“الأمومة ليست مصدر السعادة ولدي أسباب جعلتني أكره الأبناء”.. أُم فرنسية تعبِّر عن ندمها بعد إنجاب طفليها

أدرك جيداً كم كنت منخرطة، بل كنتُ منخرطة حتى النخاع في الواقع، وأدرك كذلك كيف صرت، سواء أردتُ أم لم أرد، صورة نمطية للأم. هذا النمط الذي يخرج أطفالاً مفرطي القيود والحذر جعلني أتساءل، كيف يمكن أن يصيروا بالغين ومسؤولين عن أنفسهم يوماً ما؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/12/28 الساعة 05:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/12/28 الساعة 05:02 بتوقيت غرينتش

ترى الكاتبة الفرنسية، كورين ماير، أن الآباء مهووسون بأبنائهم، ومستنفَذون من أجل الاعتناء بهم، لدرجة أنه لا تتبقى لديهم طاقة لفعل أي شيء آخر.

"هذا مريع! هذا الكوكب يعيش عليه 7,500 مليون شخص، وفي عام 2100 سيكون عدد السكان 11,000 إنسان، كيف سيتم إطعام كل هؤلاء؟!".

وفي مواجهة هذا الاتجاه، بدأت وسائل الإعلام في الاهتمام وإظهار القلق للمرة الأولى، حتى في فرنسا، الدولة التي تعزز سياسة الولادة، وحيث وسائل الإعلام كذلك تؤيد هذه السياسة بالتأكيد.

نحن نعيش في مجتمع مهووس بالأطفال، حيث يعتبر الأبناء ضماناً للسعادة، والتطور الشخصي، وحتى الوضع الاجتماعي.

يُوصف هؤلاء الذين اختاروا ألا يصبحوا آباء وأمهات بأنهم أنانيون، وتواجههم اتهامات مبطنة بأنهم أفراد سيئون في هذا المجتمع، ولذلك يشعر الكثير منهم بالضغط، فيبادرون إلى التبرير بقولهم "لا أستطيع إنجاب الأطفال، ولكني أحبهم بلا شك".

وعندها أجدني أسارع إلى القول "استطعت إنجاب الأطفال، ولكن لدي أسباب تدفعني إلى كراهية الأمر".

تستكمل كورين: "لا يعني هذا أنني أدعو إلى خفض عدد المواليد. بما أن لدي اثنين من الأبناء لا يمكنني أن أقف وأقول للآخرين (لا تفعلوا ما فعلته أنا من قبل).

ومع ذلك، يبدو من النفاق الواضح أن أختبئ وراء ستار من المثالية وأقول (لا يوجد ما هو أجمل من ابتسامة طفل)، كتبرير لقراراتٍ اتخذتها في حياتي ولم أكن على يقين من صحتها.

فقط أنا ضد غسل الدماغ والعبارات العاطفية، ضد ذلك وبشدة، ينبغي أن نتوقف عن تصدير فكرة أن الأطفال هم موجة من السعادة، كفى بيعاً لهذا الوهم الكبير!

في أيامنا هذه، من الصعب أن تجد من يصفون تجربتهم الشخصية مع أمومتِهم أو أبوّتهم بكلمات تختلف عن هذه "أنا أم (أو أب) سعيد/ة وأطفالي هم سر بهجتي". كما لو أصبح إجبارياً أن تجدي السعادة في الأمومة.

من خلال تجربتي، أرى أن الواقع يختلف كثيراً. تربية طفل تعني 1% سعادة و99% قلق.

لقد صارت تربية الأطفال مشقة بالغة، حيث انخرط العديد من الآباء والأمهات في كل ما يتعلق بالجانب الدراسي لدى أبنائهم، لقد صاروا مفرطي الأبوة والأمومة، يتواجدون على كل الجبهات: ضمان فطور متوازن، الأنشطة الخارجة عن المناهج، والمساعدة في الواجبات المنزلية.

أدرك جيداً كم كنت منخرطة، بل كنتُ منخرطة حتى النخاع في الواقع، وأدرك كذلك كيف صرت، سواء أردتُ أم لم أرد، صورة نمطية للأم. هذا النمط الذي يخرج أطفالاً مفرطي القيود والحذر جعلني أتساءل، كيف يمكن أن يصيروا بالغين ومسؤولين عن أنفسهم يوماً ما؟

ترى ما سبب كل هذا الضغط بخصوص الإنجاب؟


الإجابة بالتأكيد هي أن زيادة عدد هؤلاء المستهلكين الصغار الذين لا يكترثون بالرأسمالية، التي تسعى للمزيد والمزيد من عمليات البيع. باسم الأبناء، يقوم الآباء بشراء السيارات والغسالات والثلاجات وأشياء أخرى.

الأبناء يكلفون ثروة. في هذه النقطة بالتحديد، وبشكل غريب، البيانات المتاحة في فرنسا قليلة جداً، رغم عدم وجود نقص في الإحصاءات الدقيقة بشكل عام.

الإسبان أكثر واقعية بخصوص هذا الأمر، إذ يرون أن الأبناء يكلفون الأسرة منذ ولادتهم وحتى يصبحوا بالغين بين 98,000 و300,000 يورو لكل منهم. هذا الرقم على الأقل يمكن أن يُنشئ ويدير منظمة استهلاكية كبيرة.

تربية أبنائي لم تستنزفني فحسب، ولكنها جعلتني مفلسة أيضاً.

قريباً سوف تُنهي ابنتي دراستها، وسوف أُقيم في هذا اليوم احتفالاً كبيراً، أخيراً لن أكون مضطرة للاعتناء بأحدهم مجدداً.

رباه! لا أصدق أنني سأتخلص من أعبائي كي أستطيع التوفير من جديد!

لماذا يخبروننا باستمرار أن "الأبناء هم مستقبلنا"؟ ربما هذا صحيح، لأننا لا نصبح واثقين من أنه سوف يكون لنا مستقبل آخر!

شغفنا تجاه الأبناء له علاقة بقلقنا المتنامي تجاه مستقبل الإنسانية. السلع آخذة في النضوب، وتلوث الموارد الطبيعية يتزايد باستمرار، أيُّ عالم مدمر هذا الذي سنعيش فيه غداً؟ أعتقد أننا توقفنا عن محاولات تغيير هذا الواقع.

بعد نشر الشهادة السابقة على موقع BBC، طُلب من القراء والمتابعين أن يشاركوا بآرائهم حول ما يعتقدونه تجاه الأمومة والأبوة. كان هناك عدد هائل من التعليقات المؤيدة والرافضة، هناك من اعترفوا بندمهم على إنجاب الأبناء، بينما قال البعض إنهم لا يفعلون.

بدون ندم


قال أحد الآباء من الولايات المتحدة ويدعى بريان "أبنائي هم أفضل ما حدث لي في حياتي، الأمر يتطلب عملاً شاقاً كذلك. لا أدري من أين قد يأتي أحدهم بفكرة أن الأبوة أمر سهل ويجلب سعادة دائمة. أن تكون سعيداً تحت أي ظرف هو أمر عليك أن تعمل بكدٍّ من أجله على المدى الطويل".

في حين جاء في تعليق آخر لسيدة من الولايات المتحدة تدعى كارين قالت فيه "لا أستطيع أن أتخيل حياتي بدون أبناء، حيث إنني شخصية انطوائية، أطفالي هم من يجعلون اتصالي بالعالم الخارجي مستمراً، من خلال معلميهم، ومدربيهم وآباء أصدقائهم.

أتذكر حين أخبرت أمي أن عليَّ أنا وزوجي أن نؤجل إنجاب الأطفال حتى يأتي الوقت الذي نستطيع فيه تحمل الأمر.

أجابتني أنه إذا انتظرت حتى أستطيع تحمل الأمر فلن يأتي هذا الوقت أبداً. الأبناء والأحفاد يعيدوننا للاندماج في الحياة، وسنكون سعداء عندما يكون لهم منظورهم الفريد تجاه الحياة".

وفي تعليق من اليابان لأب يدعى بوب قال "لدي طفلان في اليابان. بالفعل يتطلب الأمر الكثير من الوقت والمال، لكن بالرغم من هذا استطعت أن أحافظ على نجاحٍ أكاديمي إلى حد معقول. طفلاي جعلاني أكثر تنظيماً.

بشكل غير ملموس، أعاد لي طفليّ ما قدمته لهم، وما زالوا يفعلون هذا في حياتهم بعد أن صاروا ناضجين، كلاهما طبيب يسهم في جعل هذا المجتمع أفضل وأكثر رفاهية بدلاً من أن يصبحوا من صغار المستهلكين هم في الواقع من كبار المساهمين".

نادمون



في المقابل عبَّر الكثير من المشاركين عن ندمهم إزاء هذه التجربة.

تقول إحدى الأمهات من ألمانيا "لم أكن سعيدة أبداً مع إنجاب الأطفال، وما زلتُ كذلك. ابني في السادسة من عمره وما زلتُ أجد صعوبة بالغة في التواصل معه أو مع أصدقائه. في أغلب الوقت لا أحب كوني قد أصبحتُ أمّاً، وبشكل عام لا أجد أن هذا الدور مناسب بالنسبة لي. في مدرسة ابني أجدني غريبة وسط الأمهات المتفاعلات بحماس مع أبنائهن".

تقول كذلك ماري، من اسكتلندا "من الصعب أن أقول إنني نادمة على إنجاب أبنائي، لأنني أحبهم. لكني كذلك لا أنكر أنني عندما أعيد حساباتي، أتمنى لو عاد الزمن إلى الوراء لكي يخبرني أحدهم بحقيقة الأمر، حينها لن أهتم بأن يكون لي أبناء. الأمر رائع، ولكن لوقت قصير جداً. بدون أبناء كنت سأكون أقل قلقاً، وأكثر حرية وقدرة على الادخار".

وتقول جوي من إنكلترا "عمري خمسين عاماً الآن، وأنا متقاعدة. لحسن الحظ، استطعت أن أحافظ على سلامة عقلي وحياتي بالرغم من وجود الأبناء. الأمومة ليست لأي شخص بالتأكيد، مجرد القدرة البدنية على الإنجاب لا يعني القدرة الحقيقية على تحمل تبعات الأمر. لقد أعطيت كل ما بوسعي، وفعلت كل ما كنت أحتاج أن أفعله، لكن هل أنا سعيدة؟ لا. لو عاد الوقت إلى الوراء، لن أنجب أطفالاً أبداً".

مشاعر مختلطة


تقول ميت "في النرويج، وأكثر البلاد الأوروبية، ما زلنا ننظر إلى إنجاب الأطفال كأحد أهم مظاهر الحياة. يمكن أن نعتبر الزواج مفهوماً مؤقتاً، بينما الأسرة والأبناء هما الحالة التي يكون عليها الأمر حتى النهاية.

كانت علاقتي بزوجي رائعة، كنا نحب بعضنا البعض، ونشعر بالسعادة والرضا، وكانت لدينا الكثير من الاهتمامات المشتركة.

الآن، وبعد أن أصبحنا أمّاً وأباً، اختلف الأمر كثيراً. أصبحت لدينا ضغوطات كثيرة ومستمرة، وصرنا أكثر بدانة، ولم يعد لدينا الكثير من الوقت الخاص بنا نحن الاثنين فقط. كنا من قبل نستطيع استيعاب أحدنا الآخر في معظم الجوانب.

نعم، نحب طفلينا بشدة، ونشعر بسعادة بالغة عندما نشعر بحبهما لنا، لكن أنا وزوجي نشعر أننا ضائعان بشكل أو بآخر".

يشعر العديد من الآباء بأن العالم قد تغير كثيراً منذ الوقت الذي قرروا فيه أن ينجبوا أطفالهم.

تقول جين من اسكتلندا "أحب تربية أطفالي وتنشئتهم بالرغم من كل شيء سيئ قد ينطوي عليه هذا الأمر. قد يبدو ذلك غريباً، ولكن عليّ أن أقول إنني لا أتمنى لأبنائي حياة مماثلة لما أعيشه بعد إنجابهم.

لقد صار العالم مكاناً مختلفاً ومتغيراً باستمرار، لذلك تستطيع الحصول على حياة جيدة دون فكرة قدسية الزواج ووحدة الأسرة. يمكنك أن تكون سعيداً وراضياً دون هذا الكم من الالتزام تجاه الاعتناء بآخرين.

حيوان أليف، والكثير من الأصدقاء، ووظيفة جيدة سوف تكون أموراً كافية للأجيال الأوروبية والأميركية القادمة".

تقول أنجا من هولندا "لدي طفلان، وأحبهما حباً لا حدود له حتى أدرك أن الإرهاق قد تملكني، وأن هذا الضجيج اليومي لن ينتهي أبداً. قبل أن أصبح أماً اعتدت أن أكون صبورة، وأن أفكر في الأمور بشكل عمليّ، ولكن الآن يبدو أن هذا قد اختفى تماماً.

أصبح عليَّ أن أفعل كل شيء بجداول وبرامج، الطعام، والعُطَل والإجازات، والملابس، وألعاب الأطفال، والحذاء المناسب، والطريقة الأمثل للتعليم، ما عليّ قوله وما ليس عليّ قوله، المحاولات المستمرة لعدم أخذ الأمور على محمل شخصيّ.

في الأوقات شديدة الصعوبة، أتمنى لو لم يكن لديّ أبناء، ولكن عندما يحتضنك طفلك ويقبلُك، أو عندما ينجحون للمرة الأولى في عمل شيء جيد، أشعر أن هذا لا يضاهيه أي شيء في الوجود".

– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن النسخة الإسبانية لموقع BBC البريطاني. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.