شهدت العصور القديمة اتصال العرب بالأمم المجاورة وأثرت اللغة العربية في اللغات الأخرى وتأثرت بها، ومن بين هذه اللغات اللغة الإسبانية، التي تعد لغة أساسية لنحو عشرين دولة مختلفة في العالم.
عند السفر إلى إسبانيا، تجد بخلاف التشابه بين العربية والإسبانية؛ التراث العربي حاضراً بعمق في الثقافة الإسبانية، فعديد من أسماء المدن الإسبانية الشهيرة تفتخر بالأصول العربية، بالإضافة إلى البنايات المعمارية الساحرة مثل قصر الحمراء في غرناطة أو مسجد قُرطبة وحتى الموسيقى وفن الطبخ، وأخيراً وليس آخِراً نجد أن اللغة الإسبانية متأثرة بشكل كبير بلغتنا العربية.
تأثرت اللغة الإسبانية بكثير من اللغات الرومانسية الأخرى مثل البرتغالية أو الفرنسية أو الإيطالية أو حتى الرومانية. ربما لاحظت أيضاً أن بعض المفردات تشبه بشكل غريب، المفردات الإنجليزية، مثل الكلمات التي "تنتهي" بـ(tion). لكن الإسبانية أيضاً بها عدد كبير من الكلمات ذات الأصل العربي.
في هذه المقالة، سنشرح كيفية اتصال اللغة العربية بالإسبانية، وسنشير إلى بعض المفردات الإسبانية ذات الأصل العربي.
التشابه بين العربية والإسبانية
8 بالمئة من اللغة الإسبانية أصلها عربي!
في الواقع، يأتي نحو 4000 كلمة إسبانية مباشرة من اللغة العربية. غالبية هذه الكلمات عبارة عن أسماء.
واللغة الإسبانية هي اللغة اللاتينية الوحيدة التي يوجد بين حروفها الخاء والثاء، وهناك ارتباط بأن كل كلمة إسبانية تبدأ بالـ(al)، وهي أداة تعريف عربية الأصل مثل الرز (arroz) والسكر (acucar) والكرز (alcaraz).
وكلمة إن شاء الله "ojala" وتلفظ "أوهالا"، وكلمة زيت "Aceite" وتلفظ "أثيتي"، وكلمة مخدة بالإسبانية "la almohada"، وتلفظ "ألمُوادا"، وكلمة الباذنجان "berenjena " وتُلفظ "بيرينخينا"، وكلمة القهوة El Cafe وتُلفظ "إل كافيه"، وكلمة شراب Jarabe وتلفظ شراب في العربية، وكلمة حتى hasta وتُلفظ "آستا".
كلمة بنطلون "bantalun" وتلفظ "بنطلون"، وكلمة قميص "camisa" وتلفظ (قميسا)، وكلمة البَرَية barrio تعني الحي وتُلفظ "باريو" .
علاوة على ذلك، في اللغة الإسبانية تضاف "í" في نهاية مكان، للإشارة إلى وجود علاقة أو انتماء شخص إلى هذا المكان المحدد، ويقابل ذلك إضافة حرف الياء في اللغة العربية. على سبيل المثال الكلمتان الإسبانيتان "morroqui" و"andalusi" تشيران إلى شخص من المغرب والأندلس (مغربي وأندلسي).
من المثير للاهتمام أن هذه مجرد أمثلة قليلة على عدة آلاف من أوجه التشابه الموجودة بين اللغتين والتي لا يزال المتحدثون الإسبان يستخدمونها كل يوم.
تأثير المغاربة على الثقافة الإسبانية
في 711م، غزا المغاربة (السكان العرب والبربر في شمال إفريقيا) شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال حالياً).
وطوال 800 عام حكموا شبه الجزيرة، حيث غرسوا الثقافات الحالية بإنجازاتهم اللغوية والفنية.
أحضر المغاربة معهم فن العمارة العربية، وفن الموسيقى والطبخ، وبالطبع لغتهم. بمرور الوقت، اختلطت التعبيرات العربية مع المفردات الإسبانية القديمة، لتتشكل اللهجة الإسبانية التي تستخدمها معظم البلدان الناطقة بالإسبانية اليوم.
معظم هذه الكلمات تأتي من اللغة العربية التي تم التحدث بها في شبه الجزيرة الأيبيرية (العربية الإسبانية) بين القرنين السابع والخامس عشر، وهو ما يعني أنه من المحتمل ألا تكون مفهومة بالنسبة للمتحدث باللغة العربية، لكن البعض الآخر لا يزال!
نهاية العرب في إسبانيا على يد الحكام الكاثوليك
انتهى الحُكم الإسلامي في غرناطة عام 1492م، عندما اضطر آخر أمير في غرناطة إلى التنازل عن السُّلطة للملك الكاثوليكي فرديناند الثاني من أراغون وإيزابيلا الأولى ملكة قشتالة.
على الرغم من أن أي تفاعل إسباني وعربي مهم، قد يبدو أنه تلاشى مع استرجاع الحكام الكاثوليك لإسبانيا، فإن هاتين الثقافتين لم تتوقف عن الاقتراض بعضهما من بعض. كما تدفق كثير من المهاجرين المغاربة إلى إسبانيا، ومع سفر الإسبان إلى سبتة ومليلية – المحتلتين حاليا من قبل إسبانيا- تم تمديد التواصل الطويل بين الثقافتين وتعزيز الاتصال الدائم.
أشهر المدن الإسبانية التي تفتخر بالأصول العربية
تنتشر العمارة العربية بشكل كبير في مدن إسبانيا الجنوبية، وهي المراكز السكانية الرئيسية التي كانت قريبة من شمال إفريقيا ، ومن ثم كانت أول من تم غزوها.
تقول المؤرخة الإسبانية أستاذة قسم الدراسات العربية والإسلامية في كلية الآداب بجامعة "كومبلوتينسي" العريقة في مدريد، ماريا خيسوس، إن كلمة مجريط (مدريد-Madrid) هي كلمة من جزأين: "مجرى" وهي كلمة عربية تشير إلى مجرى المياه، و "إيتو" وهي كلمة لاتيني تعني الوفرة، وإن مجريط تعني مجاري المياه الوفيرة، وهو ما يميز المدينة ويصفها في ذلك الوقت.
وقد اختلف المؤرخون في معنى وأصول اسم "قرطبة"، حيث أرجعه البعض إلى أصول أعجمية من رومانيا، في حين ذهب البعض الآخر إلى أن التسمية ذات أصول عربية والتي تعني "العَدْو الشديد"، وهو التفسير الذي اعتمده المؤرخ "ياقوت الحموي".
يقال إن أصل تسمية "بلد الوليد" يرجع إلى الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك (668-715)، الذي حكم من 705-715.
وهناك أيضا ألمرية (الميريا-Almería) التي أمر ببنائها الخليفة عبدالرحمن الناصر لدين الله سنة (344هـ)، وجاء اسمها من وظيفتها، إذ كانت تُتخذ مرأى ومرصداً لمدينة بجانة، وهناك قول آخر في سبب تسميتها وهو أن المدينة سميت بالمرآية (من كلمة المرآة)، لأن المدينة ومعالمها تنعكس على المياه من حولها وكأنها مرآة.
ليس اللغة فقط ولكن الفن أيضاً!
لا يزال الإسبان يرددون إلى يومنا هذا أغاني أندلسية شعبية تعود إلى فترة الحكم الإسلامي للأندلس.
على سبيل المثال، تُعتبر أغنية "ألا عَلِمَ العالِمُون" من الأغاني التراثية الأندلسية الشعبية التي ما زال الإسبان ينشدونها إلى يومنا هذا، يتداول الإسبان تعبير "ألا عَلِمَ العَالِمُون" في هذه المقطوعة الغنائية الشعبية تماماً كما يُنطق باللغة العربية، دون فهم معنى التعبير وإدراك أصله الأندلسي العربي.