بدأت أبحاث النوم منذ ما يقرب من 75 عاماً، بعدما أدى اكتشاف نوم حركة العين السريعة (REM) إلى قلب الاعتقاد السائد بأن النوم كان حالة سلبية أو كسولة، فللدماغ وظيفة هامة جداً حتى أثناء النوم.
ويتفق معظم الباحثين في مجال النوم على أنه لا يوجد إجماع واحد حول سبب نوم الإنسان، بحسب ما نشر موقع معهد Smithsonian العلمي.
ولكن يفترض الكثيرون أن نوم حركة العين السريعة – أو المرحلة التي نحلم فيها – يسمح لأدمغتنا بترميز وتقليم المعلومات وإعادة تنظيمها.
وهذا يختلف عن النوم الذي لا تتحرك فيه العين، والذي يركز بشكل كبير على إصلاح وإراحة الدماغ من الإجهاد اليومي.
ومؤخراً، حدد فريق متخصص مرحلة من الطفولة المبكرة عندما يعاني الأطفال من انخفاض كبير في نوم حركة العين السريعة.
تغير نوم الأطفال جذرياً بعد عمر السنتين
كشف تحليلهم، الذي نُشر في 18 سبتمبر/أيلول 2020 في دورية Science Advances، أن الغرض من النوم يتحول عند الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين و3 سنوات؛ فينتقل من عملية إعادة التنظيم والتعلم إلى عملية إصلاح الدماغ من الضغوط اليومية والتعب.
يقول المؤلف المشارك للدراسة وعالم الكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا فان سافاج: "أحد أسباب نجاح هذه الدراسة، هو جمعها أشخاصاً من شتى الخلفيات العلمية، مثل باحثين في النظرية الفيزيائية الرياضية، وباحثين في تحليل البيانات الإحصائي، وباحثين في النوم الذين ينظرون إلى البيانات بشكل مختلف عن ذي قبل".
مقارنة بيانات النوم على مر السنين
كان فريق سافاج حريصاً على تحليل النظريات المتنافسة حول ما تفعله أدمغتنا عند النوم، وكيف يرتبط النوم بحجم الجسم، ولماذا نحتاج إلى مزيد من النوم مبكراً في الحياة.
لكنهم هذه المرة جربوا أسلوباً مختلفاً: استخدام إطار عمل كمي لتحليل مجموعات البيانات الكبيرة الموجودة بعد كل هذه السنوات من الدراسات.
فرز سافاج وفريقه الأبحاث السابقة التي يمكن أن تساعدهم في فهم دور النوم. كما جمعوا بيانات من أكثر من 60 دراسة تضمنت معلومات عن أدمغة الأطفال والمراهقين النائمة، وعدد قليل من الحيوانات الأخرى، لمعرفة ما إذا كان النمط صحيحاً عبر أنواع أخرى من الثدييات.
أنشأ الفريق نموذجاً رياضياً لتحليل البيانات التي يمكن أن توفر نظرة ثاقبة لما كان يحدث أثناء النوم، بما في ذلك معدل التمثيل الغذائي للدماغ، والحجم الكلي للدماغ والوقت الذي يقضيه نوم حركة العين السريع مقابل النوم بلا حركة.
بعد العامين تصبح مهمة النوم للإصلاح
بعد معالجة بياناتهم، وجدوا نمطاً ثابتاً: أظهر الأطفال الرضع انخفاضاً كبيراً في كمية نوم حركة العين السريعة – المرحلة المرتبطة بإعادة التنظيم – بعمر 2.4 عام تقريباً.
بعد هذا العمر، يعتمد الأطفال الصغار بشكل أكبر على النوم بدون حركة العين السريعة، مما يشير إلى أن النوم يصبح أساساً للإصلاح.
نظر الباحثون أيضاً في الوقت الذي يقضونه في نوم حركة العين السريعة في 3 ثدييات أخرى مع تقدمهم في العمر: الجرذان والأرانب وخنازير البحر الهندية، لكنهم لم يجدوا هذا التغيير المفاجئ.
الدماغ كالغابة تتشكل فروعها مبكراً في الحياة
يؤكد هذا الاكتشاف على مدى أهمية نوم الأطفال في تطوير أدمغة البشر، كما يقول سافاج، وكيف يمكن أن تتغير وظيفة النوم مع احتياجات الدماغ المتغيرة.
ويصف سافاج عملية إعادة تنظيم الدماغ بأنها غابة ذات فروع ووصلات يشكلها نوح حركة العين السريعة.
لذا، يجب أن يقوم دماغ الرضيع بقدر لا يصدق من التعلم في السنوات القليلة الأولى من الحياة، الأمر الذي يتطلب تكوين وتقوية وتقليم الروابط.
يقول: "في البداية، يحرك الدماغ الروابط في كل مكان، ولكن لاحقاً يصبح التغير والتشكيل أبطأ بكثير".
ما هي مهمة النوم بلا حركة العين السريعة؟
يوضح سافاج أن مرحلة الإصلاح تشبه إخراج القمامة أو إصلاح القطع الداخلية لجهاز الكومبيوتر كي يعمل بصورة مثالية فيما بعد، وهذا ما يفعله النوم بلا حركة العين السريعة تحديداً.
يسمح النوم بدون حركة العين السريعة بالتخلص من النفايات المتراكمة وضمان عمل الدماغ بشكل طبيعي.
ويضيف سافاج شارحاً أن الدماغ هو العضو الأكثر استهلاكاً للطاقة البشرية، وبالتالي فإن النوم ضروري لإصلاح الأضرار التي لحقت بالخلايا العصبية التي تعمل بجد.
ويؤكد أن إعادة التنظيم لا تتوقف "فنحن قادرون على تعلم أشياء جديدة طوال فترة البلوغ، ولكن التحكم في الضرر يصبح الوظيفة الأساسية للدماغ".
نقلة نوعية بعمر السنتين
بدورها قالت عالمة الأعصاب وأبحاث النوم في جامعة ميشيغان سارة آتون إنها مفتونة باكتشاف هذا التحول في نمط نوم الأطفال "لأن ذلك يشير إلى أن حدوث شيء مهم حقاً تلك المرحلة الانتقالية، والسؤال، ما هو؟".
وبينما يجهل سافاج وآتون الإجابة عن هذا السؤال، يعتقد سافاج أن هذا التحول له علاقة بالتحدي البشري الفريد المتمثل في إنجاب أطفال ذوي أدمغة كبيرة.
ففي عمر ستة أشهر، يكون دماغ الطفل قد وصل إلى أكثر من نصف حجم دماغ الشخص البالغ، وبحلول سن الثانية، يقترب من 90%.
ولعل أهم تحول في مرحلة عمر 2 و3 سنوات هو تعلم اللغة، والتي قد توفر أدلة على انتقال الدماغ من مرحلة لأخرى يجب مراعاتها واستغلالها لتطوير القدرات المعرفية للأطفال ثم تأمين عدد ساعات كافٍ من النوم مهما قاوموا ذلك!