عندما تتكلم الدكتورة منى نمر ، يُصغي إليها رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بإمعان. يصمت علماء ثاني أكبر دولة في العالم، وينتظرون رأيها في القضايا العلمية، قبل أن تتخذ فيها حكومة ترودو القرار الأخير.
فـ"ترودو" وعد قبل فوزه برئاسة الحكومة قبل 3 أعوام بتعيين كبير علماء ومستشار علمي خاص به بعدما أُلغي المنصب قبل ذلك بنحو 10 سنوات.
قرر تردود خريف العام الماضي، إعادة تفعيل المنصب كما وعد، واختار الدكتورة منى نمر، البروفيسورة ونائبة رئيس وباحثة في جامعة أوتاوا، ومديرة مختبر علم الوراثة الجزيئية وتجديد القلب في الجامعة المرموقة نفسها.
يُذكر أنه كان لكندا مستشار وطني علمي بين عامَي 2004 و2008، ولكن الحكومة المحافظة السابقة (تحت رئاسة ستيفن هاربر) ألغت هذا المنصب.
من بلدة وادي شحرور الصغيرة إلى مبنى رئاسة الحكومة في كندا
وُلدت نمر في بلدة وادي شحرور في لبنان عام 1957، البلدة الواقعة في قضاء بعبدا، هي موطن المطربة صباح، أو كما كان يطلق عليها "الشحرورة"، نسبةً إلى موطنها وإشارةً إلى صوتها الفريد.
هي إذاً ابنة قرية صغيرة، نزحت لاحقاً إلى بيروت لاستكمال تعليمها في جامعة بيروت الأميركية، حيث تخصصت في دراسة العلوم والكيمياء.
لكن الحرب الأهلية اللبنانية (1975) وقفت حائلاً أمام أحلامها وأحلام سائر الشعب اللبناني لعقود تلت، وكانت عائلة نمر من بين الذين هاجروا عام 1976 إلى أميركا.
تشرين الثاني هو شهر التراث اللبناني.
مبروك للجالية اللبنانية.
د. منى نمر 🌲 pic.twitter.com/Jj4Ihxd85J— Dr. Mona Nemer (@ChiefSciCan) November 1, 2017
استكملت تعليمها في جامعة "ويتشيتا ستايت" بولاية كنزاس، ثم انتقلت لاحقاً إلى كندا؛ لتحصل على الدكتوراه في الكيمياء من جامعة ماكغيل المرموقة في مونتريال، وتبدأ مسيرة حافلة بالإنجازات.
في عام 1981 سجلت سبْقاً طبياً في تحليل مادة الدم الجيني D.N.A، استغرقت في تحليله 72 ساعة في حين أن الفترة المثالية لتحليله كانت آنذاك لا تقل عن 9 أسابيع. انصبت أبحاثها المخبرية على تحديد الجينات التي تتولى عملية تكوين عضلة القلب وأنسجتها في الجنين، وكذلك التعرف على علاقتها مع بعض الأمراض الشائعة مثل تضخم القلب.
تلقت جائزة "الامتياز العلمي" من حكومة كيبك، ومنحة "مجلس البحوث العلمية في كندا" ومنحة "منظمة الصحة العالمية" وجائزة "الجمعية الأميركية للعلوم المتقدمة"، وجائزة "أفضل باحث شاب" من نادي البحوث الطبية في كيبك.
كما نالت جائزة وزارة الهجرة والثقافة في كيبك من قسم العلوم والبحوث، باعتبارها من النساء العربيات المتفوقات.
كما كوفِئت بوسام الاستحقاق الفرنسي لدورها في التقارب العلمي بين كندا وفرنسا في إطار الفرنكفونية. وشغلت منصب نائب رئيس الأكاديمية للعلوم.
زودت نمر المكتبات العلمية والطبية بأكثر من 600 بحث.
"أهلاً بكم".. ترحب بالطالبات الملهمات بمسيرتها
لم تنقطع عن زيارة لبنان، وسعت لخلق تعاون علمي بين الجامعات اللبنانية والكندية، ولاستقبال طلاب لبنانيين ساعين إلى استكمال تخصصهم وتدريبهم، لكن لم يتم تكريمها حتى الآن.
وحتى يومنا هذا، في خطاباتها أمام الطالبات والطلاب، ترحب بهم نمر باللغتين الإنكليزية والفرنسية، وتتبع ذلك بالتحية العربية "أهلاً بكم"، قبل أن تستكمل محاضراتها خلاصة خبرتها المتراكمة منذ عقود في مجال الكيمياء والعلوم.
ومن مهامها حالياً تقديم تقرير إلى رئيس الوزراء ووزيرة العلوم كيرستي دنكان، إضافة إلى المشورة العلمية لصانعي القرار الحكوميين.
"ستكونين المرأة الوحيدة بين الرجال في الغرفة أحياناً.. فلا تخافي وثابري"
في يوم المرأة العالمي الماضي 8 مارس/آذار الماضي، وقفت نمر أمام حشد من الفتيات الشابات الطامحات إلى اقتحام مجال العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وهو برنامج يُسمى في كندا STEM اختصاراً للاختصاصات المذكورة سابقا. قالت نمر لهن:
"أحسنتنّ أيتها الفتيات.. هيّا تقدمن.. اهتمام الفتيات اليوم بالعلوم يعني نساء أفضل في المستقبل. من المُلهم أن نرى أنفسنا موجودات في المجتمع العلمي ونحقق الإنجازات، أحثكنّ على الاستلهام من النساء العالمات، كما تتلمذت على أيديهن في بداياتي.
في حياتكن المهنية مستقبلاً، قد تجِدن أنفسكنّ النساء الوحيدات في الغرفة. تمسّكن وثابِرن؛ لأن هذا الأمر يتغير، فأيام إقصاء المرأة من ساحة العلوم انتهت، واليوم تدخل المرأة هذا العالم بقوة، وستبقى وتخلق ثورة داخل العلوم نفسها".
وتهدف لإيجاد منطقة وسطى بين العلماء وصناع السياسة.. دون خوف
وهدف ترودو من إنشاء منصبها هو تسهيل الوصول إلى البحوث التي تجري داخل الوزارات الكندية؛ كي تعمد الحكومة الاتحادية إلى أخذ نتائج هذه البحوث في الاعتبار عند حسم قراراتها.
لا تكفّ نمر عن العمل يومياً في صياغة السياسات وحثّ الفتيات، بل أخذت على عاتقها مهمة إبقاء العلم الحكومي متاحاً وعاماً للجميع. ومن مهامها حماية العلماء الاتحاديين من أية قيود قد يتعرضون لها، أو سياسات عليا.
ومن مشاريعها الجديدة التي تعمل عليها حالياً مشروع يسمى "العلم يلتقي البرلمان"، وهو برنامج رائد يهدف إلى جمع علماء كندا بصانعي السياسة داخل جدران البرلمان ومجلس الحكومة للنقاش والبحث في البحوث العلمية وإيضاح تأثير السياسات على شتى جوانب الحياة من نواحٍ علمية، ولتقريب العلماء أنفسهم من عملية صياغة السياسات أيضاً، وبالتالي تعزيز التفاهم المتبادل.
ومن مبادراتها أيضاً ما يسمى "العلم المفتوح"، مشروع تسعى من خلاله إلى التزام الوزراء والإدارات بالتأكيد على الالتزام بضمان تحدّث علماء الحكومة علناً عن أعمالهم. كما تسعى مع وزيرة العلوم كريستن دنكان إلى تطوير "سياسات النزاهة العلمية" لزيادة قدرة العلماء والباحثين على التواصل بشكل علني حول أعمالهم وأبحاثهم، دون أي خوف من الانتقام أو المحاسبة.