تبرّع بدمه 60 عاماً.. هذا الرجل ساعد بإنجاب مليوني طفل

عام 1951، أفاق الطفل الأسترالي، جيمس هاريسون "14 عاما"، بعد عملية كبيرة بالصدر. أزال الأطباء إحدى رئتيه في عملية استغرقت عدة ساعات، وأبقوه في المستشفى 3 أشهر.

عربي بوست
تم النشر: 2019/04/14 الساعة 07:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/04/15 الساعة 14:39 بتوقيت غرينتش
وصل عدد الأطفال لمليونين/ istock

عام 1951، أفاق الطفل الأسترالي، جيمس هاريسون "14 عاما"، بعد عملية كبيرة بالصدر. أزال الأطباء إحدى رئتيه في عملية استغرقت عدة ساعات، وأبقوه في المستشفى 3 أشهر.

هاريسون ظل حياً بفضل الكمية الكبيرة من الدم المنقول التي حصل عليها، حينها أخبره والده أنه حصل على 13 وحدة من الدم، وأُنقذت حياته من قِبل أشخاص غير معروفين.

في ذلك الوقت، نصت القوانين الأسترالية على أنه يجب أن يكون المتبرع بالدم قد جاوز عمره الـ18 عاماً على الأقل. كان أمام هاريسون 4 أعوام أخرى ليُسمح له قانوناً بالتبرع بالدم، لكنه قطع عهداً على نفسه بأنه سيصبح أيضاً متبرعاً بالدم حين يبلغ السن القانونية.

لم يكن يحب الإبر

حين بلغ هاريسون 18 عاماً وفى بوعده، وتبرَّع بدمه بشكل منتظم لمنظمة الصليب الأحمر الأسترالية. لم يكن يحب الإبر، لذا أبعد عينيه عنها على الدوام، وحاول تجاهل الألم كلما أُدخلت هذه الإبر إلى ذراعه.

حينها، كان الأطباء الأستراليون في خضم كفاح طويل لمعرفة سبب إجهاض آلاف من المواليد بالبلاد أو موتهم داخل الرحم وإصابتهم بتشوهات في الدماغ.

قالت جيما فالكنماير، من خدمات الدم في الصليب الأحمر الأسترالي "بأستراليا وحتى عام 1967، مات آلاف الأطفال كل عام. لم يدرك الأطباء السبب، وكان الأمر بشعاً! عانت النسوة الإجهاض بشكل هائل ووُلد الأطفال بإصابات في الدماغ".

تبيَّن أن الأطفال كانوا يعانون فقر دم انحلالياً يصيب المواليد الجدد، أو ما يعرف بـHDN. كثيراً ما نجمت هذه الحالات بسبب حمل النسوة من أصحاب فصيلة الدم "Rh سالب" بأجنّة لها فصيلة الدم "Rh موجب"، وعدم التوافق هذا أدى إلى رفض جسد الأم خلايا الدم الحمراء للجنين.

أدرك الأطباء أنه بإمكانهم منع حالة HDN من الحدوث، عن طريق حقن المرأة الحامل بدواء يصنع من بلازما الدم المتبرع بها والتي تحتوي على أجسام مضادة نادرة.  

دمه علاج سحري

فتَّش الباحثون بنوك الدم تفتيشاً مكثفاً لعلهم يعثرون على شخص يحتوي دمه على هذه الأجسام المضادة، ووجدوا المتبرع في نيو ساوث ويلز: كان اسمه جيمس هاريسون.

في تلك الآونة، كان هاريسون قد قضى عشر سنوات يتبرع بدمه بانتظام. قال إنه لم يتردد حين خاطبه العلماء وطلبوا منه المشاركة فيما سيُعرف باسم برنامج Anti-D.

قال هاريسون لصحيفة Sydney Morning Herald: "طلبوا مني أن أكون فأر اختبار، وقد تبرعت بالدم بانتظام منذ ذلك الحين".

بعدها بفترة قصيرة، طوَّر الباحثون مصلاً يسمى Anti-D، باستخدام البلازما المشتقة من دم هاريسون الذي تبرع به. مُنحت أول جرعة لامرأة حامل في مستشفى Royal Prince Alfred عام 1967، وفقاً لروبين بارلو، منسقة برنامج Rh، التي وجدت هاريسون.

60 عاماً من التبرع بالدم

استمر هاريسون في التبرع بدمه لأكثر من 60 عاماً. واستُخدمت البلازما المشتقة من دمه لصنع ملايين الحقن من الـAnti-D، وفقاً للصليب الأحمر. لأن نحو 17% من النسوة الحوامل في أستراليا بحاجة لهذه الحقن، تقدِّر خدمات الدم بالصليب الأحمر أن هاريسون ساعد ما يقرب من 2.4 مليون طفل في البلاد.

قالت بارلو "كل حقنة من حُقن Anti-D صُنعت يوماً في أستراليا، تحتوي على شيء من هاريسون بداخلها. لقد أنقذ ملايين الأطفال. تنهمر دموعي بمجرد التفكير في الأمر".

ما زالت الحيرة تعتري العلماء حول السبب الذي يجعل جسد هاريسون ينتج هذه الأجسام المضادة النادرة، لكنهم يعتقدون أنها مرتبطة بوحدات الدم المنقولة التي حصل عليها حين كان مراهقاً. وخلال العقود الماضية، تجاهل هاريسون الإشادات الهائلة التي نالته بسبب رحلاته المنتظمة إلى مركز التبرع بالدم من بيته على شاطئ أومينا، في الساحل المركزي لنيو ساوث ويلز.

وإنه لم يفكر يوماً في التوقف عن فعل ذلك.

في 2015، أثناء قيامه بالتبرع بدمه للمرة الـ1101 ذلك العام "ربما موهبتي الوحيدة هي أنني أستطيع أن أكون متبرعاً بالدم".

في مركز التبرع بالدم، حيّا الممرضاتِ اللاتي يعرفنه جيداً. كما هو الحال دائماً، أبعد نظره عن يديه حين أدخلوا الإبرة وقضى مدة الموعد ممسكاً بكُرة تفريغ ضغط برتقالية في يده اليمنى.

حين سأله المراسل، إن كان ما يفعله يتطلب شجاعة، قطّب هاريسون حاجبيه وهز رأسه.

لا يعتقد أنه مميز

قالت فالكينماير "هذا هو الأمر النادر بشأن جيمس، هو يعتقد أن تبرعه بالدم مثله مثل أي شخص آخر، لا يعتقد أنه مميز".

مع ذلك، عدد لا يحصى من الناس يعتقدون أن هاريسون مذهل. في مرحلة ما من الرحلة، اكتسب لقب "الرجل ذو الذراع الذهبية"، إلى جانب أوسمة عديدة، كبيرة وصغيرة، ابتداءً من ميدالية الشرف الأسترالية عام 1999 إلى غلاف مجلة yellow pages المحلية في 2013.

عام 2003، دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية.

لكن في المقابلات الصحفية، قال هاريسون إن أكثر الأشياء إرضاءً بالنسبة له في هذا الالتزام، هم الأطفال الذين ساعد في إنقاذهم، من بينهم أحفاده أنفسهم.

كتبت تريسي ميلوشيب، ابنة هاريسون، على فيسبوك الشهر الماضي (أبريل/نيسان 2018) "سأكون مجحفة إن قلت إني فخورة بجيمس (والدي)"، مشيرة إلى أنها كانت بحاجة لحقنة Anti-D عام 1992، بعد ولادة ابنها الأول. أضافت قائلةً: "بفضل أبي، تمكنت من إنجاب طفل صحيح آخر عام 1995.. شكراً لك أبي؛ لأنك منحتني الفرصة لإنجاب طفلين صحيحين، هما حفيداك.. XXX".

Help us thank the man who has given more blood donations than anyone else on the planet! James Harrison, the Guinness…

Gepostet von Australian Red Cross Blood Service am Sonntag, 22. April 2018

الرحلة الأخيرة

يوم الجمعة 11 مايو/أيار 2018، قطع هاريسون رحلته الأخيرة إلى مركز التبرع بالدم. بعمره البالغ 81 عاماً، تجاوز هاريسون بالفعل السن المسموح بها للمتبرعين، وقررت خدمات الدم أن هاريسون يجب عليه التوقف عن التبرع بالدم لحماية صحته.

حين كان جالساً على مقعد التبرع طارت فوقه 4 بالونات فضية كُتب عليها "1173"؛ احتفاء بالمرات الـ 1173 التي تبرع فيها بالدم خلال حياته. قدِم العديد من الآباء إلى المستشفى احتفاءً بالمناسبة. حاملين بعض الأطفال الذين ساعد تبرُّعه بالدم في إنقاذهم.

قال هاريسون للصليب الأحمر، إنه يأمل أن يتم تخطِّي إرثه البالغ 1173 مرة.

قال هاريسون: "آمل أن يحطم أحدٌ ما هذا الرقم؛ لأن هذا سيعني أنهم مخلصون للقضية".

علامات:
تحميل المزيد