" الممدودة خاص بالجنس البشري، فهو كما وصفه "يقبع في الفضاء الصوتي للبشر"، ولكنه أردف قائلا أن القردة الكبيرة الحجم "آبس" ربما لديها أيضاً هذا التجويف الصوتي الذي يمكن أن يساعد في تقدير الحجم. وتابع قائلاُ "أن حقيقة أن حقيقة عدم قدرة قردة المكاك على نطق "اي اي" هو نوع من الحقائق المراد بها التضليل".

قال فيتش "إن أهمية الحرف المتحرك مازالت محل نقاش" وأضاف "صرح ليبرمان أنه مهم ولكننا غير مقتنعين بذلك". في الواقع، فقد وصفا فيتش ودي بوير حرف الـ "اي" الممدودة في تقريرهم الأخير بـ "الوهم أو الأسطورية" وهو الوصف الذي وجده ليبرمان "مسيئاً ومهيناً" وشبهه بـ "تغريدات ترامب".

وقالت بارني في رسالة إلكترونية أرسلت بها إلى صحيفة الـ واشنطن بوست "رأيي الشخصي حول حرف الـ "اي" الممدودة يتفق مع آرائهم في كونها ليست من فئة فريدة من حيث تحديد حجم مسلك صوتي بعينه".

في تعليقه الجديد على ورقة فيتش وزملائه، استشهد ليبرمان بكلام تشارلز داروين، الذي قاله واصفاً به الموقع الخطير لقصبتنا الهوائية في عام 1859: الغذاء يجب أن يمر فوق قصبتنا الهوائية. الرئيسيات الأخرى ليس لديها هذا الترتيب. هذا يميز مدى الأصوات التي يمكننا نطقها، وقال ليبرمان، ولكن هذا الفراغ يزيد من فرص أصابتنا بغصة أو خنق أثناء الطعام. في رأيه، الخاصية المميزة للحديث الذي نتمتع بها تفسر خطر الاختناق. ( ولكن فيتش قال، كون البشر أكثر عرضة للإصابة باختناق أثناء الطعام من الرئيسيات الأخرى، هي فكرة بديهية ولكن لاتزال غير مثبتة).

وقال دي بوير" نحن لا نقول أن المسالك الصوتية للإنسان غير دقيقة للحديث"، وأضاف أنه يعتقد أنها بالفعل دقيقة، مع ملاحظة "أنه لايزال هناك نقاش حيوي حول هذا". ولكنه قال أن وجهة نظرهم هي أن "المسالك الصوتية للقرود لا تمنع بالضرورة من إمكانية حديثهم بصورة بدائية". "وبذلك ربما يكون هذه هي الطريقة التي تطور بها الحديث في الوقت الذي كان أسلافنا لازالوا يمتلكون فيه مسلك صوتي واحد كهذا الذي لدى القرود".

ومع ذلك على الرغم من عقود من الملاحظة، إلا أن القرود لم تبدأ في الكلام بعد.

علامات:
تحميل المزيد