في 19 من أغسطس/آب، وعلى خطِّ النهاية في المسابقة العالمية IronMan ، كانت لمى عرجة ضمن الواصلين لتفوز باللقب، بعد أن سبحت وقادت دراجتها الهوائية وركضت لمدة 15 ساعة متواصلة، متنافسة مع 2800 شخص في كندا، لتكون أول سورية من فئة 40 سنة تحقق هذا الإنجاز.
المهندسة السورية، رغم قدومها من بلد تستغل فيه حصص الرياضة لتعويض النقص الحاصل في المواد الأخرى، وعت أهمية ممارسة الرياضة قبل 3 سنوات، ورغم أنها نادمة على السنوات الكثيرة الماضية التي ضيّعتها، فإنها اليوم تضحك على نفسها حينما كانت تتذكر كيف كانت تحسب الدقائق، حينما تجد نفسها مرغمة على ممارسة ساعة للرياضة.
لمى في حديثها لـ "عربي بوست" اكتشفت قبل خوض سباق "الرجل الحديدي" أهمية الرياضة جسدياً ونفسياً، مما غيَّر الكثير من التفاصيل في حياتها وحياة أسرتها "كان للرياضة الكثير من التأثير الإيجابي على عائلتي، ومن خلالها تعرَّفت على أشخاص مميزين ناجحين يدعموني دائماً".
إنجاز يوم.. تدريباته سنتان
الاستعداد لسباق "الرجل الحديدي" كلَّف لمى سنتين من التدريبات المستمرة،، 6 أيام في الأسبوع، بمعدل ما بين 12 و15 ساعة كل أسبوع.
وفي الشهرين الأخيرين قبل السباق رفعت ساعات التدريب إلى ما بين 18 و20 ساعة أسبوعياً. تنطلق تمريناته في الصباح الباكر خلال أيام الأسبوع، ونهاية الأسبوع تخصصها للتمارين الشاقة التي تتطلَّب وقتاً أطول.
من بين المشاركين الـ2800، كانت لمى السورية الوحيدة. تحكي قصة مشاركتها لـ "عربي بوست"، قائلة "كنت مصممة على إنهائه مهما تطلب مني جهداً وتعباً"
وبالفعل فإن هذا السباق يدمج بين أقسى 3 منافسات للقوة والتحمل، ويتطلب قدراً عالياً من القوة البدنية والعقلية التي لا يمكن تحقيقها إلا بالإصرار، بالإضافة إلى التدريب المسبق
المهندسة السورية الأم لطفلين "جودي ونور"، تعتبر الركض نقطة قوتها الكبيرة، لكن التحدي الأكبر الذي واجهته في سباق "الرجل الحديدي" هو الجمع بين الرياضات الثلاث، أي حوالي 4 كيلومترات سباحة، بعدها 180 كيلومتراً بالدراجات، لتختم السباق بـ42 كيلومتراً ركضاً.
رغبة الفوز تهزم الضباب والصعاب
أصعب لحظات السباق كانت الاستعداد له قبلاً، تتذكر لمى كيف كانت تضطر للاستيقاظ في الصباحات الباكرة، لتتدرّب طويلاً على دراجتها، بعض الصباحات تكون باردة، وأخرى ساخنة حارقة، وفي الشهر الأخير قبل موعد المسابقة أصبحت تتدرب يومياً لمدة تتراوح بين 3 لـ 4 ساعات.
في يوم المسابقة كان من سوء حظ لمى أن نزل الضباب بشكل كثيف، وحينما انطلقت في مرحلة السباحة لم تر أمامها بشكل واضح، وهو ما زاد من صعوبة التنفس الذي أحسَّته وقتها.
مرحلة الدراجات لم تكن أسهل من السباحة، الطريق الجبلية كانت وعرة، وبلغ الاتفاع بالمجمل أكثر من 1800 متر زيادة على المنحدرات الضيقة.
تحكي لمى أنها في اللحظات الصعبة كانت تتذكر تشجيعات زوجها وطفليها لها، فيزداد إصرارها على الفوز، ليس فقط من أجلها، وإنما من أجلهم أيضاً، كانت تحلم فقط بتلك الفرحة التي ستراها في عيونهم إن أنهت السباق، وذلك ما تحول إلى حقيقة فعلاً.
نظام تغذية وذكاء في التعامل مع الجسد
خلال السباق وقبله اعتمدت لمى على نظام تغذية ومدروس للحفاظ على طاقتها، رغم صعوبة السباق ومشاقّه، كما تحكي لـ "عربي بوست"، وإضافة إلى النظام الصحي تعتبر لمى أنه على الشخص أيضاً أن يكون ذكياً في التعامل مع جسده وحاجياته، لأن كل جسد يختلف عن الثاني كلياً.
قرأت الكثير من الكتب والدراسات، والتقت برياضيين محترفين وسمعت عنهم وعن تجاربهم. كما شاركت في الكثير من السباقات والماراثونات المختلفة المسافة، من القصيرة وحتى الكيلومترات الطويلة في دبي وأبو ظبي وتورونتو وزيوريخ… كل هذا أعطاها خبرة وثقة كبيرة في نفسها.
الرياضة غيّرت حياتها
الآن تعتبر لمى أن العمر مجرد رقم، فرغم سنواتها الأربعين فإنها تحس اليوم بنشاط أكبر مما كانت عليه قبل عشر سنوات.
والتدريب الشاق ما قبل السباق خلال سنتين ساعدها على تنظيم حياتها، ووفّر لها الجهد والطاقة لتُحقّق حلم حياتها، والمتمثل في إكمال دراستها حتى حصولها على ماجستير في إدارة تكنولوجيا المعلومات، لتثبت لنفسها أن لا شيء مستحيلاً، وتصبح مصدر فخر لأولادها.
التدريبات ليست وحدها ما غيّر حياة لمى، النظام الغذائي المدروس جعلها أيضاً تتعلم طرق التغذية الصحية وتطبقّها حتى في حياتها اليومية مع عائلتها لتحسن من مستوى صحتهم، للحفاظ على الوزن والنوم والراحة وغيرها.
وبالنسبة لطفليها تصرُّ لمى على نظام رياضة ثابت لهما، دروس السباحة أساسية ومستمرة، وتتركهما يجربان كل الرياضات، حتى يعثر كل واحد منهما على الرياضة التي يحب أن تلازمه طيلة حياته "متل كيف ما منقدر انعيش من دون أكل ونوم، ما نقدر انعيش من دون رياضة.. المهم إنو نلاقي شو هي الرياضة هلي انحبها ونقدر انمارسها كل يوم" تشرح لمى بحماس.
بعد كل هذه الإنجازات ما زالت طموحات لمى كبيرة، على رأس اللائحة المشاركة في بطولة العالم في يوم من الأيام، وبعدها في آخر السنة سباق نصف مسافة "الرجل الحديدي" المقام في البحرين، ثم دبي وعمان أيضاً نصف المسافة.. المهم أن مشوارها انطلق، وخط وصول IronMan في 19 أغسطس/آب لم يكن سوى البداية.
