يشير عالم النفس سيغموند فرويد في العديد من كتاباته إلى أن تطورنا الشخصي يتحدد إلى حد كبير من خلال الأحداث التي حدثت في طفولتنا المبكرة. وفي حين أن العديد من أفكاره قد عفا عليها الزمن الآن، فإن بعض النظريات النفسية الحديثة تشير أيضاً إلى أن تجارب الطفولة تلعب دوراً مهماً في تشكيل حياتنا.
من الشائع أن تسمع الكثير من الشباب أو حتى الأشخاص في منتصف العمر يقومون بلوم والديهم لأسباب وأحداث مختلفة قاموا بها عند تربيتهم. ربما كان الوالدان حريصين جداً أو غير مهتمين على الإطلاق، صارمين جداً أو متساهلين جداً، منتقدين جداً أو لا مبالين، أو متطلبين جداً. أو ببساطة ربما لم يكن والداهم بالمواصفات التي أرادوها.
أياً كان السبب، التركيز على الماضي لا يغيره ولا يمحو التجارب السيئة أو الصعبة. لهذه الأسباب عليك التوقف عن لوم والديك على أخطاء الماضي ومحاولة التعاطف معهم.
أولاً، لماذا يلوم الأبناء الآباء؟
يلوم الأبناء أحياناً والديهم على كل شيء سلبي في حياتهم: مثل الافتقار إلى الحافز وضعف الثقة بالنفس وعدم الاستقرار الوظيفي والإرهاق والمخاوف والغضب وتفكك العلاقات، وأكثر من ذلك.
السبب في ذلك هو تغير نظرتنا تجاه آبائنا والتي تتطور مع تقدمنا في العمر، في الطفولة ننظر لهم كمصدر قوة خارق، وعندما ندخل مرحلة المراهقة فإننا غالباً ما ندرك إخفاقات آبائنا. بمجرد أن نبلغ سن الرشد، تتكون لدينا نظرة أكثر توازناً لآبائنا، ونرى بوضوح نقاط القوة والضعف لديهم ونسقطها على تربيتهم لنا ثم نبدأ بالتقييم وإطلاق الأحكام.
ربما طلق والداك ثم تزوجا مرة أخرى، وكان ذلك صعباً عليك. أو ربما شعرت بالكثير من المسؤولية في المنزل؛ لأن والديك عملا لساعات طويلة وتركاك بمفردك أو مع المربية أو كان لديك شقيق من ذوي الاحتياجات الخاصة عليك أن تعتني به.
أو أن والديك كانا يتوقعان منك نجاحاً أكثر مما أحرزت أو كانا ينتقدانك في كثير من الأحيان.
كل هذه المواقف العائلية شائعة، لكنها قد تؤثر جداً على الأطفال في مرحلة الطفولة وقد تستمر حتى البلوغ والرشد. لكن لوم الوالدين، بشكل صريح أو حتى بينك وبين نفسك، ليس حلاً ولا يؤدي إلى نتيجة إيجابية بل على العكس قد يتعبك نفسياً ويوترك ويصيبك باضطرابات نفسية كالقلق والاكتئاب ويجعلك تدور في حلقة مفرغة، كما جاء في موقع Good Therapy.
أسباب للتوقف عن لوم والديك
إن كنت تلوم والديك حتى اليوم على نمط الحياة الذي تعيشه أو الوظيفة التي اخترتها أو على قرار اتخذته، إليك بعض الأسباب التي قد تجعلك تفكر في التوقف عن إلقاء اللوم على والديك، حتى لو فعلا أشياء جعلتك تشعر بالانزعاج.
1) لوم الوالدين طريق مسدود
قد يكون من المفيد التفكير في أثر تجاربك التي مررت أو تمر بها على حياتك الآن، لكن التركيز على لوم والديك يبقيك عالقاً في الماضي.
ومع ذلك، يجد الكثير من الناس أنه من الأسهل إلقاء اللوم على والديهم في مشاكلهم بدلاً من لوم أنفسهم.
ومع ذلك، أظهرت دراسة كبيرة أجريت على أكثر من 30 ألف مشارك من 72 دولة في عام 2013 تحت إشراف لجنة البحث في جامعة ليفربول، أن إلقاء اللوم على الآباء لا يساعد الناس على تجنب الآثار السلبية للتجارب الصعبة.
وجدت الدراسة أن أولئك الذين ركزوا على التجارب السلبية التي مروا بها كانوا أكثر عرضة للمعاناة من مشاكل الصحة العقلية من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك. لذلك تقترح الدراسة أن العمليات النفسية مثل إلقاء اللوم على الوالدين يمكن أن تكون أكثر خطورة على الصحة العقلية من التجارب السابقة نفسها.
2) لا يوجد والد مثالي
ألن يكون من الجيد أن يعرف والداك دائماً ما تحتاجه في كل لحظة وأن يكونا قادرين على تقديمه لك؟ ألن يكون رائعاً لو كانا دائماً مبتهجين وصبورين ومتاحين؟
لكن هذه الصورة المثالية عن الوالدين غير حقيقية وليست ممكنة وغير طبيعية حتى، الوالدان بشر ومهمتهما كمربين صعبة.
يمكن أن تكون تربية الأطفال أمراً ممتعاً، لكنها أيضاً قد تكون مرهقة ومحبطة ومملة أحياناً ولا يمكن أخذ إجازة منها.
بالإضافة إلى ذلك، لدى الوالدين مهام أخرى، مثل الوظائف والأعمال المنزلية والواجبات والالتزامات العائلية الأخرى التي تحتاج انتباههم وطاقتهم في اتجاهات مختلفة.
توقع أن يكون والداك كما تريد تماماً في جميع الأوقات هو أمر غير واقعي. جميعنا نشعر بالانزعاج والتعب والإرهاق والغضب في مراحل كثيرة واتجاه أشخاص كثر في حياتنا؛ وهذا ينطبق تماماً على أي أب أو أم.
3) الظروف تلعب دوراً مهماً
يشير مدرب العلاقات ديفيد ويجانت في مقال له في جريدة Huffpost، إلى أنه من المهم أن تفهم الظروف التي مر بها والداك أثناء اتخاذهما قراراً أثر عليك أو أزعجك. كما أنه من المهم أن تأخذ بعين الاعتبار البيئة والتربية التي نشأ فيها والداك والتي وإن لم تبرر سلوكهم أو قراراتهم فقد تساعدك على فهم أسبابهما والتخلي عن اللوم.
النوايا مهمة أيضاً، على سبيل المثال، غالباً ما يعتقد الآباء الناقدون أن تعليقاتهم مفيدة وليست مؤذية وأنها بهدف جعلك إنساناً أفضل أو لتحفيزك لتتحسن في مجالات مختلفة. هذا لا يجعل تعليقاتهما جيدة، ولكن الفهم والاعتراف بنيتهما يجعل من السهل التعامل معهما والتخلي عن لومهما.
4) والداك ليسا العامل الوحيد الذي يؤثر عليك
الآباء هم أول قدوة لنا بل ربما يكونون كمرايا لنا، يساعدوننا في معرفة من نحن. لكنهم بالتأكيد ليسوا المساهمين الوحيدين في ما نحن عليه اليوم!
نولد جميعاً بمزاج خاص وصفات مختلفة ومميزة، منها وراثي جيني ومنها مكتسب. وتلعب العلاقات الأخرى في حياتنا مع الأصدقاء والأقارب والجيران وزملاء الدراسة والمدرسين وزملاء العمل والمديرين دوراً مهماً في تكوين شخصياتنا واتخاذ قراراتنا.
كيف تتوقف عن اللوم؟
هل يعني ما سبق أنه يجب عليك تجاهل كل ما يزعجك في والديك؟ بالطبع لا. لكنك لست مضطراً للوقوع في شرك الخيارات الخاطئة بين إلقاء اللوم على والديك أو لوم نفسك أو قطع الاتصال بوالديك أو الغضب منهما بقية حياتك. فيما يلي بعض الخيارات التي سوف تساعدك على التواصل مع والديك بشكل أفضل:
1) اسأل والديك عما تريده أو تحتاجه
لا أحد يستطيع تغيير ما حدث في الماضي، لكن قد تتمكن من تحسين علاقتك بوالديك الآن. ركز على ما تريد منهم أن يفعلاه ، وليس ما لا ينبغي عليهما فعله. سيكون من الأسهل عليهما سماعك إذا أخبرتهما بهدوء في وقت مناسب بدلاً من وقت تظهر فيه المشاكل ويكون الجميع فيه في حالة توتر.
من الضروري أيضاً أن تكون واضحاً بالحديث عما يزعجك من تصرفات وكيف تريد أن يتعاملا أو يتحدثا معك.
2) تعاطف مع والديك
ينصح الأخصائي النفسي والعائلي جوشوا كولمان في مقال له في موقع Greater Good، بالتعاطف مع الوالدين للتوقف عن لومهما. ربما فعلا أفضل ما في وسعهما، في ظل الظروف التي مرا بها. يمكنك إدانة السلوك دون إدانة الشخص. يمكنك أن تسامح شخصاً ما على إيذائك لك، حتى لو لم يدرك أفعاله الخاطئة، لمجرد أنك لا تريد أن تتحمل عبء الاستياء.
حاول رؤية والديك على أنهما أخطآ ولكنهما أيضاً بشر، مثلك تماماً.