رغم التطور المستمر للحياة على سطح الأرض إلا أن الشفرة الجينية الكامنة وراءها تظل متجمّدة، مُكونة من نفس المكونات التي استخدمتها منذ مليارات الأعوام.
في نقطة ما من تاريخ الكوكب وصل تطورنا الجيني إلى مرحلة مستقرة لم يتطور بعدها. ويعتقد العلماء حالياً أن هذا التوقف التطوري ربما يعود إلى محدودية طرق ترجمة البروتينات من الحمض النووي. وفقاً لصحيفة ديلي ميل البريطانية.
وركز فريق من علماء الجينات الإسبان على دراسة أحد جزيئات الحمض النووي الريبوزي الناقل (tRNA)، المسؤول عن نقل وحدات بناء البروتين لخط التجميع تمهيداً لترتيبها في التسلسل الصحيح.
وكان فرانسيس كريك الحاصل على جائزة نوبل قد وصف في عام 1960 النظام المعقد للشفرة الجينية بأنه "حادثة مجمدة".
الأحماض الأمينية
يعود هذا إلى توقف تطور الماكينة الجينية عند احتوائها على 20 حمضاً أمينياً (وحدات بناء البروتين)، وعدم تمكنها من التمدد أكثر من ذلك، لتظل مجمّدة عند النقطة التي بلغتها منذ ما يزيد على 3 مليارات سنة. وعلى الرغم من قدرة الجسم البشري على خلط وربط هذه الأحماض الأمينية المتاحة معاً لصنع بروتينات، إلا أنه يعتمد على مسارات كيميائية معقدة لاستخدام الأحماض الغائبة عن الشفرة الجينية.
فنظرياً كان بإمكان الماكينة الجينية التوسع لتحتوي على 63 حمضاً أمينياً، إلا أنها اصطدمت بعائق في طريقها منذ مليارات الأعوام.
فوجود أكثر من 20 حمضاً أمينياً في الماكينة التي تقرأ الحمض النووي وتترجمه إلى بروتينات، قد يؤدي إلى تسلل العديد من الأخطاء في عملية الإنتاج، وظهور عدد من البروتينات المشوهة، بل وإلى انهيار النظام الحيوي برمته في النهاية.
وأوضح لويس ريباس دي بوبلانا، عالم الوراثة بمعهد الطب الحيوي في برشلونة أحد المشاركين في هذه الدراسة: "تعتمد عملية خلق البروتينات على الشفرة الجينية باعتبارها الصفة الحاسمة في النظم الحيوية، وهي أساسية للتأكد من الترجمة المضبوطة للبروتينات".
ويحتوي كل حمض نووي ريبوزي ناقل على منطقتين أساسيتين: إحداهما للاتصال بحمض أميني معين، بينما تتعرف الأخرى على علامة الشفرة الجينية المكونة من 3 أحرف، وعلى الرغم من وجود عدة علامات جينية لحمض أميني واحد، إلا أن الجمع بين هاتين المنطقتين يعطي للحمض النووي الريبوزي الناقل هويته.
سبب توقف الشيفرة الجينية؟
ويرى الفريق أن سبب توقف الشفرة الجينية عن التطور هو عدم القدرة على خلق أنواع جديدة من الحمض النووي الريبوزي الناقل دون التسبب في تهديد النظام.
وكما قال د. ريباس لصحيفة "الدايلي ميل" البريطانية: "يشير عملنا إلى أن المناطق الرئيسية في الشفرة الجينية والأحماض النووية الريبوزية الناقلة لا تستطيع استيعاب عناصر محددة للتمييز بين 63 حمضاً أمينياً.
ومع الحاجة إلى حمض نووي ريبوزي مختلف لأجل كل حمض أميني جديد، فإن حدود الأحماض الريبوزية الناقلة هي التي تحدد عدد الأحماض الأمينية المُستخدمة. وما حدث أن هذا الحد كان 20، ولم يتغير منذ 3 مليارات عام".
لكن الفريق يواصل البحث في محاولة لمدّ الشفرة الجينية والتغلب على القيود التي فرضتها الطبيعة.
وأضاف البروفيسور ريباس: "لن يتغير هذا الحد بشكل طبيعي في الأغلب، وسيشكل عائقاً أمام التنوع الجزيئي. لكن يمكننا زيادة عدد الأحماض الأمينية المستخدمة في الخلايا اصطناعياً وتحت ظروف مخبرية محددة. وأعتقد أن عملنا على إضافة أحماض أمينية جديدة للسياق الطبيعي سيتطلب إعادة هندسة النظام، وهو ما لا تستطيع الطبيعة فعله. وهذا هو السؤال الأهم الذي تقوم دراستنا بفتح الطريق أمامه: كيف يمكن هندسة هذا الحمض؟".
– هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Daily Mail البريطانية. للاطلاع على المادة الأصلية يرجى الضغط هنا.