قد يكون وداع طفلك عند الذهاب للعمل أو لشراء بعض الاحتياجات، أو حتى عند مغادرة الغرفة، مليئاً بالدموع ونوبات الغضب خلال السنوات الأولى. بحلول عامهم الأول يعاني العديد من الأطفال من قلق الانفصال، وينزعجون عندما يحاول أحد الوالدين تركهم مع شخص آخر.
ورغم أن قلق الانفصال هو جزء طبيعي تماماً من نمو الطفولة فإنه قد يكون مقلقاً، وفهم ما يمر به طفلك، ووجود بعض استراتيجيات التأقلم الجاهزة يمكن أن يساعد كليكما على اجتياز هذه المرحلة.
يوضح المعالج النفسي فران والفيش، مؤلف كتاب The Self-Aware Parent لموقع Parents: "عندما يبدأ الأطفال في المشي يؤكدون استقلاليتهم ويبتعدون عن والديهم. لكنهم ليسوا مستعدين للانفصال التام". عندما يكون الأطفال الصغار بعيدين عنك فقد يشعرون بالحاجة القوية للعودة بجانبك، لأنهم يتوقون إلى الألفة والأمان اللذين توفرهما.
تابع القراءة لمعرفة المزيد عن قلق الانفصال عند الأطفال الصغار وأسبابه، مع نصائح لتخفيفه والتعامل معه بشكل صحيح.
ما هو قلق الانفصال؟
سواء كنت توصل طفلك إلى الحضانة أو تغادر المنزل وتتركه مع جدته أو مربيته، قد يكون الوداع صعباً.
وفقاً لموقع Kids Health، بين 4-7 أشهر من العمر، يطور الأطفال إحساس "دوام الأشياء". إنهم يدركون أن الأشياء والأشخاص موجودون حتى عندما يكونون بعيداً عن الأنظار. يتعلم الأطفال أنهم عندما لا يستطيعون رؤية أبيهم أو أمهم فهذا يعني أنهم ذهبوا بعيداً. إنهم لا يفهمون مفهوم الوقت، لذا فهم لا يعرفون أن أمهم ستعود، ويمكن أن ينزعجوا من غيابها. سواء كانت الأم في المطبخ، أو في غرفة النوم المجاورة، أو في المكتب، فالأمر متشابه بالنسبة للطفل، الذي قد يبكي حتى تصبح أمه قريبة مرة أخرى.
الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 أشهر وسنة يكبرون ليصبحوا أكثر استقلالية، إلا أنهم لا يزالون يشعرون بالقلق بشأن انفصالهم عن أحد الوالدين، يحدث هذا عندما يتطور قلق الانفصال، وقد يصبح الأطفال مضطربين ومتضايقين عندما يحاول أحد الوالدين المغادرة.
يمكن أن يختلف توقيت قلق الانفصال، قد يمر بعض الأطفال به بين 18 شهراً وعامين ونصف العام. والبعض قد لا يختبره أبداً، وبالنسبة لبعض الأطفال قد تؤدي بعض ضغوط الحياة إلى إثارة مشاعر القلق بشأن الانفصال عن أحد الوالدين: مثل قدوم مربية أطفال جديدة، أو شقيق جديد، أو الانتقال إلى مكان جديد، أو التوتر في المنزل.
تشير ميراندا جودمان ويلسون، الأستاذة المساعدة في علم النفس إلى أن القلق يمكن أن يكون علامة على زيادة استقلالية الطفل. بالنسبة لهم يجب ألا يغادر الأبوان ليكون بإمكانهم ممارسة السيطرة والتدرب على الاستقلالية أمامهم.
كم يستغرق من الوقت؟
يمكن أن تختلف المدة التي يستمر فيها قلق الانفصال، اعتماداً على الطفل وكيف يستجيب أحد الوالدين. في بعض الحالات اعتماداً على مزاج الطفل يمكن أن يستمر قلق الانفصال من الطفولة حتى سنوات الدراسة الابتدائية.
قد لا يمر العديد من الأطفال بمرحلة قلق الانفصال في الطفولة المبكرة، ثم يبدأون في إظهاره في عمر 15 أو 18 شهراً. يكون الانفصال أكثر صعوبة عندما يكون الأطفال جائعين أو متعبين أو مرضى، وهو ما يحدث في أغلب الأوقات في مرحلة الطفولة. عندما يطور الأطفال شعورهم بالاستقلال قد يصبحون أكثر وعياً بالانفصال، سيكون سلوكهم عند الانفصال أكثر حدة ومليئاً بالدموع ويصعب التعامل معه.
قد يعاني الأطفال من قلق الانفصال في مرحلة ما قبل المدرسة، بحلول الوقت الذي يبلغ فيه الأطفال سن 3 سنوات، يفهمون بوضوح تأثير قلقهم أو توسلاتهم عند الانفصال عن الوالدين. من المهم أن تخلق علاقة مبنية على التفاهم والثقة مع طفلك، عندما تشعر طفلك بأنك تثق به وتشعره باستقلاليته وتنميها مع تفهم مشاعره والتعاطف معها، يمكن أن تخفف من حدة مشاعر القلق لديه. ومن المهم جداً أن يثق طفلك بك وأنك ستعود في الوقت الذي تعده به.
يمكن أن يكون قلق الانفصال الذي يؤثر على الأنشطة العادية للطفل الأكبر سناً علامة على اضطراب القلق العميق، إذا ظهر قلق الانفصال فجأة عند طفل أكبر سناً، فقد تكون هناك مشكلة أخرى، مثل التنمر أو الإساءة. في مثل الحالة يجب اللجوء إلى أخصائي نفسي والمتابعة مع طبيبه ومدرّسيه في الحضانة.
ما الذي يثير قلق الانفصال عند الأطفال؟
قد تؤدي الأمور التالية إلى إثارة قلق الانفصال عند الأطفال والأطفال الصغار:
قول وداعاً: مغادرتك المنزل لمدة طويلة أو قصيرة أو ترك طفلك في الحضانة أو عند الأقرباء والمغادرة من أكثر الحالات التي تشعر الطفل بالانزعاج والقلق. ونتيجة لذلك، فإنهم يشعرون بالتضارب بشأن الابتعاد عن أمان والديهم. لذلك يحتاج الأطفال الدارجون إلى طمأنة أنه عندما تغادر ستعود دائماً.
التجمعات الكبيرة: قد يكون الذهاب إلى تجمع كبير أمراً مثيراً للقلق بشكل خاص لطفلك الذي قد يخشى أن يفقدك وسط حشد من الناس.
الذهاب إلى النوم: قد يؤدي ترك طفلك الدارج في غرفته ليلاً أو لأخذ قيلولة الظهيرة إلى إثارة مشاعر القلق لديه، لذلك قد يستيقظ طفلك مرات عديدة في الليل ويأتي إلى جانبك أو يطلب منك البقاء في سريره.
كيف تساعد الطفل الذي يعاني من قلق الانفصال؟
إذا كان طفلك يعاني من قلق الانفصال، فهناك الكثير من الأشياء التي يمكنك القيام بها لمساعدته:
في أماكن جديدة
إذا كنت ستترك طفلك في مكان جديد مثل مركز رعاية الأطفال أو الحضانة أو منزل صديق أو مع جليسة أطفال فاقضِ بعض الوقت في المكان الجديد مع طفلك قبل المغادرة. سيكون طفلك أقل حزناً إذا ترك في مكان آمن ومألوف مع أشخاص مألوفين يثق بهم.
دع طفلك يأخذ شيئاً يحبه من المنزل أو ألعابه المفضلة، مثل دمية دب أو وسادة أو بطانية. ستساعد هذه الأشياء طفلك على الشعور بالأمان ومزيد من الاستقرار في المكان الجديد.
أخبر مركز رعاية الطفل أو المدرسة التمهيدية أو المدرسة الخاصة بطفلك عن قلقه من الانفصال، وأخبره بأي شيء تفعله لمساعدة طفلك. بهذه الطريقة، يمكن للأشخاص الآخرين في بيئة طفلك أن يقدموا له الدعم المستمر.
عند المغادرة
أخبر طفلك بموعد مغادرتك ومتى ستعود، هذا مفيد حتى مع الأطفال. يمكن أن يؤدي الذهاب دون قول وداعاً إلى جعل الأمور أسوأ، قد يشعر طفلك بالارتباك أو الانزعاج عندما يدرك أنك لست في المنزل دون إخباره، وقد يكون من الصعب عليه الاستقرار في المرة القادمة التي تتركه فيها. من المفيد أن تجعل طفلك ينخرط في نشاط ممتع قبل أن تغادر، ثم قل وداعاً لطفلك وحافظ على نظرة مسترخية وسعيدة على وجهك عندما تغادر. إذا أظهرت أنك تشعر بالقلق أو الحزن فقد يعتقد طفلك أن المكان ليس آمناً، ويمكن أن ينزعج أيضاً.
من المفيد أيضاً أن تطوِّر طقوساً للمغادرة، قد تقول: "سأعود لأخذك بعد العمل، أنا أحبك"، ثم عانق طفلك واتركه، بالحفاظ على الوداع كما هو في كل مرة فإنك تخلق انتقالاً مألوفاً من التواجد معك إلى الوجود بدونك.
في البيت
بغض النظر عن مدى شعورك بالإحباط، تجنب النقد أو التصرف بشكل سلبي حيال تعلق طفلك بك وقلق الانفصال لديه.
يمكن أن تقرأ كتباً أو قصصاً لطفلك حول مخاوف الانفصال، قد يساعد هذا طفلك على الشعور بأنه ليس وحيداً في خوفه من الانفصال عن والديه، وأن يفهم مشاعره ويتدرب على التعامل معها.
ابذل جهداً واعياً لتعزيز احترام طفلك لذاته، من خلال منحه الكثير من الاهتمام الإيجابي عندما يكون شجاعاً بشأن الابتعاد عنك.
عند النوم
اصنع روتيناً مهدئاً لوقت النوم. ضع ترتيباً مريحاً للأحداث قبل النوم، مثل الاستحمام متبوعاً بقصة أو أغانٍ، سيساعد هذا في جعل الطفل يدرك أن وقت النوم قادم. ابقَ بجانب طفلك قليلاً وأنت تروي القصص له أو تغني له أو تتحدثان عن اليوم كيف مر، وماذا فعلتم خلاله، ثم غادِر الغرفة بهدوء عندما تشعر أن طفلك قد غفا.
امنح طفلك بعض الوقت بعد القيلولة، إذا استيقظ ولعب بسعادة في سريره، فلا تتعجل بالذهاب إليه. دع طفلك يحظى بفرصة لتجربة ما يشعر به وحده لقضاء وقت ممتع، إن اكتشاف أنه يشعر بالراحة تجاه ذلك سيعزز ثقته واستقلاليته، بالإضافة إلى مساعدته على الشعور بمزيد من الأمان بمفرده على المدى الطويل.