تعتبر الدغدغة (الزغزغة) شعوراً جيداً ومزعجاً في الوقت ذاته، وهذا الشعور يعتري الإنسان والحيوانات على حد السواء، ولكن ما أسرار هذه الظاهرة، وما تأثيرها على الجسم؟
في الواقع، عندما تتم دغدغة قرود الشمبانزي، فإنها تضحك بشكل هستيري وكوميدي مثل أفلام الصور المتحركة، أما بالنسبة، لحيوانات الغوريلا فإنها ترد الفعل عن طريق إصدار أصوات حادة تشبه زقزقة العصافير، في حين أن قردة البابون تنبح.
والجدير بالذكر أن العالم، تشارلز داروين، واضع نظرية التطور يعد أول من لاحظ أن الإنسان ليس الوحيد الذي يشعر بالدغدغة، بل أيضاً الحيوانات.
وإلى اليوم، لا يزال العلماء في حيرة من أمرهم أمام ردة الفعل الغريبة وغير المفهومة التي يقوم بها أي كائن يتعرض للدغدغة، سواء كان إنساناً أو حيواناً، والتي لم يتم تحديد تفسير علمي لها.
فما هذه القهقهة الخارجة عن السيطرة التي تنخرط فيها عضلات الجسم إلى حد فقدان التوازن؟ ولماذا يكون الشعور بالدغدغة جيداً ومؤلماً في نفس الوقت؟ إذ إنه من الغريب أن الأشخاص الذين تتم دغدغتهم يضحكون، وفي الوقت نفسه تكون ردة فعلهم عنيفة، ويقومون بحركات مفاجئة، وتبدو قسمات وجوههم وكأنهم يتعرضون للتعذيب.
لماذا تُحدِث الدغدغة أثراً فقط عندما يكون الأشخاص في مزاج جيد وبصدد المزاح؟ خاصة أنه في العام 1872، أورد تشارلز داروين في كتابه "التعبير عن المشاعر عند الإنسان والحيوان"، أن "الدماغ يجب أن يكون في مزاج جيد حتى يتفاعل مع الدغدغة".
الفئران تضحك وتُصدر موجاتٍ فوق صوتية
إن الفرضية المذكورة آنفاً لا تنطبق فقط على الإنسان، بل أيضاً على الفئران، وهو ما أثبته عالما البيولوجيا، ميكائيل بريخت وشيمبي ايشياما، في جامعة هومبولت في برلين، فقد أجرى بريخت وايشياما دراسة تم نشرها في مجلة "ساينس" العلمية، أظهرا من خلالها أن الحيوانات تضحك فقط عندما تكون في حالة ارتياح ولا تشعر بالخوف.
في البداية قام العالمان بتكرار تجربة ابتكرها عالم النفس الأميركي، جاك بانكسيب، الذي كان أول من اكتشف أن الفئران تنفجر ضحكاً عندما تتعرض للدغدغة، ولكن صوت هذا الضحك لا تتجاوز قوته 50 كيلوهرتز، وهي موجة صوتية لا يمكن للإنسان سماعها.
واقتضت التجربة دغدغة فئران التجارب في مناطق مختلفة من أجسامها، مع تسجيل الموجات فوق الصوتية الصادرة عنها، وقال بريخت، إن أغلب الفئران لم تتمالك نفسها من الضحك عندما تمت دغدغتها في منطقة البطن.
كما أن هذه الحيوانات تشعر أيضاً بالدغدغة في ظهورها، ولكنها لا تشعر بشيء في منطقة الذيل، وكانت عملية الدغدغة مؤثرة للغاية في هذه الحيوانات لدرجة أنها قامت بقفزات كبيرة، مصحوبة بقهقهة بلغت قوتها 50 كيلوهرتز.
ومن اللافت للنظر، أنه ما إن يتوقف ايشياما عن دغدغتها حتى تواصل الفئران النظر إلى يديه، كما لو أنها تدعوه لمواصلة القيام بذلك.
لكن لم تجد الفئران الأمر مسلياً وممتعاً عندما تم وضعها على منصة عالية، وتم توجيه أضواء قوية نحوها، وهي وضعية غير مريحة بالمرة، مما أصابها بالذعر ومنعها من الاستمتاع بلعبة الدغدغة، إذ قام العالم ايشياما بدغدغتها مراراً وتكراراً على منطقة البطن والظهر، ولكنها لم تصدر أي ردة فعل. وقال "من الواضح أن الفئران تحتاج لأن تكون في مزاج جيد، تماماً مثل البشر، حتى تتفاعل مع الدغدغة".
واكتشف العلماء نقاطاً مشتركة أخرى بين الإنسان والفئران، فكلاهما يشعر بالدغدغة بشكل قوي على مستوى البطن، وتماماً مثل الإنسان، هنالك أيضاً فئران تنفجر ضحكاً وقهقهة، ما إن يتم لمسها، وأخرى لا تصدر أصواتاً، وتكون ردة فعلها محدودة وبطيئة.
علاوة على ذلك، هناك ظاهرة مشتركة أخرى بين الإنسان والفئران، تتمثل في أن صغار السن يكونون أكثر عرضة للدغدغة من كبار السن. وعلى ضوء هذه المعطيات، يعتبر الدكتور ميكائيل بريخت أن كل هذه النقاط المشتركة علامة على أن هذه الحساسية تجاه الدغدغة قد تنامت لدى الإنسان في مراحل مبكرة من عملية التطور.
ما الدور الذي لعبه الشعور بالدغدغة في مراحل تطور الإنسان؟
السؤال المطروح الآن هو، لماذا ظهر هذا الشعور، وما فوائده على الإنسان؟
في الواقع، تشير إحدى النظريات إلى أن مناطق الجسم الحساسة هي التي يجب أن تتمتع آلياً بحماية أكثر في الوضعيات القتالية، وبالتالي، يشعر الإنسان أكثر بالدغدغة على مستوى منطقة البطن، ومن هنا، يمكن أيضاً تفسير الحركات الدفاعية التي يلجأ لها الشخص عند دغدغته.
لكن من غير المنطقي أن الإنسان لا يشعر بالدغدغة في يديه، على الرغم من أنها تعتبر أكثر المناطق عرضة للضرر في الوضعيات العدائية، في حين أنه يشعر بذلك في رجليه، التي عادة ما لا تكون معرضة لخطر كبير، ولذلك لا يمكن تفسير ظاهرة الانفجار ضحكاً من خلال هذه النظرية.
وهناك نظرية أخرى تقول إن الضحك، أثناء الدغدغة، يلعب دوراً اجتماعياً لتقوية الروابط بين البشر؛ إذ إن المشاعر بين الوالدين والأبناء تتعزز عند ممارسة هذه اللعبة.
ومن بين المدافعين عن هذه النظرية عالم الأعصاب الأميركي، روبرت بروفاين، صاحب كتاب "الضحك تحقيق علمي"، إذ أوضح قائلاً "بالنسبة للأطفال الذين لم يتعلموا الكلام بعد، فإن الدغدغة والضحك هما وسيلتان ناجحتان لدخول الحياة الاجتماعية وإقامة العلاقات".
ولكن لماذا يقوم البعض بردة فعل عكسية، ولماذا يشعر الكثيرون بأن الدغدغة أمر مزعج؟
للإجابة عن هذا السؤال لا بد من التطرق لنظرية ثالثة تدعي أن ألعاب الدغدغة هي نوع من برامج التدريب على مواجهة الصعاب والبقاء على قيد الحياة، بمعنى أن الضحك يدرب الطفل على المقاومة ورد الفعل من خلال حركات التململ والتلوي التي يقوم بها.
أما بالنسبة للمشاعر السلبية التي يظهرها الإنسان أثناء تعرضه للدغدغة، فرغم أنه يضحك في الوقت نفسه، فإنها كفيلة بأن تجعله يتعلم دروساً في فن الدفاع عن النفس.
الدغدغة ظهرت قبل وقت طويل
من الواضح أن الدغدغة ليست من اختراع الإنسان، فقد اكتشفت كل من العالمة، إيلكي زيمرمان من جامعة هانوفر، والباحثة، مارينا دافيلا هذه الحقيقة من خلال مراقبة ردود الفعل الضاحكة لدى عدد من أنواع القردة.
وبحسب هذه الدراسة، فإن القهقهة قد ظهرت قبل وقت طويل من تطور الإنسان وانفصاله عن فصيلة القردة، وبينت زيمرمان "لقد تمكنا من تقفي أثار ظهور ردود فعل الكائنات الضاحكة إلى آخر سلف مشترك بين الإنسان والقردة".
وقامت إيلكي مع الباحثة دافيلا بتسجيل أصوات خمسة أنواع من الغوريلا، وسبعة أنواع من حيوان إنسان الغاب، وأربعة قردة شمبانزي، وخمسة قردة بابون، وثلاثة أطفال بينما كانوا جميعاً غارقين في الضحك، أثناء دغدغتهم من قبل القائمين على رعايتهم أو من قبل آبائهم.
وعند مقارنة الأصوات التي تصدرها القردة بالضحكات التي يصدرها الأطفال، وجدوا عدداً من الأصوات المتشابهة، وقالت إيلكي "قمنا بتكوين قاعدة بيانات تضم حوالي 800 تسجيل، واكتشفنا أنها جميعها تملك البصمة الجينية نفسها والخصائص ذاتها، ومن المؤكد أن السلف المشترك بين الإنسان والقردة كانت لديه القدرة على القهقهة عند التعرض لدغدغة".
الأطفال حتى سن ثمانية أشهر لا يشعرون بالدغدغة
ورغم الأبحاث والدراسات المتعددة، بقي الجانب العصبي المتعلق بشعور الدغدغة غيرَ مكتشف بشكل كامل، ولا يُعرف إلى الآن إن كانت مستقبلات الإحساس بالألم في الجلد، أو المستقبلات الحسية، أو كلاهما هي المسؤولة عن ردة الفعل تحت تأثير الدغدغة.
ويبدو أن هذه الظاهرة غير موجودة عند الأطفال حديثي الولادة، فحتى سن سبعة أو ثمانية أشهر تقريباً يمكن للإنسان أن يدغدغ الرضع كما يشاء، ولكنهم لن يقهقهوا، على الرغم من أنهم يحبون اللعب ويشعرون بما يدور حولهم منذ الشهر الرابع، ويمكنهم تمييز الأشياء اللذيذة على سبيل المثال، والاستمتاع بالتجارب الاجتماعية مثل لعبة الغميضة، ففي مثل هذه الحالة، يقوم الأب أو الأم بإخفاء وجهه ثم إظهاره بشكل مفاجئ، وهو ما يجعل الطفل يدخل في حالة هستيرية من الضحك.
تجدر الإشارة إلى أن كثافة وجود هذه المستقبلات الحسية لا علاقة له بمدى حساسية الجسم نحو الدغدغة، فعلى سبيل المثال، هناك عدد أكبر من المستقبلات الحسية على أطراف الأصابع، مقارنة بباطن القدم، ولكن رغم ذلك أغلب الناس يشعرون بالدغدغة في القدم وليس في الأصابع.
كما أن المرضى الذين لا يشعرون بالألم يمكن أن يشعروا بالدغدغة، وهو ما يشير إلى أن هذا الشعور يمر نحو المخ عن طريق مكونات أخرى في الجسم.
البشر والقردة فقط يمكنهما دغدغة بعضهم
ماذا يحدث عندما تصل الإشارة المحفزة إلى المخ؟
هذا السؤال تكفل بالإجابة عنه، مؤخراً، الباحثان بريخت وايشياما من جامعة برلين، إذ أوضحا أن هناك بقعاً حساسة للدغدغة، أو بشكل أدق، خلايا، ترد الفعل بشكل قوي عندما تتعرض لهذا النوع من التحفيز.
هذه الخلايا موجودة في القشرة الجلدية الحسية، التي توجد فيها المستقبلات الحسية، وعندما قام العلماء بتحفيز خلايا الدغدغة بواسطة موجات كهربائية، أصدرت الفئران أصوات القهقهة بقوة 50 كيلوهرتز، دون أن يكون هنالك شخص بصدد ملامستها، علما أنه في حال كانت هذه الحيوانات تشعر بالخوف فإن عملية الدغدغة الاصطناعية لم تكن لتتم.
في المقابل، إن هذا التفاعل الغريب مع الدغدغة، الموجود لدى الفئران والأحصنة أيضاً التي تقوم برد فعل سريع وعنيف نتيجة لدغدغتها من أماكن معينة، لا يمكن مقارنته بتفاعل الإنسان والقردة مع الدغدغة، إذ إنه يمكن لكل منهما دغدغة الآخر، وهذا أمر من المستحيل حدوثه بين بقية أنواع الحيوانات الموجودة في العالم.
ورغم هذا الاختلاف، فإن معظم العلماء مقتنعون بالرأي القائل إن الشعور بالدغدغة هو رد فعل معقد لدى الإنسان والحيوان.
من ناحيتها قالت العالمة الأميركية، كيتش بورشر كريستين، إن "الضحك عند الدغدغة ربما يكون رد فعل متعلقاً بالسعادة، تماماً مثل البكاء عند تقطيع البصل بسبب الشعور بالحزن"، خلافاً لذلك، فإن هذا التفاعل لا يمكن أن ينشأ من تلقاء نفسه، بل إنه ناجم عن محفز خارجي.
أحبك؛ ولكن دعني وشأني
وتحظى النظرية التي تدعي بأن الشعور بالدغدغة ليس إلا ردة فعل حميمية، بالدعم من قبل العالم الأميركي، كلارنس لوبا، الذي قام بتجربة لإثبات صحة هذا الأمر في الأربعينات، وقد طبق هذه التجربة على طفليه.
فمنذ ولادتهما قام بدغدغة طفليه بدون إظهار أية مشاعر، فكان يرتدي قناعاً على وجهه لمنع الطفلين من التواصل معه أثناء الدغدغة، سواء من خلال الضحك أو الشعور بالارتياح.
وعلى الرغم من أنهما لم يتمكنا من رؤية ردود أفعاله، فإن كلا الطفلين تفاعلا مع الدغدغة من خلال القهقهة والضحك بصوت عالٍ، عندما بلغا سبعة أشهر.
وقام العالم بريمر ستولمان بتفسير مختلفٍ تماماً لهذا الأمر، فهو مقتنع بأن هذا الشعور الغريب، على الأقل عند الإنسان والقردة، هو أمر أكثر تعقيداً بكثير من مجرد رد فعل.
وأوضح ستولمان، أن القردة الأكثر ذكاء هي التي طورت الدغدغة الحقيقية، كما يعتقد أن إحدى القردة الأم في العصور القديمة كانت تعتني بصغيرها، وكان هذا الصغير يريد الرضاعة، بينما هي لم تكن ترغب في ذلك، ولكنها لم تقم برميه بعيداً كما تفعل اللبؤة مع أطفالها في هذه الحالة، بل أخذت تبحث عن طريقة لإشغال طفلها وصرف انتباهه عن الرضاعة، وقد تطورت تلك الآلية لتصبح ما يعرف الآن بالدغدغة، بمعنى أن هذا الأمر ظهر في البداية على أنه رسالة من الأم إلى صغيرها تقول فيها "أحبك ولكن دعني وشأني الآن".
ويوضح: "هذه المشاعر المختلطة والغامضة تدفعه لفقدان السيطرة على نفسه والانفجار ضاحكاً"، كما يضيف ستولمان، أن الضحك عند الإنسان ظهر لأول مرة بهذه الطريقة، أي أن الدغدغة كانت مصدر اكتشاف الإنسان للضحك، ثم لاحقاً تعلَّم البشر أن يضحكوا من المزاح والمواقف الطريفة.
هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Suddeutsche Zeitung الألمانية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.