أصبحت حبوب منع الحمل في المتناول منذ ما يقرب من 60 عاماً، وهناك نحو 100 مليون سيدة يتناولنها. لكن على الرغم من انتشارها الواسع.
لا يزال بعض الباحثين يعتقدون أن بعض جوانب وسائل منع الحمل تستحق مزيداً من البحث. مثل: الطريقة التي يمكن أن تؤثر بها حبوب منع الحمل في الدماغ.
النتائج الأولية
وقال ألكساندر ليشكي، الباحث في علم النفس بجامعة غرايفسفالد الألمانية: "نعرف الكثير عن الآثار الجانبية المادية لحبوب منع الحمل، ولكننا لا نعرف سوى القليل للغاية عن آثارها الجانبية النفسية".
لذا، قرر ليشكي وفريقه البحث في الطريقة التي قد يؤثر بها تناول حبوب منع الحمل في قدرة المرأة على استيعاب الانفعالات المختلفة.
بحسب ما نشر في موقع Livescience وجد البحث، الذي نُشر 11 فبراير/شباط 2019، في دورية Frontiers in Neuroscience، أن النساء اللاتي يتناولن حبوب منع الحمل أخطأن في فهم العاطفة التي تحملها تعابير وجه أحد الأشخاص أكثر من المشاركات اللاتي لم يكن يتناولن حبوب منع الحمل بنسبة 10%.
وعلى الرغم من أن القليل من الباحثين فحسب قد أبدوا اهتمامهم بهذا التأثير المحدد لتلك الحبوب -بل يعتقد آخرون أن هذا البحث لا يستحق المتابعة- فإن النتائج دفعت ليشكي وفريقه إلى إجراء مزيد من الأبحاث.
بيد أن ليشكي أوضح أن النتائج التي توصل إليها لا تثبت وجود علاقة سببية بين الأمرين، أو بعبارة أخرى، لا تثبت الدراسة أن حبوب منع الحمل تؤثر في قدرة المرأة على فهم مشاعر الآخرين، وأن النساء يجب ألا يقلقن من آثار تناول حبوب منع الحمل. بدلاً من ذلك، ذكر ليشكي لموقع Live Science أنه يأمل إجراء أبحاث إضافية. وقال: "إذا تبين أن هذا الأمر حقيقي، فهو يستحق الدراسة".
الهرمونات والمخ
وقع اختيار ليشكي وفريقه على هذا الموضوع، لأن الهرمونات في النساء اللاتي يتناولن حبوب منع الحمل تصل إلى مناطق الدماغ التي تساعد في تنظيم المشاعر. وفي حين أن هاتين المادتين الكيميائيتين، الأستروجين والبروجستيرون، تُفرَزان بكميات كبيرة أحياناً وتتناقصان أحياناً أخرى بانتظام في النساء اللاتي لا يتناولن حبوب منع الحمل- توفر موانع الحمل الفموية إمداداً ثابتاً من هذين الهرمونين وتخفف بعض هذا الاضطراب.
ولمعرفة ما إذا كان هذا التدفق الثابت للهرمونات قد غيَّر مهارات استيعاب العواطف لدى النساء أم لا، أعطت مجموعة البحث اختبارات متعددة الخيارات للمشارِكات -42 سيدة يتناولن حبوب منع الحمل و53 سيدة لا يتناولنها- عن الانفعالات البادية في عيون صورة 36 شخصاً بالأبيض والأسود. تراوحت الإجابات الصحيحة بين سهولة تحديد المشاعر.
المشاعر الأصعب
مثل العداء، وخيارات أكثر غموضاً، مثل القلق. ووجد ليشكي وفريقه أن إجابات جميع المشارِكات على الأسئلة السهلة متشابهة. لكن بالنسبة إلى التعبيرات التي يصعب تحديدها، فإن إجابات النساء اللاتي لا يتناولن حبوب منع الحمل على الأسئلة كانت صحيحة بنسبة 65%، في حين كانت إجابات النساء اللاتي يتناولن حبوب منع الحمل صحيحة بنسبة 55%.
وقال ليشكي إنه من المنطقي أن تكون المشاعر الأصعب في إدراكها هي الفاصلة في تحديد القدرات، في حال إذا كانت حبوب منع الحمل تؤثر في مهارات إدراك الانفعالات، إذ من النادر أن تظهر المشاعر بجلاء على أرض الواقع.
وقال ليشكي لموقع Live Science: "من النادر أن نلتقي أشخاصاً يظهر على وجوههم تعبير واحد محدد"، لذا فإن الصور الغامضة أقرب إلى ما يواجهه الناس على أرض الواقع.
ويقول ليشكي إن هذا النظام، الذي هو عبارة عن جهاز كمبيوتر يعرض أجزاء من الوجوه بالأبيض والأسود، لا يزال بعيداً عن الواقع، ومن الممكن أن يكون هذا التضارب الذي وجدوه في ظل هذه التجهيزات ضئيلاً للغاية، ولا يعني شيئاً، فضلاً عن أن يحدث خارج المختبر.
لمَ القلق إذن؟
قال الدكتور جوناثان شافير، الأستاذ المساعد في أمراض النساء والتوليد بجامعة ولاية أوهايو الأمريكية، والذي لم يشارك في البحث، إنه غير متأكد من أن موضوع البحث يستحق المتابعة. وقال شافير لموقع Live Science، إنه من الصحيح أن نحو 10% من النساء اللاتي يتناولن حبوب منع الحمل الهرمونية يصبن بتقلبات مزاجية.
وهو ما قد يكون سبب توقُّف بعضهن عن تناولها والمخاطرة بحدوث حمل غير مرغوب فيه. وفي حين أن معرفة من قد تكون عُرضة لتلك الآثار الجانبية المرتبطة بالمزاج أمر جدير بالبحث، يقول شافير إنه يعتقد أنه ليس من المهم بالقدر نفسه دراسة الطريقة التي يمكن أن تؤثر بها الحبوب في إدراك المشاعر.
علاوة على ذلك، بإمكان الناس في كثير من الأحيان اكتشاف نتائج ضئيلة الأهمية ومن قبيل الصدفة والتي قد لا تؤثر كثيراً في حياة مستخدمي تلك الحبوب، ويرجع ذلك إلى أن هناك الكثير من الأبحاث حول حبوب منع الحمل.
عوامل أخرى
إلى جانب فرضية الدراسة، قال شافير إن الباحثين تسرعوا أيضاً في استنتاجاتهم بشأن سبب النتائج المختلفة، إذ لا يعني ضعف نتائج النساء اللاتي يتناولن حبوب منع الحمل مقارنة بنتائج النساء اللاتي لا يتناولنها أنَّ تناول حبوب منع الحمل هو السبب.
إذ إن هناك عوامل أخرى لم تُؤخذ في عين الاعتبار، مثل سبب تناول المشارِكات حبوب منع الحمل في المقام الأول، ويبدو أن هذا السؤال لم يُطرح على أي منهن. وقال شافير: "تعدّ الاستنتاجات التي استخلصوها من هذا مبالغاً فيها".
وقال ليشكي أيضاً إنه يريد التأكد من أن الاختلاف في النتائج يرجع فقط إلى تناول حبوب منع الحمل، لذا يلزم إجراء دراسات مستقبلية. على سبيل المثال، يرغب في التأكد من أن مهارات تحديد العواطف لم تتأثر بمستويات الهرمون الطبيعية.
في تلك المرة التي أجري فيها البحث، افترض الباحثون انخفاض أو ارتفاع مستويات الهرمونات في النساء اللاتي لا يتناولن حبوب منع الحمل من نتائج استطلاع فحسب. لكن في المرة القادمة، سيفحص المختبر عينات من الدم.