أميركا جعلته يحتضر.. أجود أنواع السجاد بالعالم في طريقه للاندثار

عربي بوست
تم النشر: 2016/05/27 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/05/27 الساعة 10:07 بتوقيت غرينتش

اشتهرت إيران على مر القرون بسجادها الفارسي المصنوع يدوياً بأنامل البدو على امتداد بادية شيراز ومرتفعاتها.

ترعى الخراف على أعشاب المروج في أعلى الجبال، يُجَزّ صوفها الكثيف مرة واحدة في العام لينتج خيطاً صوفياً سميكاً متيناً مثالياً للتيلة الطويلة المستعملة في صنع السجاد.

لكن حامد ذو الأنوري، وهو أحد أكبر صانعي وتجار السجاد في إيران، يقول إنه ما عاد ممكناً الاستمرار في الإنتاج اليدوي عالي الجودة للسجاد البدوي، حسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الخميس 26 مايو/أيار 2016.

البديل

فقد استعاض عن ذلك ببناء معمل به 16 قدراً ومرجلاً ضخماً لغلي الخيوط والألوان وتحريكها بعصى خشبية طويلة يمسكها رجال ارتدوا بدلة العمل الزرقاء. يغلي الماء الملون في المرجل كأنه حمم فوهة بركان ثائر، أما الهواء فيعبق برائحة الغنم والخرفان.

تزدحم غرفة مجاورة وتغص بالأعشاب من أوراق الكينا ونبات النيلة ومعجون البقول الأسود إلى الكركم وقشرة البلوط والشَب (مركب كيميائي)، كلها مواد ومحتويات تدخل في صناعة الألوان المختلفة.

وقال ذو الأنوري: "السجاد الإيراني عضوي 100% ولا تدخل الآلات في صناعته".

تجلس امرأة مُسنّة أمام نولها القديم لتحيك سجادتها التي قد تستغرق عاماً من الزمان، مشهدٌ عتيقٌ كأنما يذكرك بقدم الأزل. لكن مهنتها مهددة مثلما معمل تصنيع السجاد بات مهدداً هو الآخر، فمع 6 سنوات من العقوبات الاقتصادية الغربية ضد تجارة السجاد والمنافسة الشديدة من السجاد الآلي المصنوع في الصين والهند، تكاد صناعة السجاد الفارسي تلفظ أنفاسها الأخيرة، فيما يهز أرباب صناعة السجاد وتجارته المخضرمون رؤوسهم يأساً من عودة صناعته وتجارته إلى الحياة.

على مر العصور ترك كل الغزاة والسياسيين وحتى الأعداء بصمتهم على السجاد الإيراني، حسبما قال البروفيسور هاشم سيد غاميز، الخبير المحلي في السجاد، بينما يجلس على مقعده وسط باحة خضراء في منزله بشيراز الذي يعود إلى سلالة القجر. فقد قال إن الأجانب كانت لهم مطالب مختلفة، فدخلت تغييرات على الصنعة مثل استعمال المواد الكيميائية للتلوين ومثل فرض العقوبات مؤخراً على السجاد. تلك كانت صفعات للصناعة – حسب قوله – أضرت بها لكن لم تدمرها.

لكن سيد غاميز الآن يقول إن النهاية وشيكة، فالحداثة تفرض نفسها، إنها قوة تلتهم كل شيء وتغير المجتمع في لمح البصر، وهذا يزهق روح السجاد الفارسي، مفخرة إيران ودرتها، "فالناس الآن وببساطة ما عادت تحفل بالجودة"، كما قال.

ولعل لسان الحال يقول أيضاً إنهم ما عادوا يأبهون بالدفع للحصول عليها.

في هذا العام وبعد إتمام الصفقة النووية، رفعت الولايات المتحدة عن تجارة السجاد 6 سنوات من العقوبات، لكن مع ذلك ما زال السجاد الفارسي يحتضر مع تضاؤل أعداد الناس المهتمة بشرائه.

يقول سيد غاميز: "الكل هذه الأيام يبحث عن الإرضاء السريع والبساطة، لكن سجادنا هو العكس تماماً".

لم تكن رسالته هذه متفقة مع ما دار في أذهان مسؤولي المركز الوطني للسجاد الإيراني حينما رتبوا رحلة للصحفيين الأجانب الأسبوع الماضي، لكن مع ذلك لم يختلف معه أي منهم بشأن رأيه.

فشيء واحد مؤكد، ألا وهو أن سجاد إيران واحد من أكثر الصناعات والمنتوجات اليدوية تعقيداً وتطلباً للوقت والجهد في العالم أجمع.

عملية الصناعة

فعلى سفوح إقليم فارس الخضراء اللامتناهية وفي قلب إيران النابض أبصرت أولى أنواع السجاد بل وأم كل السجاد النور، إنها السجادة الفارسية البدوية اليدوية.

عملية صناعتها تبدأ بجز أصواف 1.6 مليون خروف بأيدي رعاة الغنم من قبائل القاشقاي والبختياري البدوية التي تنتج الصوف المتين طويل التيلة المثالي لتصنيع السجاد.

من بعدها تتسلم المرأة الدفة، فتغزل خيوط الصوف باليد وتفتلها وتجدلها بأصابعها، ثم يلف الخيط بعد الانتهاء من صنعه في لفة ويصبغ بالمواد الطبيعية كقشور الرمان للون الأحمر القاني أو ورق العنب للون الأخضر اليانع. فبعد غليه أياماً وأياماً على نار الحطب تجفف الخيوط برياح الشمال التي تهب عصر كل يوم.

ولا يبدأ العمل حتى تجف الخيوط تماماً، إذ يندفع النساجون – ومعظمهم نساء – إلى العمل والانهماك فيه لمدة تستغرق من أشهر إلى عام كامل، يحنون ظهورهم أمام نولٍ أفقي، يحيكون وينسجون آلاف العقد والزردات. البعض يتبع التصاميم التقليدية المتعارف عليها فيما آخرون يبدعون تصاميمهم الخاصة. وعند الانتهاء من السجادة تقص ثم تغسل وتجفف تحت أشعة الشمس.

يقول ذو الأنوري، تاجر السجاد: "إنه عملٌ مضنٍ مجهد ويتطلب وقتاً. عملٌ كله شغف، وكم يكلف هذا؟ لا تكلفة تذكر". فسجادة يدوية بطول 3 أمتار وعرض مترين تكلف 400 دولار في شيراز تبعاً لتصميمها وجودتها.

يقف ذو الأنوري الذي يتحدث الإنكليزية بطلاقة بين تاجري سجاد آخرين، هما حبيب بيات ومحمد علي ديديروشان اللذين يحملان الغرين كارد الأميركي ويصفان نفسيهما بأنهما عاشقان للسجاد.

العقوبات كانت قاصمة

يقول ديديروشان إن العقوبات كانت قاصمة ولا معنى لها أو تفسير من وجهة نظره على الأقل، "دعونا نواجه الأمر صراحة، ما دخل السجاد ببرنامجنا النووي؟".

أما بيات فيقول إن المقلق في الموضوع هو أن التجارة لم تستعد رواجها حتى بعدما رفعت العقوبات مع بداية هذا العام، فمع استمرار المشاكل والعراقيل أمام التعاملات المالية العالمية يقول بيات: "حتى السياح الأجانب الذين يفدون إلى إيران ليس في وسعهم الدفع للشراء ما لم تكن بحوزتهم نقود ورقية كثيرة".

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فالسجاد الفارسي يخسر مكانته حتى في إيران نفسها التي باتت طبقتها المتوسطة تبحث عن أرضيات الصفائح البلاستيكية الرخيصة، أما من ما زالوا على حبهم للسجاد فباتوا يتجهون الآن إلى السجاد الصيني والهندي المقلد والأرخص ثمناً.

يقول مرتضى طالبي، رئيس مجلس بازار شيراز: "صرنا نبيع نحو 10% فقط من ما كنا نبيعه قبل 10 أعوام". فالبازار الذي عمره قرن من الزمان يزخر بمحلات السجاد ودكاكينها، لكن ما من زبائن تشتري.

حتى صانعو السجاد الأصليون البدو صاروا نادرين. فقد اصطحب ذو الأنوري مجموعة صحفيين معه إلى مضارب قبائل بدوية خارج شيراز، حيث رحب البدو بضيوفهم بالأهازيج وعزف المزمار وإطلاق الأعيرة النارية في الهواء ابتهاجاً بالقادمين، بينما جلست النسوة في ثيابهن وحُللهن التقليدية يغزلن الصوف، بينما أخريات عكفن على حياكة سجادة.

لكن اتضح أن العديد من هؤلاء البدو ما هم إلا مدمنو مخدرات أقلعوا عن الإدمان وجيء بهم من أنحاء البلاد المختلفة للترحيب بالزوار في محاولة منهم للتشاغل عن إدمانهم وإعادة تأهيلهم والإقلاع عن المخدر.

تقول مينا بهرام عباديان، العضو في مجموعة إيرانية تساعد البدو ومدمني المخدرات، إن العديد من البدو يبحثون عن وظائف ومعاشات أفضل، وإن وضعهم ليس مختلفاً كثيراً عن أوضاع ومشاكل جميع الشعوب والمجتمعات العرقية الأصلية حول العالم.

وتختم قائلة: "معدلات الطلاق ترتفع وكذلك الإدمان. ليس في مقدورهم التأقلم مع كل التغيير، لذا يصابون بالاكتئاب ويتوقفون عن صنع السجاد".

– هذا المقال مترجم عن صحيفة The New York Times الأميركية. للاطلاع على النص الأصلي للمقال اضغط هنا.

تحميل المزيد