المرأة أوكما أسمّيها الإنسان الجميل، ذاك الكائن الذوقي الجمالي، الحنون مرة والثائر مرة، الصامد مرة والمستسلم لريان حسِّيته مرة أخرى. ذاك الكائن الموازن للطبيعة البشرية، تلك الروح الإلهية العاشقة، الغَدِقَة بكل حس جميل.
المرأة.. الأم، الزوجة، الابنة، الأخت، الصديقة والرفيقة، هي الكائن الذي يتقن تَقَمّصَ جميع الأدوار في فلم الحياة بسلاسة وخفة ومرونة.
وفي كل دور لها قضية وقضيتي اليوم المرأة البعيدة عن حصن الزوجية.
منذ أن بلغتُ العشرينات من عمري وصرت أكثر إلماما بالقضايا الاجتماعية في العالم العربي عامة وفي محيطي الصغير خاصة، كانت وما زالت أكثر المواضيع والقصص التي تجذبني تلك التي تحكي عن المرأة التي طالت عزوبيتها أوالمطلقة أوالمرأة الأرملة.
دائما كانت تشدّ حواسي وتلجّم لساني تلك الطريقة المهينة في الحكي عن فلانة أوأخرى.
وفي كل مرة أتساءل عن الخلل وأين يكمن؟
فقد تجدها مثقفة وبلغت من العلم الأعالي وذات خلُق ودين وحسَبٍ ونسب ويطعن فيها المجتمع ويشكِّك في استواء شخصيتها ومجافاتها واعتبارها غير كاملة الأهلية والضرب على حائط محاسنها. لماذا؟
لأنها وبكل بساطة لم يقترن اسمها بعد بآخر ولم يُكتب من نصيبها أحد أو لأنه لم يُقَدَّر لها الاستمرارية في الزواج لسبب ما.
هنا فقط أقف وأعيد طرح السؤال. أين نحن من الإيمان بالقدر خيره وشره؟
فلَم يمنع الله عنها الزواج إلا لخير، قد يكفُّ عنها زوجاً قاسياً أوذريّة عاصية أوسوء وضعيتها من الأحسن إلى الأسوأ.
فحقًّا المرأة تكمّل الرجل كما هو يكملها وفي حاجة لبعضهما بعضا. فالاثنان يعتبران نصف تجربة الإيمان بالنسبة للآخر، والمرأة بتلك الصلة تحدث توازن الحياة ورقيّها إذا ارتقت.
بَيْدَ أنها لن تصارع القدر وهو يكف عنها الزواج لحكمة.
فقد تألف حالها بعدما أسَنَّت دون ارتباط، وتمضي في سَمتِها بكل حزم ولا وجل، لكن وهي تواجه الطعون والتشكيك في عدم أهليتها، هنا فقط ستفقد صبرها وتحس حقًّا أنها ذات نقص وخلل.
هنا فقط نجد أن الفتاة تتشرَّب مرارة رواسب التقاليد الموروثة من عصر التخلف حتى تَعْلَقَ بثناياها في كل صبيب نظرة دونية لها وستجد في كل كلمة تتلقاها هي موجة شقاء تضرب أركانها المتصدعة.
فرِفْقاً بكل امرأة لم تخلق وضعها ولم تكتب قدَرها ونصيبها!
ألا يكفينا أن نحترم ونقَدِّرَ كل فتاة عربية ناضلت وجاهدت حتى تبلغ من العلم شيئا رغم اضطهاد المجتمع لها؟
ألا يكفينا أن ندعمها للاستمرارية بدل قنصها بالنظرات الاحتكارية الدونية لأنها بلغت ما بلغت دون رجل؟
أليس لنا أن نرى فيها ذاك الكائن الجميل بدل التنقيص والتشكيك؟
أم لا يحز في أنفسنا تقييم المجتمع الغربي للمرأة وتقييمنا لها كمجتمع إسلامي؟
أم نغفل عن ثوابها المفصل في جواب شيخنا العثيمين رحمة الله عليه لما سئل إذا كانت المرأة من أهل الجنة ولم تتزوج في الدنيا أوتزوجت ولم يدخل زوجها الجنة فمن يكون لها؟ فأجاب: الجواب يؤخذ من عموم قوله – تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ)، ومن قوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة لها ما تشاء وما تشتهي من ذلك نفسها.
فطوبى للعفيفات، الطاهرات، الصابرات على قضاء الله، المثابرات، الماضيات في طريقهن دون كَلَل، المتجاهلات لموروثات عصر التخلف من جهل التنقيص والطعن، المقَدّرات لجمالية صُلبهن والمؤمنات بمعجزة الإله فيهن.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.