التمويل.. الإعلام.. والغيرة.. أخطر 7 مشكلات تواجه البحث العلمي

يبدو أن خطراً حقيقياً بات يهدد العلم في الآونة الأخيرة إلى درجت جعلت ثقة البعض فيه تتراجع لأسباب مختلفة. فقضايا مثل علم النفس والطب والتغيير المناخي ومجالات بحثية أخرى، تجعلنا نتسائل بشك حول دور العلم، ونسأل ببساطة ماذا لو كان بإمكاننا أن نغير شيئاً من طريقة عمل العلماء اليوم، فما الذي نحتاج أن نغيره؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/08/17 الساعة 10:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/08/17 الساعة 10:14 بتوقيت غرينتش

يبدو أن خطراً حقيقياً بات يهدد العلم في الآونة الأخيرة إلى درجت جعلت ثقة البعض فيه تتراجع لأسباب مختلفة. فقضايا مثل علم النفس والطب والتغيير المناخي ومجالات بحثية أخرى، تجعلنا نتسائل بشك حول دور العلم، ونسأل ببساطة ماذا لو كان بإمكاننا أن نغير شيئاً من طريقة عمل العلماء اليوم، فما الذي نحتاج أن نغيره؟

جامعة فيرجينيا الأميركية طرحت السؤال على 270 عالماً من مختلف المجالات البحثية حول العالم، بما في ذلك أساتذة جامعات، وخبراء معامل، وباحثون، ومتخصصون فأخبروا موقع vox بطرق مختلفة عن أهم المخاطر التي يخشون منها على مستقبل العلم، بعضها يتعلق بارتباط البحث العلمي بحركة الأموال والجوائز والنشر ودور العامة، وهل يكون هدف البحث إرضاء الأكاديميين الكبار أم فهم العالم بصورة أصح؟


فيما يلي النتائج الـ 7 التي توصلت إليها الدراسة الاستطلاعية لجامعة فيرجينيا الأميركية:

1- الأكاديميا تعاني من مشاكل مالية


في كل أشكال البحث، يحتاج العلماء إلى المال والمعامل والتجريب وحتى إلى دفع رواتب مساعديهم. ويعد التمويل عقبةً هائلةً تؤثر على كم ونوعية الأبحاث؛ ففي أمريكا مثلاً، لا يستطيع العلماء الاعتماد على التمويل الأكاديمي من الجامعات، فيبحثون عن بدائل أكثر انتظاماً الذي قد يكون حكومياً من الحكومة الفيدرالية أو خاصاً من الشركات التي تهتم بمجالاتهم البحثية.

ويترتب على هذا أسئلة كثيرة حول الأولويات والسياسة والارتباط بأولويات غير علمية، وصعوبة الموازنة بين الوقت الذي يحتاجه العالم للكتابة البحثية وبين الوقت الذي يستقطعه للتدريس في الجامعات.

وأحياناً، يكون التدريس أو الكتابة والنشر لأسباب مالية وتغطية نفقات وليس لأسباب علمية وجيهة، فيتحول النشر مثلاً لمنافسة كمية تؤثر على جودة المحتوى العلمي المنشور، ويخلق أجواءً منفصلةً بدلاً من العمل الجماعي المشترك الذي تحتاجه بيئة البحث العلمي لتزدهر بالتعاون.

أيضاً، هناك خطورة لتعارض المصالح بين الممول – سواءً كان حكومياً أو من القطاع الخاص والشركات الصناعية – وبين أولويات البحث العلمي، فمثلاً شركات الأدوية تقترح أولويات في البحث الدوائي تربط بها العلماء بسوقها التجاري وتستخدم ضغوط التمويل لإتمام هذا الغرض.


2- ضعف الدراسات بسبب ضعف الحوافز


يقيّم العلماء بناءً على الأبحاث التي ينشرونها، وضغط النشر هذا يدفع العلماء للخروج بنتائج مثيرة تجعلهم على صفحات الصحف والروايات وقوائم النشر وهذا النمط الثوري غير علمي، لأنه يؤثر على محتوى واتجاه البحث ونتائجه.

ولأن العلم نشاط إنساني يتأثر بنفس الأجواء التي تؤثر في اتخاذ القرار الإنساني، فإنه يتعرض لنفس لنفس المعايير التقييمية الكمية والنوعية والتحليلية؛ فمثلاً، لا تنشر الصحافة الدراسات السلبية التي تبنى على تجربة لا تؤدي إلى شيء، رغم أن هذه النتيجة السلبية لها قيمة علمية لكنها لا تحتوي على الإثارة المطلوبة.

لهذا يجب أن تكون هناك شفافية أكثر؛ فمثلاً أحد المواقع يقدم أداةً تسمح للباحثين بأن يسجلوا دراستهم ومشروعهم البحثي وطرقه بالزمن، ويسجل التقدم في البحث مما يجعل من الصعب الوصول إلى استنتاج مسبق أو يصل إلى النتيجة التي حددها الباحث سلفاً بشكلٍ يعزز المصداقية العلمية.


3- تكرار النتائج هام.. لكن العلماء نادراً ما يفعلون ذلك


التكرار مفهوم أساسي للعلم؛ فحين يتناول الباحثون دراسة قديمة ويعيد اختبارها ليرى أن كانت النتائج ستكون متشابهة، فإنه يساهم في تأكيد الحقيقة العلمية، لكن هذا لا يحدث في الواقع كما ينبغي ، فلا يتوفر حافز كافي للباحثين ليقوموا بهذا التكرار.

الاختبار والتحقق وإعادة التجربة هي حلقات هامة لبناء الحقيقة العلمية، لكن عدداً قليلاً من العلماء يمتلكون الحافز لإعادة التجربة ولإلقاء نظرة على خطورة الأمر، فإننا نأخذ مثالاً لدراسة نفسية في العام 2015 أجريت على 83 حالة لاختبار كفاءة علاج نفسي نجح منها فقط 16 حالة، وبتأثير أضعف في 11 حالة منهم ونصف الحالات لم تصل لنفس النتيجة على الإطلاق.

مثل الصحافيين، يسعى العلماء لنشر أبحاثهم حتى ولو لم تمتلك أدلةً علميةً كافيةً ودون إعادة اختبار كافية حتى تتيقن من الحقيقة العلمية، وهذا يعود أيضاً إلى الحوافز؛ فعندما يحتاج الباحث للنشر الدوري المنتظم، فإنه يبحث عن النتائج الإيجابية بالضرورة، ما يؤدي إلى خفض كفاءة البحث وضعف المناهج العلمية والطرق المستخدمة.

4- غيرة الأقران وتقييم الأنداد


الغيرة بين الباحثين يؤدي لإضعاف العلم بأن تصل معلومات البحث للنشر ، في العادة تحدث الأمور كالتالي : باحث يسجل مقال للنشر في دورية علمية وبعد أن تقبله الدورية مبدئياً فإنها تحيله لتحكيم والنقد والتقييم للجنة لا تعرف المعلومات الشخصية عن الباحث وأحياناً درجتين أو ثلاثة من التقييم ويبدوا هذا نظام معقول لكن لا يمنع هذا المقالات الرديئة من النشر .
وحسب بن جولدكر وهو باحث في الأوبئة ومؤلف نحن نحتاج للتعامل مع الدوريات الأكاديمية باعتبارها نوافذ بيع لوصف أبحاث غير مكتملة فبسبب تعسف المحررين والمحكمين الذين يحددون ما الذي ينشر وما الذي لا ينشر فإن هذه السياسات الضارة تضيق امكانية النقد والرد للأبحاث المنشورة ولا تجعل للحوار العلمي قيمة كبيرة.

5- علوم كثيرة محجوبة خلف نوافذ الدفع


بعدما يتم تمويل دراسة وإجراؤها وتقييمها، يبقى السؤال الهام: كيف تخرج ليطلع عليها الآخرين ويفهموا نتائجها؟ يبدي كثير من العلماء المشاركين في الدراسة عدم ارتياح في كيفية نشر البحوث العلمية وصعوبة وتكلفة الوصول إليها، وينتقد بعضهم عملية النشر نفسها لكونها بطيئة ومكلفة، بينما يجب أن تكون مفتوحة للجميع لقراءتها وهذا عكس النموذج الحالي الذي يلعب فيه الناشرون الهادفون للربح دوراً كبيراً في وضع الأبحاث خلف نوافذ الدفع.

فبينما يتكلف قراءة مقال علمي واحد في دورية مدفوعة مثل ساينس 30$، يمكن أن يتكلف الاشتراك السنوي في عدة دوريات مبلغ 10 آلاف دولار خاصة في ظل اعتبار عدد الأبحاث المنشورة في دوريات علمية معياراً مهماً لتقييم العلماء.

ورغم أن المؤسسات العلمية في الولايات المتحدة تدفع كثيراً من النفقات لموظفيها، لكن ليس لكل العلماء وليس للقراء الفضوليين يحكي أحدهم عن طالب دكتوراة في إيران يدفع 11000$ في الأسبوع ليقرأ الأوراق التي يحتاجها وهذا يخدم الشركات المسيطرة على النشر العلمي

ولا يخدم البحث والعلم كثيراً، ففي العام 22014 سجلت السفير هامش ربح لنسبة أربعين بالمائة من عائداتها يقدر بثلاثة مليارات دولار، ويبدوا خطأً أن يمول دافعو الضرائب الأبحاث في المختبرات الحكومية والجامعات ولا يستطيعوا بعد ذلك الاطلاع على نتائج هذه الدراسات، يجب أن يتغير هذا الواقع ليحقق الإتاحة والشفافية الكافية حى لا يتورط الباحثون في انتهاك حقوق الملكية الفكرية!

6- العلوم صارت ضعيفة الاتصال بالعامة


لو كنت سأغير شيئاً واحداً في العلمو فإنه سيكون تغيير طريقة تواصل العلماء والكتاب والفعاليات العلمية مع العامة، تقول كلير مالون الباحثة في جينات السرطان.

مالون ليست وحيدة، لأن كثير من العلماء يعانون من أن الناس لديهم أفكار غير علمية حول كيفية عمل العلوم وتمتلئ الصحف بأمثلة كثيرة عن أبحاث وهمية مثلاً تنشر صحيفة أن الزبادي يسبب السرطان أو يمنعه وأحياناً الاثنين معاً!

7- الحياة كأكاديمي شاب صعبة بشكل لا يصدق!


عندما سألت جامعة فيرجينيا الأميركية الباحثين عما يمكن أن يصلحوه في العلوم، تحدثوا عن العملية العلمية نفسها والقضايا الستة التي ذكرناها هنا، وكان أغلبهم من الباحثين الكبار الذين يحبون أعمالهم ويريدون تطويره.

لكن على الناحية الأخرى، فإن الباحثين الصغار والخريجين الجدد قالوا إنهم يحبون البحث العلمي، لكن بعد خبرة شعروا بعدم الجدوى وعدم التقدير.

ورغم أنهم يشغلون أعمال مهمة في المعامل ودوائر البحث، فإنهم لا يحصلون على مقابلٍ كافٍ رغم عملهم لساعات طويلة. ويتردد أن هناك تمييزاً ضد النساء والأقليات العرقية في حقول البحث العلمي، والحل لذلك هو إزالة الأسماء الموجودة على أغلفة الأوراق العلمية المقدمة للمعاهد ولجان التحكيم حتى يكون التحكيم عادلاً وشفافاً.

العلم بحاجة إلى إصلاح نقاط ضعفه


هناك مقترحات للعلم ليصحح من أوجه ضعفه ورغم أن الثورة العلمية بدأت منذ 500 عاماً، لكن المئوية الأخيرة فقط هي التي شهدت علماً احترافياً متقناً ولا تزال الجهود ممكنة لإلغاء التحيز ورفع الحوافز لتطوير العلم.

وهذه بعض المقترحات:

– يجب على العلماء أن يقروا بمشكلة المال وأن البحث يرتبط بالتمويل فلا يجب أن تأخذ دراسات صغيرة طريقها للشهرة سريعاً بينما لا يتم الاهتمام بدراسات معمقة تحتاج مدد أطول وأدلة أكثر.

– يجب على العلماء أن يحتفوا بالفشل ويتقبلوه بصدر رحب لأن التجربة التي تصل لنهاية ميتة تتضمن أيضاً فائدةً علميةً يجب نشرها والاستفادة منها ويجب أن يتبادل العلماء تجاربهم وبياناتهم حول التجارب الفاشلة مع أقرانهم بدلاً من الاكتفاء بالاكتشافات فقط!

– يجب أن يكون العلم أكثر شفافية وينشر العلماء مناهج البحث وطرقه كاملة وينشروا كذلك المواد الخام التي تم الاعتماد عليها، ما يجعل إعادة التحليل والتجربة ممكناً، فغياب الشفافية يضيع الكثير من الوقت والجهد.

علامات:
تحميل المزيد