بعد الأزمة الأخيرة، التي كشفتها الشرطة الفيدرالية عن وجود عمليات غش للحوم الأبقار والدواجن البرازيلية من قِبل بعض الشركات، عاش كثيرون حالة من القلق، إذ تعتبر البرازيل أكبر مصدر للحوم في العالم، بتصديرها لـ150 بلداً حول العالم أغلبها في آسيا وأوروبا.
إذ اتهم تقرير الشرطة الفيدرالية الذي استغرق عامين من التحريات، العديد من الشركات البرازيلية، ومنها شركة JBS S.A، وBRF، بالقيام بـ"عمليات تجميل" للحوم التي لا تطابق معايير التصدير الخارجي بسبب حالتها السيئة، وذلك باستخدام المواد الكيميائية.
وقد أشار مفوض الشرطة الفيدرالية، موريسيو موسكاردي، إلى وجود شبكة من الفساد في الحكومة نفسها ساعدت في تمرير وإضفاء الشرعية على إجراءات تحسين هذه اللحوم، ويتورط فيها أعضاء من حزب الحركة الديمقراطية البرازيلي الذي ينتمي إليه ميشال تامر الرئيس الحالي للبرازيل.
ونتيجةً للتقرير، حظرت بعض الدول استيراد تلك اللحوم التي تمثل نسبة 7.2% من الصادرات البرازيلية، من بينها الصين التي حظرت استيراد اللحوم الحمراء، بينما أعلن الاتحاد الأوروبي وقف شراء منتجات اللحوم والدواجن من الشركات التي ذكرها تقرير الشرطة.
النسخة الإسبانية لشبكة الإذاعة البريطانية BBC قامت بالتحقيق أكثر وراء تفاصيل القضية، التي بسببها خسرت الشركات السالف ذكرها 1.9 مليار دولار في بورصة ساو باولو، خاصةً مع نفي الشركات هذه الفضيحة.
لحوم فاسدة وتورط مسؤولين
كشف مفوض الشرطة الفيدرالية عن نتائج عملية تحقيقات استغرقت عامين، شارك فيها 1100 عميل تابعين لقوات الشرطة، والتي تشير إلى أمرين:
1- أن العاملين في الشركات الرئيسية لصناعة اللحوم في البلاد كانوا يستخدمون مواد كيميائية لتحسين حالة اللحوم الفاسدة والمتعفنة، أو تلك التي لا تستوفي شروط الاستخدام الآدمي، سواء في البرازيل أو في حالة التصدير.
إذ مرت اللحوم بالعديد من العمليات؛ بدءاً من إضافة فيتامين C لإخفاء اللون، وحتى المواد الحافظة -بعضها مسرطن- بمستويات تفوق المعدل المسموح به قانوناً.
2- أنه للحصول على الموافقة من قِبل وزارة الزراعة، قامت هذه الشركات بدفع مبالغ طائلة كرشاوى تورط فيها العديد من المسؤولين داخل الوزارة.
وعقب كشف ذلك أُصدر 38 أمراً بالقبض على مسؤولين في الحكومة، من بينهم العديد من المسؤولين في الهيئات الصحية الذين قاموا بالموافقة وإصدار تصاريح بيع واستهلاك هذه اللحوم المغشوشة.
وتوصلت التحقيقات إلى أن جزءاً من الأموال المدفوعة في الرشاوى تابعة لأحزاب سياسية، بعضهم ينتمي إلى حزب الحركة الديمقراطية البرازيلي وآخرون ينتمون إلى الحزب التقدميّ. ورغم ذلك، لم تدل الحكومة بأي تصريحات بشأن تلك الاتهامات.
إذ اقتصرت التصريحات الرسمية على نائب وزير الزراعة أومار نوفاك، الذي نادى بضبط النفس؛ لتجنب نشر الذعر بين المستهلكين، والذي أكد أن اللحوم البرازيلية موجودة في 150 دولة حول العالم، وكل منها لديها أنظمة رقابة وضمان لجودة المنتج.
وقد سرد موسكاردي حواراً مسجلاً من قِبل الشرطة لاثنين من الموظفين، يظهر كيفية الموافقة على شحنة بها بيكتريا السالمونيللا تمت إعادتها من أوروبا، ومحاولة إعادة استهلاكها داخل البلاد. أعلن وزير الزراعة في وقتٍ لاحق إقالة وطرد 33 موظفاً متورطاً في هذه العملية.
الشركات المتورطة في الفضيحة
وفقاً للشرطة الفيدرالية، فإن الشركات الكبرى التي لطخت سمعتها بهذه الفضيحة هما مجموعتا JBS وBRF.
JBS؛ هي الشركة الرائدة في العالم، التي تأسست قبل 60 عاماً، وتمتلك العلامات التجارية بيغ فرانغو، كما تعد المنتج الرئيسي للحوم في العالم، وسييرا، وسويفت، بينما تمتلك وBRF Brasil Foods العلامات التجارية Sadia S.A. y Perdigão منذ عام 2009، ويبلغ عدد العاملين فيها أكثر من 105.000 موظف.
هاتان المجموعتان تتحكمان في السوق البرازيلية، ولهذا السبب أطلقت كل منهما حملات دعائية في وسائل الإعلام؛ لتهدئة وتحذير المستهلكين في الداخل، ونفي مزاعم استخدامهما أساليب غير مشروعة في إنتاج اللحوم.
يمكن قراءة هذا التحذير المنشور في العديد من وسائل الإعلام البرازيلية: "تؤكد BRF معايير الجودة والسلامة العالية في منتجاتها، وتضمن عدم وجود أي مخاطر على المستهلكين".
إنتاج اللحوم في البرازيل
بحسب ما نقلته رويترز عن وزارة التجارة الخارجية البرازيلي، فإن البرازيل تأتي في المركز الأول في صادرات اللحوم والدواجن على المستوى العالمي:
5.5 مليار دولار في مبيعات اللحم البقري.
6.5 مليار في تصدير لحوم الدجاج.
150 دولة تستورد المنتجات الحيوانية من البرازيل.
تمثل هذه الصناعة 7.2% من صادرات البلاد.
مصر والإمارات والسعودية
تعتبر مصر ثالث أعلى دولة في استيراد اللحوم البرازيلية، وتأتي بعد هونغ كونغ والصين، فيما تأتي بعدها روسيا في المرتبة الرابعة، وإيران في المرتبة الخامسة.
بينما تأتي المملكة العربية السعودية على قائمة الدول الأعلى استيرداً للدواجن من البرازيل، تليها الصين، ثم اليابان، وبعدها دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الرابعة، بحسب وزارة التجارة الخارجية البرازيلية.
خلاصة الأمر.. فاسدة أم مغشوشة؟
وفقاً للحكومة، هذه الممارسات غير القانونية وقعت في 21 مصنعاً فقط من أصل 4837، و6 منها تنتج اللحم الذي يتم تصديره للخارج.
ووفقاً لسلفيو لازاريني، الخبير البارز في هذه القضية: "رغم ضرورة اتخاذ الشرطة الفيدرالية إجراءات صارمة إزاء هذه الممارسات، فإن هذا الأمر لا يعبر بالضرورة عن جميع منتجات اللحوم سواء للاستهلاك الداخلي أو التصدير".
إذ قال لازاريني: "إن لحوم الأبقار البرازيلية قد تطورت كثيراً في السنوات الأخيرة، وهي آمنة جداً، وإذا لم يكن الأمر كذلك، فإنه سيكون من المستحيل أن نستطيع التصدير إلى أوروبا، حيث توجد أكثر قواعد ومعايير الأمن الغذائي في العالم".
وبالإضافة إلى الاتهامات السابقة ببيع اللحوم الفاسدة، تواجه هذه الشركات تهماً بالاحتيال أيضاً؛ واحدة منها أن المواد المستخدمة لتحسين حالة اللحوم، مثل حمض الأسكوربيك وفيتامين C، مواد يمكن أن تسبب السرطان.
وفي حديثه مع BBC Mundo، قال بيدرو إدواردو فيليسيو، أستاذ الطب البيطري بجامعة كامبيناس: "في حالة حمض الأسكوربيك، يجب استخدامه في حالة اللحوم المصنّعة فقط، وليس باللحوم في حالتها الخام أبداً".
كما كانت إحدى طرق الاحتيال في إنتاج الدواجن هذه المرة، هي حقن الدجاج بالماء لزيادة وزنه، ويرى، فيليسيو، أن هذا الأمر لا يشكل خطورة صحية عند الاستهلاك، بقدر ما يمثل جرائم احتيالية واقتصادية.
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن النسخة الإسبانية لشبكة الإذاعة البريطانية BBC. للاطلاع على النسخة الأصلية، اضغط هنا.