حينَ نبلغ العشرين!

إنّي لن أعبس في وجه الحياة مهما اشتد عليّ التعب، لن أرفع الرّاية البيضاء يوماً، لن أقول أخذ منّي الخوف ما أخذ، وأترك الحياة تنسلّ من بين يديّ حتى إذا بلغ مني الكبر عتيا تحسّرت على عمْرٍ ضاع منّي في الانكسار والانهزام

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/27 الساعة 02:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/27 الساعة 02:25 بتوقيت غرينتش

أنظر إلى انعكاس صورتي على المرآة، لم أتغيّر كثيراً ظاهريّا.. ربما لأني أراقب ملامحي باستمرار، وأطل على وجهي أكثر من مرة في اليوم، حتما قد تغيّرتْ بداخلي أشياء حبكتها الأيام، وربما أخرى على ملامحي، لكن المرآة تصر أن تطمسها، وربما كنت أغالط نفسي ولا أرغب في الاعتراف بها.

لقد بلغتُ العشرين، إنهّ رقم مهم، لكنّي كلما التفت خلفي لا أجد شيئًا مهمًّا، خطّ حياتي هذا يكاد يكون مستقيما لا يحيد عن المسار، فارغًا سوى من نجاحات دراسيّة وتسعة عشر ميلادا احتفلت ببعضها، والبعض مر مني في حسرة، أتذكر ذلك جيدا اليوم وأنا أقف في نفس اليوم من السنة.. كلما حلّ السادس والعشرين من يناير/كانون الثاني من كل عام ينضاف رقما آخر إلى رصيد عمري..

لكنّ هذه المرّة هنالك ما هو مختلف.. لا أدري ما هو تماما، لكنّه مغاير لكلّ ما مضى وكأننّي على مقربة من تجارب جديدة، من مسؤوليّات أكبر من تلك الطفلة التي كنتها قبل اليوم، وكأنّي الآن فقط أحس بأني مسؤولة عنّي وعن اسمي وعن كل تصرفاتي.

إنّه لشيء جميل ومخيف في نفس الآن أن نكبر بهذه السرعة، أن نعي أنّه ما عاد بإمكاننا الرّكض، أن نتاسبق إلى أوّل أرجوحة تراها أعيينا، أن نختبئ تحت المائدة سواء خوفا أو لعباً، أن نخطئ كما يحلو لنا، أن نبكي لأننّا نريد هذا الشيء أو ذاك، أن لا نحمل همّ المستقبل ولا جرح الماضي لأننّا نرى الحياة بعيون طفوليّة لأننا لم ننضج بعد ولا أحد يحاسبنا على تصرفاتنا.
كلّما كبرنا إلاّ وازداد فينا الخوف من المجهول، إلاّ وزهدنا في كلّ الأحلام التي طالما راودتنا في صغرنا.

عشرون سنة، ما له هذا الرّقم الزوجي يترك في نفسي وقعا مختلفا؟ لأكون صريحة، أنا لم أعرف في حياتي معنى المسؤوليّة، لم أغادر مدينتي إلاّ برفقة والديّ، دائما ما توفر لديّ كلّ ما أحتاجه، لذا لم أحتج يوما إلى اتخاذ القرارات، تكلّف بها والداي بدلا عني، طوال تسع عشرة سنة وأنا في كنفهم، أتحمل لي أيّها الرّقم وعيدا بالتّحرر من اتكالي وخمولي والدخول أخيرا في غمار الحياة ومسؤوليتها؟ أأكون مختلفة بمجيئك؟ أأكبر فعلا.. أم هو مجرّد رقم آخر ينضاف إلى سنوات عمري، ولا يحمل أي تغيّيرات؟..

يقولون إن هذه الفترة هي أجمل ما يكون في حياة الشخص حيث كلّ شيء في ذروته، الحبّ، العمل، التفاني، والأمل، يقولون إنها مرحلة ذهبيّة يجب على الكلّ أخذ الأجمل منها، أن يتمرّد، أن يحبّ، يفشل ربّما ثمّ يقوم مجددًّا لأنها فترة ليست شبيهة بما مضى، ولا بما سيأتي، ومنهم من يقول إنّه علينا أن نختار مسارنا بحيطة، وأن نحمل في قلوبنا الصّفاء فقط، لأنّ ما سنختاره الآن هو ما سيرافقنا طوال حياتنا وحين تتوالى الأرقام وتحلّ الثلاثون يكون وقتها الأمر تأخر كثيرا عن إدراكه واحتوائه والسفينة قد شدّت رحالها وما عاد من الممكن أن تعود إلى البر.
سأقترب دونما خوف، إنّي أراني بعيون العزم والقوّة، أراني نسخة أفضل منّي، أرى عملا كثيرا ونجاحات أكبر، أرى تجارب، وهَناً، مشقّة، أرى خيبات وقوّة لكنّي أبدا لن أستسلم.

إنّي لن أعبس في وجه الحياة مهما اشتد عليّ التعب، لن أرفع الرّاية البيضاء يوماً، لن أقول أخذ منّي الخوف ما أخذ، وأترك الحياة تنسلّ من بين يديّ حتى إذا بلغ مني الكبر عتيا تحسّرت على عمْرٍ ضاع منّي في الانكسار والانهزام، أتأبَّط هزيمتي حتّى اليوم الذي تغرب فيه شمس الحياة عن سمائي، وتدقّ ساعة الصفرِ، معلنة نهاية التجارب بالنسبة لي.

إذا كنت تقرأ، إذا كنتِ تقرئين، فإني أدعوك إلى محو كل السلبية ومشتقاتها من قاموسك،
لا تنتظر ذلك الغد لتتغيّر وترى الجميل في هذا الكون، ابدأ الآن وبعزم مهما خسرت، مهما تعثّرت بالمصاعب، مهما بلغ منك التيه والضياع مبلغَه، قاوم، قم من جديد، انبعث من حطام أحلامك، وامض بخطى واثقة نحو ما تشتهيه روحك، لا تخف أن تخسر، فحتما سيعوّضك ربّك ما هو أرقى وأسمى، فالخيْر فيما يختاره مولاكَ وفيما يريده قلبك.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد