تلْكَ العلاقَة الاحتِكارية بينَ رَجُل وَامرأة، التّي قزّمناها إلى قشرَة رَقيقة تَغشى عُيونَنا بالألوانِ الوضّاءة، ذلكَ العِشق المُتعامي الذي يبْدو لي كَريها مَع ما يحملُه منْ تَعفّناتٍ لكلّ الصّفات البالية التي نحملُها فيه عنْ مَعشوقِنا دُونَ أنْ نُفكّر حتّى أن نُجدّدها. الكَثيرُ يتساءلون: مَتى يفسد الحُب؟
فَتكون الاجابةُ بالطّريقة النّمطية دائماً: بعْدَ تراكُم السنين وَالضغوطات وَالانشِغال بالحَياة اليومية، بِمعنى حينَما نَنتبِهُ أنّنا واقعيّين..
لكنّي أفكّرُ أنّ الحُب فاسِد أصلاً.. شُعور مَريض منذُ بِداياتِه، لأنّه وَخلافاً لطبيعَتنا يبْدو ذلك الفانوسُ السّحري الذّي يسلُخ عنّا قُشورَ وَتراكُمات الواقِع التي سئمناها، ليأخُذنا إلى عالَم سحري لا واقِع فيه ولا ضُغوطات ولا عُيوب.. عالَم خارِج بحقيقَته عن عالَمِنا (الواقِعي) مَع أنّه لمْ يتشكّل أصلاً إلاّ فيه (عالمِنا) وبأشخاص ينتمونَ إليه (نحن) فَكيفَ تُراه يكونُ شيئاً آخر غيْرَ الـ"نحن"..
الحُب ليسَ ذاك الشُعور الذّي يُطيّرنا إلى أسقُف الانتشاء لِلحظات -مَهما بلغ تِعدادُها في التقويم: نظرة عين أو عشرُ سنوات منَ "العشرة"- حيثُ إنّ المَشاعر أشياء عرضية تحدثُ لِقاءَ الانفِعال مَع مُثير.. أشياء لاَ يتعدّى حُضورها فينا إلا مُجرد انطِباع لا أقل وأكثر..
والحُب ليسَ دهشة أيضاً تُؤخَذ بانبهارِنا لوجود شخصٍ بهَذا الحَجم منَ التَشابُه مَع ذلك "النموذَج" الذّي سطرنا صِفاته سَلفاً..
والحُب ليْسَ الزّواج، أو بالأدق.. دَعنا نَقُل إنّ الزواجَ ليسَ هُو الحُب، فَمهما كان التوافُق حاصِلاً بين شخصين يستَحيلُ أنْ ينتُج عنه حب.. الانسِجام يَعني بالضرورة أنّنا نحملُ رُؤيَتين مُتشابِهتين، وبالتالي بَل منَ الطّبيعي، أنْ تنظُرانِ مَعاً لنفسِ الوِجهة، مِمّا سيخلُق ما نُسميه نحن بِـ"السعادة الزوجية" التّي يحضُر فيها نوعٌ من الهُدوء والاستِقرار، وهي غايتُنا القُصوى منْ كُلّ هَذا..
كَما قُلت في البِداية، نحنُ مُتعبونَ جداً لدرجة أنّنا نبحثُ عن ذلك الفانوس السحري الذّي سيخلصُنا من واقِعنا، وبالتالي نتوقع من الحُب أن يفعَل.. بنفسِ الطريقة أيضاً نحنُ نبدأ عمليّة البحثِ عن "الشريك" (منْ لا يحملُ معه مَتاعب كثيرة ويملكُ قُدرة إراحَتنا سيكونُ الحَبيب).
هلْ توصلتُم إلى الفكرة؟
نَعم الرّاحة، غايتُنا منْ وراءِ كل التجارب التّي نعيشُها في الحَياة.. ذلك الشعورُ بالتعب المُزمن يجعلُنا نُساوم على الرّاحة في كلّ شيء حتّى في أعظم شيئين على الإطلاق: الحُلم والحُب. اذْ يحضُر الارتياحُ في الحُب كَحالة شُعورية تُسافر بِنا إلى "الجنّة"، تظهرُ الفكرة أيضاً في الزواج على شاكلة "استقرار" في الحَياة الزوجية، وَهو الذّي نُفسره مرّة أخرى على أنّه حُب، نَعم قدْ يحملُ الاحتِكاكُ الدّائم بشخص معيّن حالة شُعورية مُتداخلة مَا بينَ الإعجابِ بِالسّمات الأخلاقية للشريك وَبينَ إحساسِ الأمان مَعه.. المهم شيء من هَذا قبيل نتوهمه حُباً، لكنّه سُرعانَ ما يبهتُ وَيظهر في صورته الحقيقة عنْدَما تنتَهي صلاحية هَذا "الاستقرار" فيصير "مَللاً".
أظنّ أن الفكرة صارت واضحة بِخصوصِ الزواج..
بالنهاية، السُؤال الأهم في كلّ هذا لمْ نُجب عليه بعد: ما هُو الحُب؟
ليسَ شعوراً ولا دهشَة ولا زواجاً أو "عشرة" كما يقولون، الحُب شخص لا يختَلفُ عنكَ ولا يُشبهُك.. لاَ يُكملُك ولا تنقُصه، شخصٌ ترى فيه الأرضَ الخصبَة التّي تزرَعُ فيها روحَك وبالمُقابِل أنتَ حقلَ أحلامِه وتطلّعاتِه، صَحيحٌ أنّنا لا ننظُر إلى الوجهة نفسِها إذا أحبَبنا ولكن باستِطاعَتنا أنْ نَجمَع حيّز رُؤيَتِنا مَعاً نصير نحن وجهَة واحِدة أبعدَ نَظراً وأوسَع مِساحة.
بالحديثِ عن الحُب تتبادرُ إلى أذهانِنا كلمات وأبيات شعرية للكثيرين، وتطفو على قُلوبِنا مشاعرُ رقيقة بالجَمالِ الذّي يدعونا أن نُجرّب الحُب. لكنّ الحُب ليسَ تجربة، إنّني أؤمنُ أن الزواجَ تجربة أمّا الحُب فَلا.. في الحُب هُناك شخص واحِد فقَط تستَطيعَ أن تُمسِك يده دُونما اهتِمام لتبعاتِ هذا "التلاحُم"، فَما دُمنا أصبَحنا نملكُ رُؤية واحِدة بِما معناهُ الكبير كيان "مُوحد" -نعم ليس واحِداً بل موحّداً: امتزاجٌ من شقّين مُختلفين إلى واحد أوسَع وأشمل- إلاّ وَقدْ بلغنا أوجَ الحُب أنْ نقبَل الطرف الآخر كما قبِلنا المُجازفة بأنفسنا في هَذه الحَياة يومَ خرجنا إليها.
قْد تبدو هذه الفكرة الأخيرة مُبهمة قليلاً لكنّها في الحقيقة بسيطة وَمُشعة، إنْ عُدنا إلى دواخِلنا.. فَبالطريقة التّي نقبلُ بها كلّ الأخطار والتجارب والعَقبات التّي سنواجهها في الحَياة منذُ ولادَتنا، علينا أن نقبَل بالحُب..
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.