العديد من الآباء قد يقومون في لحظة غاضبة بالصراخ على الأطفال والتوبيخ، باستخدام جمل مثل: "توقف عن هذا!" أو "افعل ما أقوله لك!" أو "كفّ عن التصرف بغباء".
ورغم أن بعض الآباء يعتقدون أن توبيخ الأطفال أو أسلوب التأنيب والصراخ ضروري ليتعلم الأطفال التصرف بشكل صحيح واكتساب المعرفة والمهارات، فإن الدراسات الحديثة أظهرت أن التوبيخ والصراخ بوجه الأطفال يمكن أن تكون له آثار طويلة الأمد ومدمرة، وتقوم بإدراجه تحت مصطلح "العنف اللفظي".
عندما يتم توبيخ الأطفال أو الصراخ عليهم فإنهم على الأرجح لا يستطيعون إيجاد رابط بين السلوك الذي قاموا به وصراخك، لكنهم يعتقدون أنهم أغبياء، وأنك لا تحبهم، لأنهم قاموا بسلوك معين. كما أنهم قد يشعرون بالذل والذنب والخجل والضغط، وقد يسبب هذا صعوبة لديهم في تكوين علاقات اجتماعية أثناء نموهم، خاصة عند توبيخهم أمام الآخرين.
نستعرض في هذا التقرير الآثار السلبية للعنف اللفظي على الأطفال، وكيف يمكن أن تكون آثاره طويلة الأمد على نفسية الطفل، وحتى صحته الجسدية، أخطر مما قد نتصور.
الصراخ بوجه الأطفال يجعل مشاكل سلوكهم أسوأ
قد تعتقد أن الصراخ على أطفالك يمكن أن يحل مشكلة في الوقت الحالي، أو يمنعهم من التصرف بشكل سيئ في المستقبل، لكن تظهر الأبحاث أنه يمكن أن يؤدي في الواقع إلى خلق المزيد من المشكلات على المدى الطويل، كما يشير موقع جمعية البحث في تنمية الطفل الأمريكي.
كما وجدت دراسة أخرى قامت بها جامعة إيراسموس في هولندا عام 2014، أن التأنيب القاسي يزيد من المشاكل السلوكية، ويسبب الكثير من الاضطرابات العاطفية لدى الأطفال.
توبيخ الأطفال يُغير الطريقة التي يتطور بها دماغ الطفل
يمكن أن يؤدي الصراخ والتوبيخ وأساليب التربية القاسية إلى تغيير الطريقة التي يتطور بها دماغ طفلك حرفياً، وذلك لأن البشر يعالجون المعلومات والأحداث السلبية بشكل أسرع وأكثر شمولاً من الأحداث الجيدة.
قارنت إحدى الدراسات التي قامت بها جامعة هارفارد فحوصات التصوير بالرنين المغناطيسي للدماغ للأشخاص الذين لديهم تاريخ من الإساءة اللفظية من قبل الوالدين في مرحلة الطفولة، مع عمليات المسح لأولئك الذين ليس لديهم تاريخ من سوء المعاملة. وقد وجدوا اختلافاً مادياً ملحوظاً في أجزاء الدماغ المسؤولة عن معالجة الأصوات واللغة.
العنف اللفظي يمكن أن يؤدي إلى الاكتئاب
بالإضافة إلى شعور الأطفال بالأذى أو الخوف أو الحزن عندما يصرخ آباؤهم عليهم ويعنفونهم لفظياً، فإن الإساءة اللفظية من تأنيب وتوبيخ واستهزاء لها القدرة على التسبب في مشاكل نفسية أعمق تستمر حتى مرحلة البلوغ.
في دراسة أسترالية أجريت عام 2012، تتبعت المشكلات السلوكية المتزايدة لدى الأطفال في سن 13 عاماً الذين تعرضوا للعنف اللفظي والجسدي والإهمال، وجد الباحثون أيضاً ارتفاعاً في أعراض الاكتئاب. تظهر العديد من الدراسات الأخرى أيضاً وجود صلة بين الإساءة العاطفية والاكتئاب أو القلق.
يمكن أن تؤدي هذه الأساليب إلى تدهور السلوك، ويمكن أن تتطور إلى أفعال مدمرة للذات، مثل تعاطي المخدرات أو الانتحار أو الميول الجنسية العنيفة، كما يشير موقع Medicinenet لمواضيع الصحة والطب.
التوبيخ له آثار على الصحة الجسدية أيضاً
الإجهاد والضغط النفسي في مرحلة الطفولة بسبب العنف اللفظي يمكن أن يزيد من خطر تعرض الطفل لمشاكل صحية معينة كشخص بالغ. تخبرنا الأبحاث التي قامت بها جامعة كولومبيا البريطانية في عام 2011، أن التعرض للضغط النفسي الناتج عن الإساءة اللفظية أثناء الطفولة يمكن أن تكون له آثار طويلة المدى على الصحة الجسدية.
وجدت دراسة تمت في عام 2017 ونشرت في مجلة علم النفس العيادي، أن هناك صلة بين تجارب الطفولة السلبية، بما في ذلك الإساءة اللفظية والتطور اللاحق للأمراض المزمنة المؤلمة. وشملت الحالات التهاب المفاصل والصداع الشديد ومشاكل الظهر والرقبة، وآلاماً مزمنة أخرى.
توبيخ الأطفال يحطم ثقتهم بأنفسهم
يؤدي التوبيخ المفرط إلى تحطيم احترام طفلك لذاته وثقته بنفسه لدرجة كبيرة. تذكر أن طفلك بشر أيضاً، ولا يمكن أن تتوقع منه أن يكون مثالياً في كل شيء، وأن تجبره على التصرف بطريقة معينة وتوبيخه عندما يفشل في القيام بما تريد.
التوبيخ والإساءة اللفظية تدفع طفلك للاعتقاد بأنهم أغبياء أو سيئين وأنهم ليسوا جيدين بما فيه الكفاية، ولا يستحقون حبك. هذه المشاعر لا تعيق تطورهم الشخصي فحسب، بل تجعلهم يشعرون بالشك تجاه أنفسهم ويفقدون الثقة بها، ما يسبب العديد من الاختلالات النفسية.
استراتيجيات لتربية الأطفال دون استخدام التوبيخ
- كن قدوة لطفلك: إن المهارات تتطور إلى حد كبير من خلال التجربة والنمذجة. كلما زاد تصرفك مع الأمور بهدوء ومرونة ولطف، قلدك الطفل بالتعامل مع المشاكل بالطريقة نفسها.
- اشرح القواعد المنزلية: من المهم أن يعرف الأطفال القواعد المنزلية والعائلية ويفهمونها للالتزام بها. يجب أيضاً أن يدركوا عواقب عدم الالتزام بها.
- امنح نفسك استراحة: حاول أن تسيطر على نفسك قبل أن تغضب لدرجة أن ترفع صوتك وتبدأ بالتوبيخ. والأفضل أن تبتعد عن المكان وأن تذهب لغرفة أخرى مثلاً لتتنفس بعمق، وتهدأ ثم تعود لمناقشة المشكلة أو السلوك مع طفلك.
- تعامل مع السلوك السيئ بهدوء ولكن بحزم: الأطفال يسيئون التصرف في بعض الأحيان، هذا جزء طبيعي من عملية النمو والتعلم. انزل إلى مستوى عيونهم بدلاً من التحدث إليهم من أعلى أو من بعيد، وتحدث معهم بطريقة حازمة لا تؤذيهم نفسياً، ولكنها توضح أنه لا يتم التسامح مع بعض السلوكيات.
- استخدم العواقب وليس التهديدات: وفقاً لباربرا كولوروسو، مؤلفة كتاب "الأطفال يستحقون كل هذا العناء!"، فإن استخدام التهديدات والعقاب يخلق المزيد من مشاعر الغضب والاستياء والصراع. وعلى المدى الطويل تمنع طفلك من تطوير الانضباط الداخلي.
التهديد اللفظي والعقاب يذلان الأطفال ويخجلانهم ما يجعلهم يشعرون بعدم الأمان. من ناحية أخرى فإن استخدام العواقب بشكل إيجابي، والذي تحدثنا عنه بالتفصيل (هنا)، مثل وضع اللعبة بعيداً بعد توضيح أن الألعاب مخصصة للعب وليس للضرب، تساعد الأطفال على اتخاذ خيارات مسؤولة والتصرف بطريقة جيدة.