علماء نفس الطفل وجَدوا مؤخراً أن نِسبة كبيرة من الأطفال الذين يَتمتعون بمواهب مميزة يَكوُنون نِتاج اهتمام مُبكر بتلك الموهبة.
الكل يرغب في مثل هذه الأمور غير أنه لم تثبت أية وسيلة تضمن نجاح مساعيهم، بيد أن علماء النفس يشيرون إلى مجموعة من العوامل التي يتوقع أن تؤدي إلى تلك النتيجة المرجوة، وكما هو متوقع فإن معظمها يعتمد في الأساس على الأبوين، وفقاً لما نشرته صحيفة الإندبندنت البريطانية.
وهذا يُخبرك بالأهم عَلى الإطلاق: المَوهبة الصافية دون تَنمية قد تصدأ، وتَتلاشى مثلها مثل غيرها من الأشياء. لذلك طوّر عُلماء علم نفس الطفل عدة أفْرُع بحثية لمُلاءمة عملية تنمية مواهب الأطفال وتطويرها، بَجميع أنواعها.
تؤكد الخبيرة إيزابيل أنسيلو، أخصائية في علم النفس المتخصصة في الكشف عن القدرات العقلية العالية، لصحيفة El mundo الإسبانية، أن هؤلاء الأطفال لديهم رغبة وشغف كبير بالمعرفة والإطلاع، ويتعلمون بسرعة، كما يتمتعون بقدرة كبيرة على استيعاب المعلومات، تماما مثل الإسفنجة.
لكنهم غالباً ما يبدون عدم رغبتهم في الذهاب إلى المدرسة، لأنهم يشعرون بالملل، أو لأنهم يرون أن المحتوى الذي يدرسونه متكرر بشكل كبير وغير متنوع.
غالباً ما ينطق هؤلاء الأطفال كلماتهم الأولى قبل بلوغ منتصف سنة من عمرهم، كما يكونون حساسين للغاية ويتمتعون بقوة عاطفية كبيرة. فمنذ سن مبكرة، يظهر هؤلاء الأطفال قدرة غير عادية على إدراك الأصوات والروائح، كما يتمتعون بعاطفة قوية.
يهتم الأطفال، الذين يتمتعون بقدرات عالية، منذ نعومة أظفارهم بالبرامج التي يتجاوز محتواها النطاق الخاص بالأطفال. وبمرور الوقت، يصبح هؤلاء الأطفال عنيدين أكثر، ومتحدّين للأشخاص الأكبر منهم سناً، خاصة إذا كانت حجج الآخرين تتعارض مع وجهة نظرهم.
وحسب دراسة حديثة نشرتها صحيفة The guardian البريطانية، يوجد 30 شكلاً رمزياً للأشخاص المرسومين من طرف أطفال تتراوح أعمارهم بين السابعة والتاسعة. يُطلَق عليها "عناصر استثنائية"، ولا يستطيع إلا الأطفال الموهوبون رسمها عند تخيلهم للبشر.
وكانت المحاولات السابقة لتحليل ذكاء الأطفال ركزت على "معدل ذكاء الرسومات"، عبر مراقبة عدد العناصر والسمات المرسومة بواسطة الأطفال، في مقابل متوسط الرقم المرسوم من أطفال آخرين في نفس المرحلة العمرية.
من الصعب أن نكون قادرين على الإحاطة بجميع الخصائص التي تميز الأطفال الموهوبين. لكن يمكن الإشارة إلى أن العديد منهم يتحلون بذاكرة قوية وخارقة في مرحلة مبكرة من عمرهم. ومن بين المهارات الأخرى التي تميز الأطفال الموهوبين، قدرتهم على تعلم القراءة والكتابة بشكل منفرد.
من جهتها، تؤكد المتخصصة في التربية العلاجية، مارتا غارسيا، أنه "لا يجب أن نفكر في أن هؤلاء الأطفال لا يواجهون مشاكل في التعلم، نظراً لأن تثبيط العزيمة التي تولدها البيئة المدرسية، إلى جانب تعرضهم في بعض الأحيان إلى مفاهيم في القسم كانوا قد تطرقوا إليها مسبقاً، يمكن أن يؤدي إلى فشلهم". كما أضافت غارسيا أن "ذلك يمكن أن يولد أطفالاً مشاغبين وغير هادئين، يثيرون كثيراً من الإزعاج في الصف، بما أن محتوى الدروس التي يتلقونها في القسم يعد مصدراً للملل والقلق بالنسبة لهم".
وفقاً لوجهة نظر الخبراء أنسيلو وغارسيا، لا يمكن تحديد تشخيص نهائي لحالة الأطفال ذوي القدرات العالية قبل سن الست أو السبع سنوات، نظراً لأنه يمكنهم أن يشهدوا تطوراً مبكراً فعلاً، علماً بأن ذلك لا يمكن أن يستمر في وقت لاحق.
إلى جانب الأطفال ذوي القدرات العالية، هناك أيضاً بعض الأطفال الذين يتمتعون بموهبة معينة في وقت مبكر جداً، على غرار الرياضيات أو الموسيقى أو الرياضة. وفي هذا الصدد، قالت أنسيلو "غالباً ما أشبّه هذه المواهب بالرياضي رافاييل نادال، الذي يعد موهبة كبيرة في رياضة التنس".
في كلتا الحالتين، يكمن الخيار الأفضل في تحفيز هذه القدرات لدى الأطفال حتى يتمكنوا من تطويرها. وفي الوقت نفسه، من الضروري أن نحاول القضاء على الإحباط الذي يمكن أن ينتجه انعدام تطابق التعليم العادي في المدارس مع مدارك الطفل.
علاوة على ذلك، يحتاج الطفل الموهوب إلى تكوين متميز ومختلف. وعلى الرغم من أن العديد من المدارس تسعى إلى التكيف مع هذه المناهج الدراسية، إلا أن الواقع هو أنه في الكثير من الحالات، يعجز معظم الأشخاص عن كشف هذه الحالات ومعالجتها بشكل كاف.