يعتبر معظم الأطفال والمراهقين المدرسة والرياضات والأنشطة الأخرى أهم منصات التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من أن بإمكانهم التواصل مع أصدقائهم عن طريق الإنترنت، فإن التواصل المباشر وجهاً لوجه مع أقرانهم هو ما يبني العلاقات.
لكن حالياً، يُصعّب التباعد الاجتماعي هذا الأمر على الأطفال، إن لم يكن يجعله مستحيلاً، وصار آباؤهم وإخوتهم وأفراد عائلاتهم هم المتنفس الوحيد للتواصل الحقيقي المباشر، وبينما لا يمكن نفي فوائد تباطؤ وتيرة الحياة قليلاً، وقضاء أوقات أطول مع العائلة، سيشعر أطفالنا بآثار الانعزال الاجتماعي.
العزلة الاجتماعية تؤخر النمو الاجتماعي والعاطفي
التواصل الاجتماعي هو عملية أساسية في نمو الطفل، وهي الطريقة التي يتعلم بها الطفل المهارات المؤثرة في تعاملاته اليومية مع الآخرين، لذلك فإن العزلة الاجتماعية لبضعة أشهر ستترك آثاراً قد تستمر لفترات طويلة.
إذ قالت باربارا نوزال، المعالجة النفسية في الزواج وشؤون الأسرة ورئيسة الأطباء السريريين في أكاديمية نيوبورت، لموقع Very Well Family الأمريكي: "عندما يُحرم الطفل من فرصة بناء تلك المهارات خلال فترات التطور الاجتماعي، يمكن أن يُسبب ذلك تأخر نموه الاجتماعي والعاطفي".
وفي الحقيقة، بحثت إحدى الدراسات في تأثير إغلاق المدارس على الأطفال والمراهقين، وخاصة ذوي الاحتياجات النفسية والاحتياجات الخاصة، حيث أجرت المؤسسة الخيرية للصحة النفسية YoungMinds استطلاعاً على 2111 مشاركاً تصل أعمارهم إلى 25 عاماً ولديهم تاريخ مع الأمراض النفسية، ووجدت أن 83% منهم قالوا إن جائحة كوفيد-19 زادت حالتهم سوءاً.
إضافة إلى ذلك، أفاد 26% منهم بعدم قدرتهم على الحصول على دعمٍ نفسي بسبب الانعزال الاجتماعي. ولاحظت مؤلفة الدراسة وجود حاجة إلى إجراء مزيد من الأبحاث في ظل استمرار هذه الجائحة. وهي تشدد أيضاً على أهمية مراقبة الحالة النفسية للشباب على المدى الطويل الناتجة عن الإغلاق المطول للمدارس وتدابير التباعد الاجتماعي الصارمة، والجائحة في حد ذاتها.
تأثير التباعد الاجتماعي على الفئات العمرية المختلفة
تصعب معرفة كيف سيتذكر الأطفال بمختلف أعمارهم هذا الوقت من حياتهم، فلا توجد سابقة لهذا في نهاية الأمر، وفي حين قد لا يكون بعض الأطفال كباراً بما يكفي لإدراك خطورة الوضع، تقول نوزال إن معظم الأطفال سيتقبلون الوضع الحالي على أنه "الوضع المعتاد الجديد" لأشهر قادمة. وبوضع هذا في الاعتبار، ثمة بعض النقاط التي ينبغي وضعها في الحسبان بالنسبة إلى كل فئة عمرية.
مرحلة ما قبل المدرسة
تقول نوزال إن مرحلة ما قبل المدرسة عادة ما تكون أساساً لتطور المهارات الاجتماعية، وخاصة أنها يمكن أن تكون الفرصة الأولى للطفل ليتعلم التفاعل مع أقرانه. وبدون فرصة بناء هذا الأساس، قد يواجه الأطفال صعوبة أكبر في تطوير المهارات الاجتماعية على غرار التفاعل مع الأقران وحل المشكلات والتوقعات السلوكية.
المرحلة الابتدائية
تقول نوزال إنه خلال سنوات المدرسة الابتدائية، يصبح الأطفال أكثر استقلالية ويبدأون في فهم العلاقة بين الأفعال وعواقبها. تقول: "إنهم مثل الأطفال الأصغر، لا يزالون يصقلون مهاراتهم الاجتماعية، التي تتطور عادة من خلال التفاعل مع الأقران في المدرسة".
تضيف نوزال أنه عندما لا تكون المدرسة خياراً مطروحاً، قد يختار الأطفال الانخراط أكثر في استخدام الشاشات لتعويض اضطراب روتينهم. ولهذا ينبغي على الآباء وضع جدول ومراقبة أنشطة أطفالهم.
لكن الفئة العمرية المُعرضة لأصعب التحديات في ظل الانعزال الاجتماعي هي فئة المراهقين وما قبل المراهقة.
المراهقون والمراهقات
على الرغم من أنهم كبار بما يكفي لإدراك عواقب أفعالهم وتأثير الانعزال، تقول نوزال إن عقول المراهقين لا تزال تنمو وتحتاج إلى التفاعل الاجتماعي كي تنضج.
إذ يرى المراهقون الفعاليات الاجتماعية، مثل الفرق الرياضية وحفلات التخرج، باعتبارها انعكاساً لإحساسهم بالذات، وعندما لا تتوفر مثل تلك الفعاليات، إلى جانب تعطيل الدراسة، فإنهم يعانون في التأقلم مع نوعٍ مختلف من الحياة الاجتماعية، وبدون التحفيز الخارجي الذي تُقدمه تلك النشاطات، قد يمر المراهقون بأعراض الاكتئاب واضطراب القلق، وهذه يمكن أن تؤثر على أدائهم على المدى الطويل ما لم تتم معالجتها.
نصائح واستراتيجيات من أجل الآباء
يستطيع الأطفال والمراهقون التأقلم مع التغيير والتنقلات على نحو أسهل كثيراً من البالغين. وهكذا، يلعب الآباء دوراً جوهرياً في دعم صحة أولادهم النفسية والعاطفية خلال هذا الوقت.
التواصل عامل أساسي
اخلق مساحة آمنة تسمح فيها للطفل بطرح الأسئلة ومشاركة مخاوفه وإحباطه بشأن فقدانه أنشطته وروتينه المعتاد خلال مدة العزل. ويسري هذا أيضاً على توعية طفلك أو ابنك المراهق بأهمية التباعد الاجتماعي وكيف أن القرارات المؤقتة بالبقاء في المنازل نُفذت لإبقائهم آمنين.
يمكنك تسهيل هذه العملية من خلال الاستماع والتعاطف والتصديق على مشاعرهم، حتى لو كانوا يشعرون بالإحباط والغضب والحزن. تقول نوزال: "يمكن أن يساعدهم الشعور بأنك تفهمهم في استيعاب مشاعرهم بشكلٍ صحي أكثر".
التباعد الاجتماعي لا يعني العزلة الاجتماعية
لا يعني التباعد الاجتماعي عزلةً اجتماعية، إذ من خلال استخدام التكنولوجيا، يستطيع الأطفال البقاء على تواصل مع أصدقائهم ومعلميهم ومدربيهم ورجال الدين وأقرانهم الآخرين والبالغين الذين يؤدون أدواراً في حياتهم.
يتمثل دورك الآن في أن تكون متفتحاً ومستعداً للعمل معهم على طريقة التواصل مع أصدقائهم على شبكات التواصل الاجتماعي ومحادثات الفيديو والرسائل النصية والمكالمات الهاتفية. وتأكد أن تتحدث معهم كل حين عن المعايير والتوقعات المتعلقة بالأجهزة الإلكترونية عند التواصل مع أصدقائهم.
حافظ على الروتين
تقول نوزال إنه خلال هذه الأوقات التي تتسم بالشك والقلق المتزايدين، من المهم المحافظة على روتين منظم ومتوقع إلى جانب المرونة والعفوية.
تقول: "بوسع الآباء الجالسين في المنزل مع أطفالهم اعتباره وقتاً للتواصل معهم وإعادة صياغة علاقات العائلة". وتشمل الأفكار في هذا الصدد، تناول الوجبات معاً في الوقت نفسه من كل ليلة، ويتضمن ذلك إشراك الأطفال في التخطيط للوجبات وتحضيرها.
وكذلك يمكن أن تكون المشاركة في نشاطات جسدية أو تفاعلية مثل حل الأحاجي والألعاب اللوحية التي يستطيع جميع أفراد العائلة لعبها، عوناً للأطفال في البقاء على تواصل والشعور بالدعم.
كن واعياً بمستويات الإحباط
سيشعر كل من الأطفال وآبائهم بزيادة درجة شعورهم بالإحباط خلال هذا الوقت. ولا بأس من التحلي بالمرونة تجاه توقعاتك. تقول نوزال: "شجع أفراد عائلتك على أخذ وقت مستقطع واحترام الخصوصية والوقت المنفرد، واقترح أداء الأنشطة الواعية على غرار التأمل واليوغا أو المشي في الحي للمساعدة في تنظيم المشاعر".
تفقّد مستويات قلقك
تقول نوزال إن التحكم في توترك وقلقك الخاص أهم من التحكم في توتر وقلق أطفالك. توضح: "يتلقى الأطفال إشاراتهم من آبائهم، وإذا كان قلقك إزاء الجائحة واضحاً وصريحاً أو كنت تذكر باستمرار مدى انزعاجك من إلغاء أنشطتك، فسوف يتبعك الأطفال في ذلك".
يحتاج الجميع إلى التنفيس من حين لآخر، لكن من الأفضل أن تفعل ذلك في مكان خاص يدعمك فيه بالغون، بعيداً عن مسمع أطفالك.
لكن أهم شيء، بحسب ما تقول نوزال، هو أن تقر لنفسك أنك تفعل أفضل ما في وسعك في الوقت الحالي. تقول: "اعلم أنك لست وحدك وأننا جميعاً يراودنا نفس الشعور بالغموض".
نصيحة مختص
من المهم أن نلاحظ أن الأطفال مختلفون ولهم احتياجات مختلفة في التواصل، ولذا فإن بدا طفلك يواجه مشكلات في حالته المزاجية أو لاحظت تغيرات مثيرة للقلق في سلوكه، اطلب المساعدة. قد يُصاب الأطفال بمشكلات نفسية بسبب التعطل الكبير في حياتهم وانعدام التواصل الاجتماعي.
تحدث إلى طبيب الأطفال الخاص بك أو اطلب مساعدة معالج نفسي إذا كنتَ قلقاً.