كانت رائعةً بحق، جميلةً جداً، أنيقةً دوماً، لها عيناها لامعتان، وابتسامة لا تغيب عن شفتيها، وجنتاها متوردتان، خداها حمراوان، وجه ملائكي لطفلة بعمر امرأة، تلك الشابة كانت تمتلك عقلاً نابغاً وقلباً رقيقاً، تذهب إلى مدرستها صباحاً لتتعلم مع زميلاتها، تقرأ التاريخ بشغف وتحل مسائل الرياضيات بذكاء فطري، تلقي الشعر بطلاقة، وتتلعثم في نطق حروف الإنكليزية أحياناً، تنتظر دروس العلوم بلهفة شديدة، حتى بدأت تكبر شيئاً فشيئاً.
كانت تحلم بدراسة الطب؛ لتُضمّد الجراح وتعالج المرضى محاولةً منها في إيصال شيء بسيط من رسالتها الإنسانية في هذه الحياة، كان يملؤها الحب وتكسو ملامحها الحياة، تحدثنا دوماً عن الأحلام والطموح والمستقبل، بعنفوان الشباب وتحدي المراهقة.
أما اليوم، فلا أراها تنظر إلا إلى الفراغ الضيق أمامها شاردةً، وجهها شاحب، ابتسامتها مصطنعة إن لم تكن منطفئة! ثغرها الباسم بات يغزوه الخوف والقلق، كل شيء فيها بات غريباً، تلتزم الصمت المطبق، إجاباتها مقتضبة، للوهلة الأولى لم أعرفها، ربما لأن معرفتي بها تجعلني أنكر هذه الشخصية المنكسرة الضعيفة التي لا تمُتّ لتلك الإنسانة النابضة بالتفاؤل بأي صِلَة كانت، وكأن لسان حالها يقول: "هذه لست أنا".
لقد وقعت ضحيةً لزواج فاشل ترك فيها الكثير من الأسى وحمل لها المزيد من نظرة المجتمع المتهمة لها على الدوام كونها باتت (مُطلّقة)، وكأنها عار على نفسها وعائلتها، حتى شقيقاتها بِتْنَ فريسة سهلة للقيل والقال في مجالس النساء قبل الرجال على اعتبار أنهن أخوات لامرأة (مُطلّقة) بنظرات مشبوهة تتهمهن بالكثير، أطفالها ضاعوا بينها وبين زوجة أبيهم وسهام المجتمع، لا شهادة تقيها ذل الحياة ولا ثقة تعيد لها المستقبل من جديد، حالها كحال الكثيرات في هذا الزمن.
لعل التفكير الضيق عن الزواج هو الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة من عدم النضج، أرى أن الزواج عبارة عن علاقة متكاملة تمتزج بها الأخلاق والمبادئ والثقة بين شخصين وصولاً للمودة والرحمة التي تحدث بها الله -عز وجل- وليس فقط مجرد عقد يوقعه الطرفان بحفل زفاف أسطوري يتباهى به الجميع، يضطر فيه كلاهما إلى تكبّد الديون لفترة طويلة لأجل تكاليف ومظاهر كاذبة، عرس بات اليوم أشبه بعرض مسرحي يعرض فيه أهل العروسين مواهبهم بكل تفنن مع نظام مبهج من الفقرات الشيقة والمتكلفة أحياناً لأجل المباهاة والتقليد الأعمى فقط.
عزيزتي حواء، عليك أن تدركي جيداً أنكِ لست وحدك وإن بدا لكِ ذلك، لست مجبرة على القبول بأي رجل يطرق باب بيتكم كي تتخلصي من شبح العنوسة المزعوم الذي ما انفكت النساء الكبار بتسميم أذنيك به، لا قطار سيفوت ولا نصيب لك يمكن أن يزول، أعطِ لنفسك وعقلك وقلبك الوقت الكافي للتفكير بتروٍّ فتلك حياتك أنتِ، أنتِ فقط من ستعيشينها وتتحملين حلوها ومرها، لا تتسرعي إرضاءً لأحد، لا تتنازلي عن دراستك الجامعية وحلمك في الحياة كي لا تأكلي يديك ندماً بعد ذلك، اختاري من يستحقك بكل ما فيك من يقف بجانبك حين تسقطين، ليكن زواجاً أبدياً يليق بكما.
لا تتخلَّي عن أحلامك وطموحاتك لأجل أحد، كوني قوية لا تستسلمي لهذا الواقع الصعب، لا تضعفك همزاتهم ولا لمزاتهم لك على أنك لم تجدي نصفك الآخر بعد، أو أنك أصبحت امرأة مطلقة، وكأن شيئاً من أنوثتك قد انكسر، لا تسمحي لأحد أن يطفئ نور الحياة بقلبك، ناضلي لأجل المستقبل، تحرري من الخنوع واليأس إلى العمل الدؤوب، كافحي لأجل النجاح والحياة الكريمة، دافعي عن حقك في التعليم بكل ما أوتيت من قوة، لا تقبلي بأنصاف الحلول وأشباه الرجال وبعض من تقاليد عفا عليها الدهر منذ أمد بعيد، وما زالت تكتوي بها بعض النساء حتى اليوم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.