"رائد فضاء" الإجابة الأولى التي سيجيبها أي طفل عندما تسأله "ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟"، فحلم السفر إلى الفضاء كان ومازال شغف الإنسانية الأكبر لأنه يحمل الكثير من الغموض والكثير من المشاهد الخلابة وربما الكثير من الأجوبة أيضاً.
ولكن لماذا نسافر إلى الفضاء فعلاً؟
حسناً، أسباب السفر إلى الفضاء كثيرة، ابتداءً من آلاف الأقمار الصناعية التي تدور حول الأرض وربما حول كواكب أخرى وانتهاءً بأحلام السقوط في ثقب دودي يقودنا إلى مجرة أخرى.
في هذا الموضوع سنحاول أن نصحبكم في رحلة من إحدى محطات أبحاث الفضاء على الأرض إلى حدود توقعاتنا لما قد تتوصل إليه تكنولوجيا النقل الفضائي في المستقبل.
من موسكو.. حيث بدأ كلُّ شيء
في أكتوبر/تشرين الأول عام 1957 أطلق الاتحاد السوفييتي أول قمر صناعي على الإطلاق إلى الفضاء، الخطوة التي ستعتبر فيما بعد أول خطوة يقوم بها الإنسان في رحلته لغزو الفضاء والتي كان لها تبعات سياسية وعلمية في حث البشرية على البدء باستخدام ذلك الفضاء في شيء غير تأمل النجوم والاسترشاد بها في الطرق.
"سبوتنك-1" القمر الروسي الأول والذي على الرغم من نهايته المأساوية، إلا أنه مد العلماء بالكثير من المعلومات الهامة لأول مرة، ككثافة طبقات الغلاف الجوي على سبيل المثال، والتغير في الجاذبية، والتفاوت المفاجئ في درجات الحرارة، المعلومات التي احتاجها الباحثون بشدة في إطلاق ما تلاه من أقمار صناعية أو رحلات إلى الفضاء الخارجي.
الآن يوجد أكثر من ثمانية آلاف قمر صناعي حول الأرض، لها المئات من الاستخدامات، كالاتصالات أو المراقبة أو لأغراض عسكرية أو أحياناً لأغراض بيولوجية كدراسة تأثير الفضاء الخارجي على الميكروبات.
أغلب الأقمار الصناعية تكون موجودة في مدار الأرض المنخفض، إطلاقهم لم يعد أمراً صعباً كما كان سابقاً، فكلّ ما تحتاجه هو صاروخٌ ثلاثيّ المراحل، ونظام توجيه لتوجه القمر إلى مداره بعد أن يصبح في الفضاء.
تعتبر محطة الفضاء الدولية، القمر الصناعي الأكبر على الإطلاق الموجود في المدار الأرضي المنخفض، حيث وجهتنا الأولى.
ودّع الأرض.. إلى محطة الفضاء الدولية
محطة الفضاء الدولية هي عبارة عن مختبر ضخم على ارتفاع 390 كيلومتراً عن سطح كوكب الأرض، والذي يعتبر أحد أعقد المشاريع العلمية والتكنولوجية المعروفة للبشرية على الإطلاق. فكرة إنشاء مختبر بهذه الضخامة في الفضاء كانت فكرة مدير وكالة الفضاء الروسية يوري كوبتيف الذي عرضها على مدير وكالة "ناسا" دانيل غولدين عام 1992، ليتم إطلاق أول مكوناتها بشكل آلي عام 1998، الوحدة الأولى التي التحم بها في نفس السنة المختبر الأميركي، لتلحقهم روسيا عام 2000 وتوصل مختبرها بهيكل المحطة.
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2000 أوصلت المركبة الفضائية الروسية "سويوز" تي ام-31 أول طاقم فضائي يصل إلى محطة الفضاء الدولية، لتتبادل عليها البعثات من ذلك العام وحتى يومنا هذا.
لتستمتع الآن بآخر مشهد أرضي لأشجار النخيل ستراه في مدينة تيوراتام جنوب كازاخستان، حيث تبدأ الرحلة من مركز بايكونور الفضائي، المركز الفضائي الدولي الذي تشارك فيه كل من روسيا وأوكرانيا وكازاخستان، والذي لا يقع حقاً في مدينة بايكونور ولكنه سمي بذلك لضمان بقاء موقعه الحقيقي سراً على المخابرات الأميركية كجزء من الحرب الباردة بين الدولتين العظميين في ذلك الوقت.
بعد أن تصل إلى المحطة ستستقل الصاروخ الروسي "سويوز"، الصاروخ الذي صمم في ستينيات القرن الماضي ليحمل الإنسان إلى القمر، وحتى وقت قريب جداً كان يعتبر المركبة الفضائية الوحيدة التي تحمل رواد الفضاء والباحثين إلى محطة الفضاء الدولية وخاصة بعد تقاعد مركبة "ناسا" الفضائية عام 2011، ولكن "سبيس إكس" مؤخراً لعبت دوراً هاماًً في تغيير تلك المعادلة.
بعد أن تستقل الصاروخ "سويوز"، حاول أن تتناسى أنك تجلس فوق أطنان من وقود الصواريخ المتفجرة، تحديداً 7 مليون باوند من الوقود، فليس هناك الكثير لتفعله حقاً في تلك المرحلة، حيث أنك ستقضي قرابة الساعتين تستمع إلى مجموعة من الفحوصات المملة، والتي عندما تنتهي تماماً ليتأكد المراقبون أن النظام يعمل بكفاءة، ستسمع مراقب المحطة الدولية يعد تنازلياً إلى الواحد ليحدث الانفجار الضخم وتبدأ الرحلة.
تلك المرحلة الأولى التي تحبس الأنفاس، تستغرق 9 دقائق فقط حتى تصل إلى المدار، تزداد سرعة المركبة تدريجياً من لحظة الانطلاق وحتى تصل إلى 17,500 ميلاً في الساعة. بمجرد أن تصل إلى المدار ستبدأ بالشعور بانعدام الجاذبية، لأول مرة ستختبر أحاسيس جديدة تماماً، فالسوائل الموجودة في جسمك ستبدأ بالتحرك إلى أعلى، وستشعر أن معدتك أصبحت مسطحة، بل إنك تزداد طولاً، إنشاً أو اثنين، ولكن لا تقلق على سراويلك في الأرض فهذا فقط تأثير انعدام الجاذبية والذي سيزول بمجرد عودتك إلى الأرض مرة أخرى.
يبدأ الصاروخ الذي يقلك بالاقتراب من المحطة الدولية للالتحام بها، تتحرك مع الطاقم إلى حجرة الاتصال لتجد الطاقم القديم في انتظارك لأن وصولك يعني بالضرورة موعد عودتهم إلى الأرض بعد أن أمضوا 3 أشهر في المحطة.
تصل إلى غرفة البحث التي ستقيم بها مع ثلاثة رواد فضاء آخرين. في هذه المرحلة، لا يوجد فوق أو تحت أو يمين أو يسار، فالاتجاهات نسبية لانعدام الجاذبية. ولكن إن أردت تجنب الشعور بفقدان الاتجاهات، اتبع نصيحة رائدة الفضاء السابقة مارشا إيفنز، جد غرضاً ما واجعله مرجعك، هنا مثلاً موضع رأسك، وبالتالي هذا هو الاتجاه "فوق" بينما عندما تنظر إلى قدميك فهذا هو الاتجاه الآخر "إلى أسفل". مربك قليلاً؟ ولكنها حتماً تجربة لا مثيل لها.
النوم في محطة الفضاء الدولية قد يكون أمراً خادعاً أيضاً، فأنت لا تستلقي، لأنك نظرياً واقف طوال الوقت ومستلق طوال الوقت أيضاً، وبالتالي تقوم بربط حقيبة نومك بأي جانب من جوانب الغرفة، ثم تلف نفسك بها وتغلقها من الخارج، حيث إنها مزودة بأكمام، ثم تخلد إلى النوم. قد تستيقظ اليوم التالي لتجد يداً تسبح أمامك، لا تجزع، هذه يدك. تذكر لا جاذبية هنا.
كيف تحافظ محطة الفضاء على مسارها حول الأرض؟
أثناء إقامتك بالمحطة قد تراودك مخاوف عن احتمالية أن يفلت هذا الجسم الضخم من مداره ليسبح في الفضاء مبتعداً، وبدون قوى احتكاك لتوقفه قد يستمر هذا إلى الأبد، أو أن يسقط إلى الأرض ليحترق بفعل غلافها الجوي بسبب جاذبية الأرض.
الحقيقة إن المحطة في حالة سقوط دائمة إلى الأرض، ولكن التوازن بين قوة الجاذبية وقوة الطرد المركزية الناتجة من سرعة المحطة هي التي تبقي المحطة في مدار ثابت حول الأرض. فسرعة محطة الفضاء الدولية 7.66 كيلومترات للثانية أي 27,600 كيلومتراً في الساعة، مما يعني أنها تكمل دورة كاملة حول الأرض كل 92 دقيقة!. فإذا انخفضت سرعتها لأي سبب كان فإن هذا سيعني اختلال التوازن بين قوى الجاذبية وقوى الطرد المركزي وبالتالي سقوط المحطة إلى الغلاف الجوي للأرض، وان ارتفعت سرعتها عن تلك السرعة فإن هذا سيعني أن تنطلق إلى الفضاء متحررة من قوى الجاذبية. ولكنك لست على الأرض، مما يعني انعدام قوى الاحتكاك تقريباً، وبالتالي فإنك بمجرد ما تكتسب سرعتك الأولية فإنك تسير محافظاً عليها، بدون الحاجة إلى استهلاك وقود أو طاقة لتستمر بالحركة بتلك السرعة.
بسرعة مثل هذه السرعة العالية سيتسنى لك رؤية الأرض في أوضاع مختلفة، كأن ترى السماء الملبدة بالغيوم، لتفهم تشكيلات الغيوم المختلفة فوق كل قارة ،أو أن ترى القارات المكتسية بالخضار، أو حتى أن تستمتع بمشهد الزرقة الخلاب للمحيطات، بل سيتسنى لك رؤية الشمس تشرق 16 مرة في اليوم. شيء ساحر بالتأكيد، أليس كذلك؟
شركات تكنولوجيا الفضاء أدركت هذا الأمر، مما دفعها إلى البدء في وضع خطط لعمل سياحة في الفضاء، فالعام القادم سيشهد إطلاق أول فندق فضائي في التاريخ، بحجم أصغر بكثير بالتأكيد من محطة الفضاء الدولية، ولكن هذه المرة مجهز لاستقبال السائحين الراغبين في خوض هذه التجربة. الفندق صممته شركة الفضاء الروسية إنيرجيا بالتعاون مع المؤسسة الأميركية لتكنولوجيا الفضاء والتكنولوجيا المدارية.
فحتى الآن كان السفر إلى الفضاء مقصوراً على الباحثين ورواد الفضاء، و7 أشخاص فقط من أصحاب الشركات الذين دفعوا مبالغ تراوحت بين 20 إلى 40 مليون دولار للقيام برحلات مدارية. ولكن في المستقبل غير البعيد سيصبح السفر إلى الفضاء شيئاً ممكناً لأي شخص يملك مليون دولار وشغفَ الذهاب إلى هناك.
وعلى الرغم من أن روسيا تملك اليد العليا إلى الآن في تقنيات السفر إلى الفضاء، إلا أن شركة "أيلون ماسك سبيس إكس"، غيرت من خريطة القوى بعد أن نجحت في أن تكون أول شركة أهلية في التاريخ تنجح في إيصال مركبة إلى محطة الفضاء الدولية، لتوصل معدات "ناسا" إلى المحطة. الشركة تعاقدت مع "ناسا" بالفعل على 8 رحلات لإيصال شحنات مختلفة إلى المحطة، ومن المتوقع أن تصبح الشركة رقم 1 قريباً جداً لرحلات الفضاء الخارجية.
بين أحلامنا وخيال ستانلي كيوبريك.. محطّتنا الثانية: القمر
"أشعر بمزيج من الخجل والفخر حينما أدرك أنني شاركت في أكبر كذبة في التاريخ المعاصر" كما يقول ستانلي كوبريك في الفيديو الذي انتشر من فترة قصيرة للغاية والذي يزعم مصوره المخرج باتريك موريي أنها تعود للمخرج الأميركي الأسطورة وأنه سجله معه قبل 15 يوماً فقط من وفاته عام 1999، و قال أنه كتب على نفسه تعهداً من 88 صفحة ألا ينشرها أو يكشف أياً من تفاصيلها إلا بعد مرور 15 عاماً من تاريخ تصويرها.
الأمر الذي أعاد الجدل حول حقيقة هبوط الإنسان على القمر مرة أخرى على الساحة، بين مشككين في صحة الفيديو وأصحاب نظريات المؤامرة الذين صدقوا الفيديو على الفور واستخدموه في ترويج نظرية المؤامرة، عن فبركة الحكومة الأميركية تلك القصة لتقطع شوطاً أمام الاتحاد السوفييتي في حربهم الباردة.
ولكن بين التشكيك والجزم، تتبقى حقيقة واحدة؛ بطريقة أو بأخرى هبطنا على القمر، وسنهبط عليه مجدداً.
المرة الأولى على الإطلاق التي وصلنا فيها إلى القمر الذي يبعد عن الأرض 380,000 كيلومتر، كانت من نصيب المركبة الروسية "لونا-1" التي وصلت إلى بضع آلاف الكيلومترات من القمر (تحديداً 6000 كيلومتر من سطحه) في أقل من يومين عام 1959، وكان من المفترض أن تهبط على القمر، إلا أنه وبسبب عطل في نظام المراقبة، انحرفت عن مسارها ولم تهبط على سطحه، إلا أن العلماء الروس استطاعوا جمع المعلومات الحيوية التي مكنتهم من استكمال سلسلة لونا، بـ "لونا 2"، و"لونا3" وحتى "لونا 24"، والذي استطاع بعضهم تحقيق هدفهم والعودة بصور لسطح القمر وعينات من التربة، بينما تحطم الباقي أثناء محاولات الهبوط. ولكن كل تلك المحاولات كانت لمركبات تحاول الهبوط على القمر، ولم تتضمن أي واحدة منهم رواد فضاء بشر.
الولايات المتحدة الأميركية لم تقف مكتوفة الأيدي، فقامت هي الأخرى بعمل سلسلة "رانجر" والتي حققت بعض أهدافها، حتى سقوط القنبلة الأكبر التي أنهت ذلك الصراع المحتدم عام 1969 عندما خطى نيل آرمسترونغ خطواته التاريخية الأولى على سطح القمر في المهمة "أبولو11″؛ "الخطوة الصغيرة للإنسان، القفزة المهولة للبشرية".
وعلى الرغم من أن الحكومة أطلقت بعدها 5 رحلات "أبولو" ناجحة أخرى إلى القمر بين عام 1969 وحتى عام 1972 إلا أنه من بعد ذلك وحتى الآن لم يخط أي إنسان فوق سطح القمر، الأمر الذي سيتغير قريباً جداً.
فبعد إنشاء فنادق فضائية، يقول ريتشارد برانسون مدير "فيرجين جالاجتيك" (الشركة التي تعتزم تقديم رحلات تجارية فضائية)، أنهم قد يستخدمون تلك الفنادق الفضائية كمحطات توقف للمركبات، بحيث يستطيع رواد تلك الفنادق الانطلاق من فنادقهم في رحلات قصيرة إلى القمر. "لم لا؟ الأمر ليس صعباً للغاية، فالعديد من الرحلات التي وصلت إلى القمر وصلت في وقت قصير للغاية، الأمر لا يتعدى مجرد كونه نزهة ترفيهية قصيرة لأولئك الزوار."
في رحلتنا وبعد وصولك إلى الفندق الفضائي، ستستمتع بالإقامة ليومين أو ثلاثة في الفندق، حتى تجهز الرحلة الثانية، لتستقل المركبة التي ستقلك إلى القمر، في هذه المرحلة. لم نعد بحاجة إلى كل تلك الأطنان من الوقود، فلا جاذبية أرضية نتغلب عليها هنا، فقط تحتاج إلى طاقة كافية لتنطلق بسرعة أكبر من سرعة القمر الصناعي أو الفندق لتنطلق سابحاً في الفضاء باتجاه القمر.
الهبوط على القمر هو أمر ليس سهلاً، فأغلب المهمات التي فشلت سابقاً في محاولات استكشاف القمر كانت بسبب الاصطدام والتحطم أثناء الهبوط على سطحه ، فاختيار البقعة المناسبة للهبوط هو أمر دقيق للغاية، حتى لا تهبط في فوهة من فوهات القمر مثلاً، أو أن تمضي وقتاً طويلاً في محاولات البحث عن مكان مناسب للهبوط فتستهلك الكثير من الوقود في هذه المرحلة.
درجات الحرارة في القمر متقلبة للغاية، ففي النهار تصل درجة الحرارة إلى 123 درجة درجة مئوية، بالطبع بدون أي غلاف جوي يحميك من أشعة الشمس فوق البنفسجية، بينما في الليل تبلغ درجة الحرارة 233 درجة مئوية تحت الصفر، وبالتالي فإنك بالتأكيد إذا كنت ستغادر المركبة لتحظى بفرصة المشي على القمر، ستحتاج إلى السترة المخصصة لذلك وستحتاج إلى القيام بتلك النزهة ليلاً، ولكن لا تقلق كثيراً، فليل القمر يستمر 14 يوماً أرضياً بسبب حركة القمر الدورانية وكذلك النهار. وبالتالي لن تحتاج التعرض إلى أشعة الشمس أثناء وجودك خارج المركبة.
في أكتوبر/تشرين الأول العام الماضي، أعلنت وكالة الفضاء الروسية عزمها على إرسال بشر إلى سطح القمر بحلول عام 2029، كجزء من خطتها الكبيرة بإقامة أول محطة قمرية في التاريخ. اليابان بدورها أعلنت عن عزمها إرسال بعثة روبوتية إلى القمر في عام 2018، بغرض إجراء المزيد من الدراسات الجيولوجية عليه.
محطتنا الثالثة.. الكوكب الأحمر
التساؤل الأكبر الذي مازال يحير العلماء، هل سنصل يوماً إلى توفير بيئة صالحة للحياة في المريخ؟
السؤال الذي بدأ يقترب من كونه شيئاً قابلاً جداً للتحقيق بعد أن كان مجرد فكرة تداعب خيال صناع السينما وكاتبي روايات الخيال العلمي، وخاصة بعد الاكتشاف الأخير مؤخراً، عندما اكتشفت "ناسا" وجود ندوب طبوغرافية تثبت وجود ماء على سطح الكوكب، مما يعني احتمالية كبيرة لوجود حياة ميكروبية فيه. أو إمكانية توفير بيئة صالحة للحياة عليه.
أول محاولة للوصول إلى المريخ كانت من نصيب الاتحاد السوفييتي عام 1960، الا أن المركبة لم تصل إلى مدار الأرض وكانت محاولة فاشلة تماماً، لتستمر المحاولات بعدها، فينجح مسبار "ناسا" الفضائي مارينر4 في العودة ب21 صورة عام 1964 حصل عليها بالتحليق بجوار الكوكب، بدون الدخول في غلافه الجوي، لتتكرر أيضاً عام 1969 ويعود مارينر 7 ب 126 صورة، إلا أن النجاح الحقيقي الأول في الوصول إلى غلاف الكوكب الجوي بل والهبوط عليه كانت من نصيب الاتحاد السوفييتي عام 1971، عندما نجح المسبار الروسي مارس 2 في لمس سطح الكوكب لأول مرة في التاريخ ولكنه تحطم عند هبوطه ولم يرسل معلومات مفيدة. ولكن روسيا كررت المحاولة في نفس العام ونجحت في الهبوط على الكوكب لأول مرة بدون تحطم المسبار. واستطاع المسبار إرسال 20 ثانية من البيانات حول سطح الكوكب.
توالت بعدها الكثير من المهام الناجحة، ولكن أنجحها على الإطلاق كان في عام 2005 عندما جمع مارس ريكونيسانس أوربيتر الأميركي أكثر من 26 تيرابايت من البيانات عن الكوكب، أكثر من محصلة كل البيانات التي جمعت عن الكوكب في كل المهمات التي وصلت إليه. ولكن حتى الآن لم تصل أي بعثة بشرية إلى المريخ.
كيف تصل إلى المريخ؟ الموضوع ليس بسيطاً كما تتخيل، فلا يوجد طريق مستقيم بين مدار الأرض وحتى مدار المريخ، ولكي تسافر إلى المريخ، يجب عليك عمل مجموعة من الحسابات الهامة، بداية من سرعة دوران الأرض وموقعها حول الشمس، وسرعة دوران المريخ وموقعه حول الشمس، ثم تبدأ رحلتك التي ستستغرق وقتاً بين الـ 150 والـ 300 يوم، بحسابات لموقع المريخ من الشمس في ميعاد الوصول وليس ميعاد الانطلاق.
المسافة المتوسطة بين الأرض والمريخ حوالي 78 مليون كيلومتر، ولكنك لا تستطيع القول إننا إذا تحركنا بسرعة معينة فإننا سنقطع تلك المسافة في مدة تساوي المسافة مقسومة على السرعة، لأن المسار مختلف تماماً، فالرحلة تبدأ من وجود مركبتك في مدارها الخاص حول الأرض بسرعة نسبية هي محصلة سرعتها حول الأرض بالإضافة لسرعة دوران الأرض حول الشمس ،ساعية لتغيير محصلة السرعات هذه إلى سرعة الدوران حول المريخ بالإضافة إلى سرعة المريخ حول الشمس .
فتكون الخطوة الأولى هي اكتساب الدفعة الأولى التي تحرر المركبة من مدارها حول الأرض في اتجاه اكتساب السرعة الجديدة الخاصة بمدار المريخ حول الشمس .
في مرحلة انتقالية تبدأ المركبة في الحركة في مدار غير منتظم بالنسبة للشمس (مدار هوهمان الانتقالي) ،متخلية عن مدار الأرض حول الشمس في اتجاهها لمدار المريخ حول الشمس في رحلة ذات عمليات حسابية معقدة حتى إن الاختلافات في نتائج (الزمن اللازم للرحلة) بين النظرية والواقع تصل إلى الشهرين!!
تعمل هذه الحسابات بشكل أساسي على تخيل شكل المدار غير المنتظم ومكانه في الفضاء الخارجي مع التقدير السليم لموقع المريخ بالنسبة لمداره ،مع الوضع في الاعتبار أيضاً موقع الأرض بالنسبة لمدارها ،حيث تحدد هذه الحسابات وقت الإطلاق الصحيح لتصل المركبة إلى المدار الجديد في موقع يهيئ لها القيام بالخطوة الأخيرة وهي الدفعة (السرعة الإضافية) التي تولدها المركبة لتدخل في مدارها الخاص حول المريخ منهية هذا الجزء من الرحلة المتعلق بالانتقال من الأرض للمريخ.
هذه الرحلة تكون متاحة مرة واحدة كل 25 شهراً، حتى تتوفر الظروف الملائمة لعملها.
حالياً هناك العديد من المشاريع المتعلقة بإرسال بشر إلى سطح المريخ، أهمها مشروع مارس وان وهو مشروع خاص تقوم عليه شركة هولندية، تهدف إلى إقامة مستعمرة بشرية على كوكب المريخ بشكل دائم. وقد بدأت الشركة بالفعل بتدريب 24 رائد فضاء في صحراء أريزونا لتجهيزهم للذهاب إلى المريخ في أول رحلة ستنطلق إلى الكوكب عام 2023.
ولكن أيلون ماسك صاحب شركة "سبيس إكس" لأبحاث وتكنولوجيا الفضاء يملك رؤية مختلفة، فهو يهدف إلى بناء مستعمرة في المريخ تستوعب 80,000 ساكن بحلول عام 2040.