لم تكن المهاجرة العراقية منى حنا عتيشا (39 عاماً)، تدرك أنها ستحتل عناوين الصحف الأميركية والعالمية، حينما بدأت بحثاً علمياً لتحليل مياه مدينة فلينت في ولاية ميتشيغن الأميركية التي تعمل في أحد مستشفياتها مديرةً لبرنامج طب الأطفال.
فقد كانت تؤدي دورها الطبي والإنساني في التأكد من سلامة مرضاها من الأطفال، لكنها لم تتوقع أن تحصل على نتائج مذهلة تكشف تلوث مياه الشرب بنسب عالية من مادة الرصاص القاتلة، وعدم صلاحياتها للاستخدام الآدمي.
ارتفاع مستويات الرصاص بدم الأطفال
القصة بدأت حينما قررت حكومة ولاية ميتشيغن تحويل مصدر تغذية مدينة فلينت بمياه الشرب من شبكة مياه ديترويت النقية إلى مياه نهر فلنت في شهر أبريل/نيسان من عام 2014، وذلك بغرض توفير المال ضمن خطة لتقليص النفقات بسبب معاناة المدينة من أزمة اقتصادية خانقة. في أعقاب ذلك بدأ السكان يشكون من تغير لون ورائحة المياه.
لكن حكومة الولاية لم تكترث لذلك، الأمر الذي حث الطبيبة على البدء في إجراء دراسة علمية للتأكد من صحة الأمر، لتكون بذلك أول من كشف عن تلوث المياه وارتفاع في مستويات الرصاص بدم الأطفال.
وبشأن قضية أزمة تلوث مياه فلينت، استخدمت الطبيبة العربية الأميركية سجلات المستشفى التي تعمل فيه لإجراء بحثها، بالإضافة إلى عينات أخذت من منازل المواطنين في المدينة، وقد كانت المفاجأة حينما أظهرت النتائج احتواء المياه على كميات خطيرة من الرصاص القاتل، الذي يخلف أضراراً صحية في الأعصاب وتلفاً في المخ لدى الأطفال.
وكشفت دراستها عن تزايد نسبة عدد الأطفال في المدينة الذي يعانون من ارتفاع مستويات الرصاص في الدم وتضاعفه 3 مرات منذ تحول إمدادات المياه الجديد إلى نهر فلينت. بحسب ما ذكرت صحيفة ديترويت فري برس.
وبدلاً من أن تنشر منى حنا بحثها في مجلة طبية كما هو متوقع، اضطرت للكشف عن نتائج الدراسة في مؤتمر صحفي في محاولة منها للفت نظر الرأي العام إلى المأساة التي تعيشها المدينة.
تجاهل القضية
لكن الأكثر إيلاماً كان بالنسبة للطبيبة حنا هو أن مسؤولي الولاية رفضوا نتائج بحثها وأصروا على أن المياه صالحة للشرب، متجاهلين الخطر الذي يهدد حياة آلاف الأطفال في المدينة.
وقالت حنا في تصريحات لقناة CNN ، إنها أصيبت بحالة صدمة، بسبب تعنت حكومة الولاية ورفضها نتائج بحثها واعتبارها خاطئة، رغم أنها أجرت تحاليلها أكثر من مرة وكانت تحصل على ذات النتيجة.
واستمرت السلطات في تجاهل القضية ولم تحرك ساكناً حتى شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2015، إذ كانت نقطة التحول عندما بدأ مسؤولو الصحة في الولاية محادثات مع الطبيبة العربية الأميركية، وسألوها عن كيفية توصلها لتلك النتائج، مقرين في الوقت ذاته بأنهم أجروا تحليلاً مماثلاً وتوصلوا لذات النتيجة. وأعقب اعتراف الولاية بأنها لم تعمل على تحلية المياه بالشكل الصحيح، استقالة اثنين من المسؤولين المباشرين في الأزمة.
رغم ذلك، فإن أزمة مياه فلنت ظلت حبيسة الإعلام المحلي للولاية، ولم تلق صدى في الإعلام الوطني الأميركي ولدى الحكومة الفيدرالية إلا مع بداية العام الجاري، حيث حظيت ومازالت بتغطية واسعة، كما تحولت إلى موضوع انتخابي ساخن بين مرشحي الرئاسة الأميركية.
بدروه، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما الأسبوع الماضي حالة الطوارئ لإغاثة المدينة وتقديم دعم مادي من أجل توفير مياه نظيفة. وجاء ذلك أيضاً بالتزامن مع إقرار حاكم ولاية ميتشيغن رسمياً بالمشكلة، معبراً في خطابه عن "حالة الولاية" السنوي عن أسفه واعتذاره العلني لسكان المدينة، ومتعهداً بإصلاح الضرر والعمل من أجل توفير المياه النظيفة لكل بيت في مدينة فلينت.
كما أشاد الحاكم بالدور التي قامت به الطبيبة العربية الأميركية منى حنا في الكشف عن تلوث المياه، مقدماً اعتذاره لها أمام كونغرس الولاية. وقالت الدكتورة منى حنا إنها قبلت الاعتذار، رغم السخرية التي قوبل بها بحثها في بادئ الأمر واتهامها بإثارة الهلع في أوساط السكان من خلال نتائج بحثها.
منى حنا عتيشا، وُلدت في بريطانيا لأبوين عراقيين، قبل أن تهاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية حيت تلقت تعليمها في جامعة ميتشيغن، وهي الآن مديرة برنامج طب الأطفال في مستشفى هيرلي الطبي، كما تعمل محاضرة بكلية الطب في جامعة ميتشيغن ستيت.