هذه التدوينة بالعامية المصرية
أحوال المتدربين في مصر أقل ما يمكن أن نقوله عنها إنها غير آدمية.. امتصاص دماء الشباب من قبل مصاصي الدماء من أصحاب الأعمال.. جهد بلا طائل أو مردود.. وساعات تضيع من عُمر الشباب على أمل التعيين والاستقرار، والمحصلة "لو فيه شغل قريب هنكلمك.. معلش إحنا بنمر بظروف صعبة".
وتستمر المأساة بإحضار متدربين جدد والضحك عليهم بذات الأسطوانة المحفوظة عن ظهر قلب، والتي تبدأ بعبارة "هتتدرب هنا 6 شهور حاول بقى تثبت نفسك، وهيكون ليك مكان معانا وهتكون واحد من الفريق وليك مكتبك الخاص".
فمنذ أن يسمع الشاب أو الشابة تلك العبارة السحرية يبدأ في التحول إلى آلة عمل لا تكل ولا تمل مشحونة بطاقة غير محدودة تسعى لإثبات ذاتها أمام رب العمل الذي يعي المدخل السيكولوجي الملائم لهؤلاء الشباب ويستغل حاجتهم إلى العمل، فيقدم لهم مجموعة وعود زائفة عن العمل وعن المرتب المجزي ويستنفذ طاقة الشاب طيلة 6 شهور، ثم يبحث عن ضحية جديدة يقدم لها ذات الوعود أو ذات "الطُعم" ليتصيد متدربين أو ضحايا جدداً.
ويستمر العمل قائماً على أكمل وجه بتساقط الضحايا من الشباب الذين يجدون أحلامهم تتساقط أيضاً ويظنون أنها نهاية المطاف، والكارثة حينما يعتقد بعض الشباب أن سبب طرد صاحب العمل لهم هو عدم كفاءتهم أو عدم مقدرتهم على مواكبة سير العمل.
إن أصحاب الأعمال في مصر يستغلون طموحات وآمال الشباب وحاجتهم للعمل لاتخاذها كوقود مجاني لأعمالهم ومؤسساتهم، لا يراعون ضمائرهم عند التعامل مع هؤلاء الشباب وجُل ما يفعلونه هو إعطاء الأوامر وإرهاب المتدربين لدفعهم لإعطاء كامل طاقتهم في العمل دون طائل مادي أو معنوي.
وقلما يوجد بالعالم المتحضر هذه النماذج الحقيرة المتحذلقة من أصحاب الأعمال؛ لأن قوانين العمل بأوروبا والولايات المتحدة وكندا صارمة بشأن تدريب الطلبة حديثي التخرج، بل إن مؤسسات الأعمال والقطاع الخاص هناك منوط بها تدريب الطلبة من شتى التخصصات وإعطائهم مرتبات طيلة فترة التدريب طالما أن تدريبهم يأتي ضمن نطاق عمل المؤسسة ويساهم في إنتاجيتها، فالمؤسسة مسؤولة عن تخصيص راتب لهؤلاء المتدربين أثناء التدريب، كما أنها تعاملهم شأنهم شأن العاملين داخل المؤسسة من حيث أسلوب الإجازات والعطلات وأوقات الاستراحة أثناء العمل.
والمؤسسة التي لا تفعل ذلك يمكن للمتدرب مقاضاتها، وحتى وإن لم يقاضها فإن مثل تلك المؤسسات العريقة في مجالها تخشى أن تتشكل حولها سمعة سيئة بشأن تدريب الطلبة حديثي التخرج ومن ثَم فهي تنأي بنفسها عن تلك المخاطر بأن تعطي لكل متدرب ما يستحقه من راتب.
أما في مصر فالكارثة الكبرى تكمن في قانون العمل الذي لا ينص على أي ضمانات تحمي حقوق المتدرب في أي مؤسسة خاصة "وهو يعني قانون العمل بيحمي أصلاً العاملين اللي بعقود، يلا خلونا ساكتين؟".
في مصر غالبية أصحاب الأعمال يستغلون المتدرب الاستغلال الأمثل لهم فهم لا يكلفون أنفسهم إعطاء المتدرب حتى حق وجبة طعامه أثناء العمل أو حق استقلال سيارة أجرة أو ميكروباص، ومع الأسف الشديد ما يدفع أصحاب الأعمال للاستمرار في سياسة مصّ دماء المتدربين هم المتدربون أنفسهم الذين يفكرون بمبدأ "قعدة البيت وحشة، غيري مش لاقي شغل، هو أنا هاتبطر على النعمة، دي فرصة اكتسب خبرة، أنا اشتغل أكتر علشان أثبت وجودي وأخليهم يشغلوني، أصلي لو مقبلتش التدريب غيري هيقبله وأنا هاقعد اشوي درة".
وإذا ظل المتدربون في مصر على هذا النهج من التفكير سوف يستمر استغلال أصحاب الأعمال لهم دون أن يأخذوا حقوقهم، فلابد أن يقوي المتدربون قلوبهم ويأخذوا حبوب الشجاعة للوقوف بوجه أصحاب الأعمال، وعليهم أن يرفضوا هذا الأسلوب الحديث من السُّخرة الذي يسمي تدريباً، ولابد أن يكون لهؤلاء المتدربين كيان رسمي يطالب بحقوقهم المادية والمعنوية، ويطالب بأن يوقع صاحب العمل على وثيقة تضمن للمتدرب أن يحصل على مردود مادي شهري إزاء التدريب بدلاً من أسلوب "إما نشوف شغلك الأول ممكن نفكر نعينك ونديك مرتب".
عزيزي المتدرب لا تثق بكلام صاحب العمل، فهو مخادع هدفه الأوحد استنزافك واستمرار مسلسل استنزاف غيرك بنفس العبارات الرنانة.
عزيزي المتدرب بلدك مفيهاش قانون يحميك ويحمي حقوقك بالتالي إن لم تبادر أنت وغيرك برفض استغلال أصحاب الأعمال لك، وتسعى لأن تفرض شروطك عليهم سوف تستمر المعاناة وسوف تقضي حياتك متدرباً بـCV مليان صفحات عن شهور تدريب وسنين خبرة راحت من عمرك وأنت لسه بتاخد حق ركوبك للمواصلات من السيد الوالد أو الست الوالدة.
عزيزي المتدرب إن معظم أصحاب الأعمال ينظرون إليك كآلة لابد وأن "تطلع قماش" وتشتغل غصب عن عين اللي خلفوك لأنهم دربوك وخلاص لأنك بقيت بتاعهم كأنهم اشتروك من سوق الرقيق.
فلا تصدق وعودهم ولا تقبل بأن تكون "مرمطون" الشركة حتى يرضوا عنك لأنهم لن يعطوك إيحاءً أو قولاً صريحاً بأنهم راضون عنك مهما كنت متميزاً بحق حتى تظل مرمطوناً مجتهداً وخادماً مطيعاً وآلة تعمل ببطاريات شحن تدوم أطول فترة ليستفيدوا من إنتاجك في عملهم أقصى استفادة.
عزيزي المتدرب إن أردت أن يُصان حقك ارفض شروط العمل المجحفة، ولا تخف أنت أو غيرك، فهذا الوعي الجمعي سوف يدفع أصحاب الأعمال لأن يغيروا نهجهم حتى لا يخسروكم لأنكم أملهم في الربح، فإن فقدوكم خسروا وإن اطمأنوا لكونكم عبيداً لديهم فسوف تخسرون أنتم ويربحون هم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.