ربما تكون سمعت عن الدراسة التي أجرتها جامعة ستانفورد الأمريكية تحت مصطلح "دراسة المارشميلو" لعام 1972.
كان الهدف من تلك الدراسة هو تقييم قدرة الطفل على تأجيل الاستمتاع بالملذّات. أعطى القائمون على التجربة مجموعة من الأطفال خيارين بسيطين، إما أن يتناولوا قطعة واحدة من حلوى المارشميلو في الحال، أو الانتظار فترة من الوقت للحصول على قطعتين.
تتبَّع الباحثون هؤلاء الأطفال لسنواتٍ تلي الدراسة الأولية، وكانت النتيجة أن نسبة كبيرة من الأطفال الذين انتظروا ليحصلوا على قطعتين من الحلوى أكثر نجاحاً في كل شيء، من النواحي الأكاديمية وحتى العمل وتحقيق السعادة في الحياة. من الناحية الأخرى، لم يُبل الأطفال الذين تناولوا القطعة الأولى من حلوى المارشميلو على الفور بلاءً حسناً في حياتهم نهاية الأمر.
يدفعنا هذا إلى القول إن الطريقة التي ننشأ عليها، والخيارات التي نتخذها في بعض الأحيان مع تقدمنا في العمر تؤثر على الآلية التي نمارس من خلالها حياتنا كبالغين من جهة، وعلى مستويات النجاح التي نستطيع الوصول إليها من جهة أخرى.
يدفعنا هذا إلى طرح سؤال مهم: "ما هي الأشياء المشتركة التي قام بها آباء هؤلاء الأشخاص الناجحين أثناء تنشئتهم؟".
في هذا المقال سنناقش الأمور الستّة التي فعلها آباء أكثر الأشخاص نجاحاً عند تربية أطفالهم، كما جاء في موقع The Ladders الأمريكي.
1- يشجعون أطفالهم على طرح الأسئلة ليتعلموا بأنفسهم
إن إعطاء الفرصة للأطفال لطرح أسئلتهم الخاصة، وإشراكهم في "حديث الكبار" يمكن أن يجعلهم أكثر نجاحاً في المستقبل.
حلل مالكوم جلادويل في كتابه الصادر عام 2008 الذي حقق نجاحاً باهراً، كثيراً من الأشخاص الناجحين من خلال تاريخهم، حتى إنه يشير إلى معالجة مستويات قراءتهم وعلاقتهم مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي بجانب علاقتهم مع آبائهم.
يُشير جلادويل إلى أن الأطفال الذين يحافظون على تطبيق مهارات القراءة كل صيف، وبالتالي تتحسن مهاراتهم في القراءة مع مرور الوقت يمتلكون آباء يتحدثون معهم باستمرار ويعطونهم الفرصة ليتعلموا بأنفسهم. مثلاً بدلاً من الاقتصار على الذهاب إلى طبيب الأسنان قد يسأل أحد الوالدين طفله: "ما التساؤلات التي ستطرحها على طبيب الأسنان اليوم؟".
يشجع هؤلاء الآباء أطفالهم على طرح الأسئلة، وعلى التفكير العميق والمشاركة في "حديث الكبار"، وهو ما يساعدهم بالتالي على تكيفهم مع العلاقات المستقبلية. بالإضافة إلى كون هذه الطريقة استراتيجية لبناء الثقة في النفس، التي تساعد الأطفال على النضج مع اكتساب مهارات الشخصية القوية!
2- يكونون صادقين مع أطفالهم
"بإمكانك أن تكون أي شيء تريده في الحياة ما دمت قد صممت على تحقيقه"
هذه المقولة خاطئة وصحيحة في آنٍ واحد، قد ترغب في أن تكون رئيساً للبلاد، أو لاعب كرة سلة محترفاً، أو موسيقياً، لكن احتمالية حدوث تلك الرغبات محدودة للغاية، ومن هنا تنبع مصداقية الآباء.
تبدأ مساعدة الآباء لأطفالهم بإدراك المجهود المطلوب للوصول إلى القمة، يتضمن ذلك أموراً مثل تعليمهم أخلاقيات العمل والتعلم والعزيمة والمثابرة، على سبيل المثال لا الحصر، مع الصراحة الشديدة معهم.
يخبر الآباء الصادقون أبناءهم أموراً مثل:
- بمقدورك أن تصبح لاعب كرة سلة متميزاً في المرحلة الثانوية، وربما في الجامعة أيضاً، لكن هناك عوامل قد تفتقر إليها مثل الطول، لذلك يجب عليك أن تمتلك خطة بديلة، ما الرياضة الأخرى التي تحب أن تمارسها؟
- يمكنك أن تصبح رئيساً للبلاد، لكن يتوجب عليك أولاً أن تُقبل في كلية الحقوق وتبدأ مساراً مهنياً سياسياً، خطِّط للأمر إن كنت تريد أن تنخرط في السياسة.
- يمكنك أن تصبح موسيقياً، لكن أغلبية الموسيقيين قد لا يجنون مالاً كافياً لسداد فواتيرهم إن لم ينجحوا ويتميزوا ويبدعوا في مجالهم، لذا فما الذي تفكر فيه لتكون مميزاً ومبدعاً؟
إن اتباعك لهذا السلوك قد يبدو وكأنك تحطم أحلام طفلك، لكن قول الصدق في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة لعمر طفلك أفضل من تشجيع طفل على أنه سيصبح مثل لاعب كرة السلة الشهير مايكل جوردن، رغم أنه لم يُقبل في فريق كرة السلة في المدرسة بسبب قصر قامته، أو عدم امتلاكه ما يتطلب ليلعبها!
3- يقرأون لأطفالهم
تُمكننا القراءةُ لأطفالنا من إدراك المواضع والسلوكيات والمشاعر التي ينبغي علينا التوقف عندها، والعمل على تحسينها والتعامل معها. كما تشير بعض الدراسات إلى زيادة نجاح الأطفال في المستقبل إن قرأ لهم آباؤهم، إذ يرتفع معدل الأداء المعرفي والإبداع والمهارات الاجتماعية والحصيلة اللغوية لديهم عندما يُقرأ لهم، صحيح أنه ليس جميع القراء قادةً، ولكن كما يُقال جميع القادة قُرّاء.
ومع ذلك، يناقض كثير من الآباء أنفسهم حينما ينصحون أبناءهم بالقراءة، في حين أنهم يقضون يومهم أمام التلفاز أثناء وجودهم بالمنزل، لذلك على الآباء أن يكونوا القدوة لأطفالهم، إن كنت ترغب في تنشئة طفلٍ مُحب للقراءة فاقرأ أمامه.
4- يعّلموهم تقبّل الفشل كخطوة للنجاح
إنَّ التعلم من الفشل أمرٌ ضروري لنجاح أي شخص، عادة في المدرسة نتعلم الدرس، ثم نُختبر فيه، مع ذلك عندما نُصبح بالغين فإننا نتعرض للامتحان الذي يعلمنا عادة درساً ما، ما دمنا نجتاز تلك الاختبارات فسوف تستمر الحياة في وضعنا أمامها.
التعلم من تجارب الفشل يسمح للأطفال بأن يتعلموا بأنفسهم بدلاً من تحكم الوالدين في حياتهم. هذا بدوره يُساعد الأطفال على تنمية حس المثابرة والمرونة والإصرار، وتعلم مهارة حل المشكلات.
5- يتناولون العشاء معاً
الشعور بالارتباط والانتماء يتكون من عمر مبكر جداً، ويمكن لأبسط الأشياء أن تنميه وتعززه، كتناول العائلة العشاء معاً.
عندما تُغلق أجهزة التكنولوجيا وتتوالى المحادثات، هنا يتعلم الأطفال من الآخرين. يشير عدد لا حصر له من الدراسات إلى أن العائلات التي تجتمع لتناول الطعام أغلب الوقت ينجبون أطفالاً يكبرون ليصبحوا ناجحين.
وللمرة الثانية، فإن الحصيلة اللغوية والمهارات الشخصية والاجتماعية لدى الأطفال الذين ينشأون في عائلات تجتمع لتناول العشاء تكون أفضل.
6- يساعدوهم ليدركوا أخطاءهم
قد تكون هذه النقطة محوريةً بالنسبة للنقطة السابقة، التي ناقشت صدق الآباء مع آبائهم، ورغم ذلك يجب الإشارة إلى أن الأشخاص الناجحين كان لديهم آباء تركوهم ليدركوا المواقف التي أخطأوا فيها.
في كتاب جوردن باترسون، 12 قاعدة للحياة، تقول إحدى قواعده: "لا تسمح لأطفالك بالقيام بأفعالٍ تدفعك للشعور بالبغض نحوهم". تُرى ما السبب وراء تلك القاعدة الغريبة؟
لقد حظي البالغون الناجحون بآباءٍ كانوا أبعد ما يكونون عن التحيز إليهم عند وقوعهم في الخطأ أو الفشل في تحقيق هدف محدد، فقد اعتادوا أن يخبروهم متى يكون وقت الخسارة، ومتى يكون وقت الفوز، متى أخطأوا، وكيف يمكن أن يتحسّنوا للأفضل لكي يقوموا بما هو صحيح.
من الأفضل أن تخبر الطفل عندما يخطئ، الآباء الذين يقومون بإصلاح المشاكل لأطفالهم، والتحكم في نتاج أفعالهم هم في الغالب يضرّون بمصلحة أطفالهم بدلاً من مساعدتهم!
الخلاصة:
النجاح ليس أمراً يسيراً، وكذلك تربية الأبناء، مع ذلك، إن سألت أحد المعلمين أي نوع من الآباء يفضلون فسيخبرك عن الآباء الذين يحاولون خلق بيئة تعليمية رائعة، ولكنهم لا يتحكمون في كل المواقف التي يتعرض لها أطفالهم.
تركك لطفلك ليتعلم من فشله ومساعدته على اكتساب المهارات الاجتماعية ومهارات حل المشكلات والتعامل معها والمثابرة، هي الصفات التي تفرق عادةً بين أولئك الذين يصلون إلى قمة السُّلّم وأولئك الذين يفشلون في صعوده.
يملك البالغون الناجحون عادةً آباءً غرسوا نظم القيم والشخصية بداخلهم، واستطاعوا القيام بذلك عبر تطبيق بعض الأشياء البسيطة، ولكن ذات الأثر الكبير، مثل القراءة، والاجتماع حول مائدة العشاء، والتعلم من الأخطاء.