أحمر الشفاه ليس مجرد مستحضر تجميل ترتديه النساء لكي يتميزن بين الفتيات. فلقرونٍ، كانت ترتديه النساء للتعبير عن أنفسهن، إما تعبيراً عن الثقة، أو الجمال، أو القوة والشجاعة، أو المرح، أو حتى التمرد والاعتراض.
الحرب العالمية الأولى ورمزية طلاء الشفاه
وكان لأحمر الشفاه معنى هام في فترات معينة من التاريخ، ففي الحرب العالمية الثانية بصورة خاصة، تم الترحيب بقوة المرأة ودورها المجتمعي المهم الجديد الذي لم يكن معهوداً لها بهذه الصورة، وكان يتم الاحتفاء بذلك.
وفي تلك الفترة، تجاوزت النساء دور الأم وربة المنزل، وبدأن استبدال محل الرجال في القوى العاملة والوظائف الجديدة، مثل العمل في المصانع والمتاجر والعيادات الطبية، فتعزز اعتزازهن بأنفسهن وشعورهم باستقلاليتهن. وفي تلك الفترة، نمت شعبية أحمر الشفاه كتعبير عن ثقتهن الرمزية تلك، وفقاً لموقع We Are The Mighty.
هتلر وكراهيته الخاصة لأحمر الشفاه
الغريب ليس هنا، ولكن ما يثير فضول المؤرخين والمراقبين دوماً هو اشتهار كراهية أدولف هتلر لطلاء الشفاه. وحول ذلك أوضحت مادلين مارش، مؤلفة كتاب Compacts and Cosmetics: "كانت المثالية الآرية في النازية آنذاك هي أن يكون الوجه نقياً وناصعاً. على سبيل المثال، كان زوّار منتجع هتلر الريفي يتم إعطاؤهم قائمة صغيرة من الأشياء التي لا يجب عليهم فعلها، بينها: تجنب مستحضرات التجميل المفرطة، وتجنب وضع أحمر الشفاه تماماً، ولم يكن مسموحاً لهن أبداً بتلوين أظافرهن بطلاءات الأظافر".
وقد ارتدت نساء دول الحلفاء أحمر الشفاه الأحمر في رمزية معارضة للنازية ولسياسات هتلر.
وابتكرت شركات مستحضرات التجميل أحمر الشفاه حينئذ درجات حمرة حملت أسماء فيها تحدٍّ ورمزية مقصودة، مثل "حمرة النصر"، لدرجة أن طلاء الشفاه الأحمر كان إلزامياً في لباس ومظهر نساء الجيش الأمريكي أثناء الحرب.
الديكتاتور النباتي يتقزز من دهون الحيوانات في المكياج
في ألمانيا، استمر عهد مكافحة أحمر الشفاه مع حكم هتلر حتى نهايته تقريباً. وقد كان النازي المجنون يشتهر بكونه نباتياً، لذلك جزء من كراهية هتلر تجاه أحمر الشفاه يرجع إلى حقيقة أنه مصنوع من دهون الحيوانات.
ولم يقف الأمر عند حد حظر استخدامه ووصم واضعات أحمر الشفاه باتهامات قد تصل للخيانة للنازية، فقد تم منع النساء الألمانيات من استخدام أدوات أخرى – مثل العطور والفراء والموضة الجديدة للسراويل – التي رفض الديكتاتور تقبُّلها.
وعلى الرغم من أن هتلر قال إن "نساء برلين يجب أن يصبحن أفضل رمز للباس في أوروبا"، إلا أنه لم يمنحهن الكثير من التشجيع أو العديد من الأدوات لتحقيق هذا الهدف؛ ومع احتدام الحرب، تضاءل إنتاج مستحضرات التجميل ثم توقف تماماً، شأنه شأن السلع غير الأساسية الأخرى.
نساء دول الحلفاء والمقاومة من خلال حمرة الشفاه
ويوضح موقع The Culture Trip أن النساء الأمريكيات بصورة خاصة كنّ يشترين أحمر الشفاه كواحد من الكماليات ذات الأسعار المعقولة (مقارنة بالملابس وحقائب اليد والأحذية) خلال فترة الكساد العظيم.
كان مظهر الشفاه الحمراء جزءاً أساسياً ولا يتجزأ من وجه الفتاة التي تستخدم مستحضرات المكياج، وخاصة عبر شاشات التلفاز الفضية.
لكن بمجرد بدء الحرب، اضطرت الدول التي تخوض المعركة على أراضيها الفعلية، مثل بريطانيا العظمى وفرنسا والدول المحتلة في أوروبا، إلى استبدال تصنيع المنتج بإنتاج مواد الحرب ذات الأولوية.
وبالتالي أصبح أحمر الشفاه سلعة نادرة، وقامت النساء بتخزين ما تبقى من مخبأ مستحضرات التجميل قبل الحرب، مما أدى إلى ذوبان أجزاء أحمر الشفاه في محاولة لإعادة تشكيلها في أنبوب قابل للاستخدام، وكان يتم بيعه وتداوله في عبوات صغيرة يتم استخدامها من خلال الأصابع وتلوين الشفاه باللون.
أحمر الشفاه يدخل حقبة جديدة
وبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ودخول الألمان فترة طويلة من الضنك والانقسام في العقود التي تلت الحرب، تمكن عدد من النساء الألمانيات في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي أن يطلقن موجة أوروبية من الموضة النسائية والمظهر الأنيق، والذي لم يخلُ بالطبع من استخدام ألوان أحمر الشفاه الجريئة واللافتة.
إليكم مجموعة من 14 صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود التقطها المصور الألماني المعروف آنذاك، Hubs Flöter، وتظهر فيها صيحات أزياء النساء الألمانيات في هذا العقد بين الخمسينيات والستينيات أثناء محاولة الدولة التعافي من نظام هتلر وتداعيات خسارة الحرب.