على مر التاريخ، تم استخدام "حلق شعر النساء" كشكل من أشكال العقاب والتمييز ضد المرأة، ووسيلة لفرض معايير اجتماعية معينة عليها، فهو الفعل العقابي الذي غالباً ما حمل معنىً رمزياً عميقاً، وترك آثاراً اجتماعية ونفسية دائمة على النساء اللاتي تعرضن له.
في هذا التقرير نلقي نظرة على السياق التاريخي لعقوبة "حلق الشعر" التي فُرضت على النساء في سياقات مختلفة عبر العصور.
حلق شعر النساء في الحضارات القديمة
يعود تقليد حلق شعر الرأس بالكامل إلى قرون طويلة عبر التاريخ. ففي مصر القديمة، كان الكهنة يزيلون كل شعر أجسادهم ضمن طقوس دينية لتجنب القمل والقذارة وكدليل على التفاني.
ثم في الثقافات القديمة الأخرى، مثلما يرد في الرهبانية البوذية بإمبراطوريات آسيا القديمة، كان ولا يزال حلق شعر الرأس علامة على التفاني الديني والتضحية بالمظاهر.
ومع ذلك، في دولة بابل القديمة، في حوالي القرن الثامن عشر قبل الميلاد، نص قانون حمورابي، أو ما يُعرف أحياناً بشريعة حمورابي، على عقوبة تم اعتبارها جزاءً عادلاً بحق السيدات والرجال التي يثبت أنهم وقعوا في جرائم شهادة الزور.
فبعدما توسّع حمورابي، الملك السادس في الأسرة البابلية الحاكمة، التي حكمت وسيطرت على وسط بلاد الرافدين (العراق) طيلة ثلاثة قرون، منذ عام 1894 وحتى عام 1595 قبل الميلاد، بدولته ليقضي على الممالك المجاورة، أنتج أحد أبرز وأقدم القوانين في التاريخ البشري، المعروفة بشريعة حمورابي.
تضمّ قوانين حمورابي تلك 282 قانوناً في كافّة جوانب الحياة، السياسية والاجتماعية والعسكرية، بل وضعت معايير التفاعلات التجارية، وفرضت الغرامات والعقوبات لتلبية متطلبات العدالة.
حُفِرَت شريعة حمورابي على مسلة ضخمة من الحجر الأسود، قبل أن ينهبها الغزاة لاحقاً ويُعاد اكتشافها في النهاية عام 1901.
ويقر أحد قوانين على وجوب حلق شعر النساء والرجال على حدٍ سواء كعقاب على التورط في شهادة الزور، بهدف العار وإذلال المتهمات علانية أمام المجتمع.
ولأن الحلق الكامل للرأس كان منوطاً بالكهنة والعاملين في المعابد في الحضارات القديمة، كدليل على الالتزام بالدين والزهد والورع، فقد قضت العقوبات بالحلق أن يتم التخلص من نصف الشعر فقط، في تدليل ورمزية على الإذلال، في سمة كانت تميز الرقيق عن غيرهم للتشهير بالشخص وليس إلحاق أذى جسدي به.
حلق رأس المرأة لحثها على الطاعة في العصور الوسطى
امتلكت عقوبة حلق رأس المرأة أيضاً أصولاً توراتية قديمة؛ ففي أوروبا، كانت تعود هذه الممارسة للعصور المظلمة مع القوط الغربيين كعقوبة على مختلف الاتهامات، ووسيلة لفرض الطاعة على النساء.
وخلال العصور الوسطى، كانت علامة "العار" تلك باعتبارها تُجرد المرأة مما كان من المفترض أن يكون أكثر سماتها إغواءً، عادةً عقوبةً للزنا والتورط في العلاقات غير الشرعية للمتزوجات وغير المتزوجات.
بحسب الوثائق التاريخية، كانت ظروف الكنائس ودور العبادة بائسة بشكل خاص على السيدات، فكانت الراهبات يحلقن رؤوس الفتيات عندما يسئن التصرف.
قالت إحدى الراهبات بكنيسة "منزل الرحمة" (House of mercy) البريطاني، في وثائق تاريخية: "وجدنا الفتيات الساقطات اللاتي كان يتم إعادة تأهيلهن في الدار لا يحببن فقدان شعرهن، وأن الخوف من قطع الشعر يجعلهن أكثر طاعة"، لذلك كان أحياناً يتم حلق الشعر كوسيلة لفرض الطاعة وتعزيز التزمت الديني في الكنائس المسيحية".
حلق شعر النساء خلال فترات الحروب العالمية
لم يكن حلق الشعر مجرد عقاب ديني في أوروبا؛ فبعد الحرب العالمية الثانية تحديداً، تعرضت الفرنسيات المتهمات بالتعاون مع الجنود الألمان للإهانة علناً من خلال حلق رؤوسهن. وامتدت هذه الممارسة وفقاً لمجلة "الغارديان" (The Guardian) البريطانية كدليل على القصاص والإذلال في القرن العشرين.
وفي جميع أنحاء فرنسا، منذ عام 1943 وحتى بداية عام 1946، تم حلق رؤوس أكثر من 20 ألف امرأة من جميع الأعمار ممن اتُّهمن بالتعاون مع الألمان المحتلين.
بالطبع كان الإجراء العقابي وسيلة للانتقام من المخالفات اللاتي ثبت عملهن مع المقاومة، أو اللاتي شاركن في القتال في وقت التحرير.
وأثناء الحرب العالمية الثانية، أصدرت ألمانيا النازية بدورها أوامر بمعاقبة النساء الألمانيات المتهمات بدعم غير الآريين، أو مساعدة السجناء الأجانب، أو العاملين في المزارع بشكل قسري علناً بحلق الشعر لوصمهن بالعار. كما تم اعتماد هذا النمط بحق السيدات المأسورات في أي مدينة تقع في يد الجيوش الغازية.
وبعد الإذلال بالحلاقة العلنية للرأس، غالباً ما تم عرض النساء المُعاقبات في مواكب كانت تجوب الشوارع وهي تعرضهن على ظهور الشاحنات.
وأحياناً كن يُسكب عليهن القطران، أو يُجردن من ملابسهن، أو حتى يتم تعليق صليب معقوف عليهن، أو يتم طلاء صليب على أجسادهن العارية بأحمر الشفاه، في إشارات لمدى تورطهن في الخطيئة.
الأنظمة المعاصرة ورمزية شعر المرأة
واليوم، في بعض المجتمعات المحافظة والمغلقة، في إفريقيا وآسيا، تواجه النساء اللاتي يخترن تحدي الأعراف المجتمعية، حالات من حلق الرأس القسري كوسيلة للعقاب أو فرض السيطرة الاجتماعية.
ففي الصين في أوائل القرن العشرين مثلاً، وأثناء الثورة الثقافية الصينية وظهور الأيديولوجية الشيوعية، تم حلق رؤوس النساء المرتبطات بالبرجوازية أو اللاتي كن يُعتبرن "معاديات للثورة" بالقوة كوسيلة للعقاب وفرض التحول الأيديولوجي عليها.
أما في الهند، يتم الإبلاغ عن حالات من حلق الرأس كإجراء عقابي بشكل مستمر، لا سيما في المناطق الريفية، حيث يتم استخدامه لإذلال النساء المتهمات بانتهاك الأعراف الاجتماعية التقليدية أو معارضة الأهل.
لكن وبعد قرون من اعتبار حلق شعر المرأة أمراً صادماً، وكان يتم إما للتطهير الديني وتجاوز عالم الإغراءات، أو كإجراء عقابي مفروض على النساء اللواتي أسأن التصرف وعوقبن. اليوم، تحلق العديد من النساء رؤوسهن طواعية كتعبير عن الاحتجاج أو للتوعية بالقضايا الحساسة، مثل التعريف بمعاناة المريضات بسرطان الثدي، في تدليل على أن شعر الرأس لا يحدد هوية المرأة مثلما كان يُنظر له في السابق عبر التاريخ.