هل كنت تتوقع يوماً أن تكون قشرة الأرز سبباً لخفض كولسترول الدم، والعمل كمضاد لأمراض السرطان، هذا بالفعل ما توصل إليه فريق بحثي مصري بعد أن نجح في إدخال "قشرة الأرز" (وهي مخلّف ناتج من عملیة تبیيض الأرز، عادةً ما يتم إدخاله في علف الحيوانات) إلى خلطة "الجبن المطبوخ"، بما لا يؤثر في شكل المنتج وقبوله لدى المستهلك.
النتيجة التي توصل إليها الفريق كانت سبباً في حصولهم على براءة اختراع من أكاديمية البحث العلمي في شهر مارس/آذار الماضي.
الدكتورة منى عبدالقادر، إحدى أعضاء الفريق المكون من 7 باحثين، قالت لـ"عربي بوست" إن "الفكرة تبدو نظرياً سهلة وبسيطة، لكن عملياً تطلّب تجهيز قشرة الأرز لإدخالها ضمن مكونات الجبن المطبوخ جهداً بحثياً استمر قرابة العام".
عقبات
وتضيف عبدالقادر: "إحدى المشكلات التي واجهها الفريق البحثي كانت في علاج مشكلة التزرنخ بزيت قشرة الأرز، حيث تبلغ نسبة الزيت فيها 14%".
و"التزرنخ" بحسب تعريفه من أعضاء المركز القومي المصري للبحوث، ظاهرة غذائية تعني تغير الصفات الكيميائية والفيزيائية للزيت، أو ما يُعرف بـ"الأكسدة"، ما يؤدي لتغير طعمه ورائحته، ويحدث ذلك بسبب وجود بعض الإنزيمات، ومنها إنزيم اللايبيز.
وتمكَّن الفريق من علاج هذه المشكلة عن طريق المعاملة الحرارية التي تؤدي الى تثبيط الإنزيمات الموجودة فى زيت قشرة الأرز، والمسؤولة عن تدهور خواصه.
ولم تكن هذه هي المشكلة الوحيدة التي واجهت الفريق البحثي في سعيه نحو الوصول للمنتج، وكانت المشكلة التالية تتعلق بالنسبة المثالية لإضافة قشرة الأرز للمنتج، التي لا تؤدي إلى حدوث تغيير في المواصفات الشكلية له.
حلول ومزايا
وأوضحت الباحثة لـ"عربي بوست" أن الجهد البحثي للفريق أثمر عن أن النسبة الأمثل للإضافة من 2 إلى 6%، وتعني 2% من قشرة الأرز، إلى 6% من الخليط الذي يُستخدم في إعداد الجبن المطبوخ.
وتُكسب هذه الإضافة البسيطة المنتج عدة مزايا صحية، سببها العناصر الغذائية التي تحتويها قشرة الأرز.
وتشير الباحثة إلى بعضٍ من هذه المزايا وهي "خفض كولیسترول الدم، والعمل كمضادٍ لأمراض السرطان، هذا بالإضافة إلى مزايا اقتصادية، ومنها أن توفير استخدام اقتصادي لقشرة الأرز يقلل من تكالیف الصناعة وبالتالي يخفِّض من سعر الأرز".
ويقول الفريق البحثي إن "مزايا المنتج تنصُّب في مجملها على خفض كولسترول الدم والعمل كمضاد لأمراض السرطان، كما أن المنتج يساعد في استحداث طرقٍ اقتصادية للاستفادة من مخلّف قشر الأرز في تغذية الإنسان، وتطوير إنتاج جبن مطبوخ ذي خواص غذائية وصحية مميزة".
فوائد أخرى
خبير الصناعات الغذائية الدكتور أحمد خورشيد اعتبر هذه الفكرة جديدة، كونها المرة الأولى في مصر التي تضاف فيها قشرة الأرز إلى منتج غذائي، لكنه في الوقت ذاته يرى أن توجيهها لسد "فجوة الزيت" في مصر يبدو أكثر قيمة من توجيهها لصناعة الجبن المطبوخ.
يقول خورشيد لـ"عربي بوست" إن "الزيت سلعة استراتيجية لا يمكن الاستغناء عنها، وهي أهم وأولى من تحسين مواصفات منتج موجود بالفعل".
ويضيف: "في كثير من الدول الأوروبية يُعد زيت قشرة الأرز من أغلى الزيوت، ويُعرف بـ(زيت القلوب)؛ لأنه يساعد على خفض الكولسترول، بينما في مصر يتم التخلص منها أو تدعيم علائق الماشية بها".
وكان الدكتور خورشيد أجرى دراسة عام 2005 عن فجوة الزيوت في مصر توصلت إلى أن قشرة الأرز يمكنها أن تمد مصر بـ200 ألف طن زيت، بشرط أن يتم استخدام مليون طن من هذه القشرة، تخرج من مضارب الأرز سنوياً.
وتقدر فجوة الزيت في مصر بـ90%، حيث يصل حجم الاستهلاك المحلي الى مليون و200 ألف طن سنوياً، في حين أن ما ننتجه من الزيت لا يتجاوز 100 ألف طن سنوياً، ما يعني – بحسب خورشيد – أن استغلال قشرة الأرز يمكن أن يقلل حجم الاستيراد السنوي من الزيوت بمعدل 20%.
تعميم التجربة
وسواءً كانت الاستفادة من قشرة الأرز لتدعيم منتج الجبن المطبوخ بها أو استخدامها في إنتاج الزيت لسد الفجوة الزيتية، فإن الاستفادة منها في أي المجالين مطلب اقتصادي وصحي، بحسب علاء حسب الله عضو الجمعية العلمية للصناعات الغذائية مسؤول التسويق في إحدى شركات الصناعات الغذائية العالمية.
والمنتَج الجديد يحقق قيمة اقتصادية مضافة – كما يوضح حسب الله – وذلك من خلال الاستفادة من مليون طن تقريباً من قشرة الأرز، تنتج عن كمية محصول الأرز التي تدخل المضارب سنوياً، وتقدر بـ6 ملايين طن تقريباً، كما أنه يحقق قيمة صحية بالاستفادة من العناصر الغذائية التي تنتج عن مضارب الأرز".