يقضي الأطفال الصغار نصف يومهم تقريباً نياماً، حتى لو كان هذا النوم غير متواصل، ماذا يفعلون في هذا العالم الآخر؟ هل يحلمون مثلنا؟ وماذا يرون بالتحديد في أحلامهم؟
أجريت العديد من الدراسات حول النوم لسنوات طويلة، وبينما تتواصل الاكتشافات الجديدة، يمتلك العلماء فهماً راسخاً لما يدور في أذهان البالغين عندما ينامون، لكن الأمر مختلف عندما يتعلق الأمر بالأطفال، فلا يزال نوم الطفل لغزاً غير مكتمل الحل بالنسبة للعلماء.
هذا اللغز يترك الكثير من الآباء يتساءلون: هل طفلي يحلم؟ وإذا كان الأمر كذلك، في أي عمر يبدأ بذلك؟ وما طبيعة الأحلام التي قد يراها؟
نوم الريم: فترة الأحلام
يقضي الأطفال نصف وقت غفوتهم في نوم الريم REM. تبدأ فترة نوم الريم الأولى في الليل بعد حوالي 90 دقيقة من النوم وتتكرر كل 90 دقيقة. في هذه الفترة، تتحرك عينا الطفل بسرعة خلف جفونه وتبدو موجات دماغه كموجات شخص مستيقظ. يتسارع التنفس ويزداد معدل ضربات القلب وضغط الدم إلى مستويات قريبة من مستويات فقرة الاستيقاظ.
وفقاً لموقع Healthline الطبي، فإن نوم حركة العين السريعة هي المرحلة التي يحدث فيها معظم الأحلام، ويقضي البالغون حوالي 20% من نومهم في هذه المرحلة. أما الأطفال يقضون ما يقرب 50 % من نومهم في نوم حركة العين السريعة، و هذا كان السبب الرئيسي الذي دفع الخبراء لقضاء وقتٍ طويل في محاولة تحديد ما إذا كانوا حقاً يحلمون أم لا.
فرضية تقول: الأطفال قد لا يحلمون قبل تعلم الكلام
وفقاً لعالم النفس وأحد الخبراء الرائدين في العالم في مجال أحلام الأطفال، ديفيد فولكس، غالباً ما يربط الناس خطأً بين قدرة أطفالهم على الإدراك والقدرة على الحلم. إذ كتب فولكس في كتابه "أحلام الأطفال وتطور الوعي" (Harvard University Press، 2002): "إذا قدم كائن حي دليلاً على أنه يستطيع إدراك حقيقة ما، فإننا نميل إلى تخيل أنه يمكن أن يحلم به أيضاً".
ولكن بالنظر إلى مجموعة تجارب الأطفال المحدودة وعدم نضج أدمغتهم ، يعتقد فولكس وعلماء أعصاب آخرون أن الأطفال في الواقع لا يحلمون في السنوات القليلة الأولى من حياتهم. بدلاً من ذلك، تتطور القدرة على الحلم جنباً إلى جنب مع القدرة على تخيل محيطهم بصرياً ومكانياً والتحدث والتعبير عما يتخيلوه.
كما يفترض فولكس أن الأحلام تميل إلى أن تكون ثابتة وذات بعد واحد، بدون شخصيات وبها قليل من العاطفة. وفقاً لفولكس، لا يبدأ البشر في الحصول على أحلام مصورة تشبه القصة إلا في سن السابعة أو نحو ذلك. هذه المرحلة من الحياة هي أيضاً التي يميل فيها الأطفال إلى تطوير إحساس واضح بهويتهم وكيف يتناسبون مع العالم من حولهم.
ربما يحلم الأطفال لكن ليس لديهم لغة لإخبارنا
في السنوات الأخيرة، كان هناك اعتراف علمي متزايد بقدرة الأطفال على المعرفة والمراقبة والاستكشاف والتخيل والتعلم أكثر مما كنا نعتقد أنه ممكن. وقد تطورت الأبحاث في علم الأحلام و توسع نطاق البحث وتحدي بعض استنتاجات فولكس.
في عام 2005 نشرت صحيفة The New York Times سؤال وجواب مع تشارلز بولاك، مدير مركز طب النوم في نيويورك. عندما سئل عما إذا كان الأطفال يحلمون، جاوب بولاك: "نعم، أستطيع قول ذلك"، مشيراً إلى أنه يستند بإجابته إلى أنهم يفعلون ذلك أثناء مرحلة النوم حركة العين السريعة REM التي يمر بها الإنسان في جميع مراحل حياته حتى وهو جنين. ومن الممكن ملاحظة الطفل عندما يمر بهذه المرحلة من خلال تتبع حركة عينيه أثناء النوم التي تتحرك بسرعة تحت أجفانه يميناً ويساراً أو فوق وتحت.
لكن تختلف كيلي بولكيلي، عالمة نفس الدين التي تدرس الأحلام، مع فولكس، وتعتقد أن الأطفال يحلمون ولكن لا يستطيعون إخبارنا بذلك. وقد نشأ هذا الاعتقاد وكان له قبول كبير بسبب الدراسات التي تلت فولكس وعلمتنا أن عقول الأطفال أكثر وعياً وقدرة على الإدراك مما كنا نعتقد سابقاً. تعتقد أيضاً أن نوم حركة العين السريعة يساعد الناس على ترسيخ ذكرياتهم وهضمها عقلياً.
تدرس الأبحاث منذ الستينيات الغرض من نوم حركة العين السريعة للأطفال، ووجدوا أنها تدعم نمو الدماغ وتساعد الأطفال على تحويل تجاربهم وملاحظاتهم خلال ساعات الوعي إلى ذكريات ومهارات دائمة، وفق نتائج نشرها موقع ScienceDaily LLC العلمي.
ربما لهذا السبب يدخل الأطفال في مرحلة نوم الريم أكثر بكثير من البالغين. وتقول بولكيلي: "وجهة النظر المنطقية"، نتيجة لذلك "هي نعم، الأطفال يحلمون، ليس لديهم لغة تمكنهم من إيصال ذلك".
أولئك الذين يعارضون فكرة أن الأطفال يحلمون، وفقاً لبولكيلي، غالباً ما يشيرون إلى حقيقة أن الصور المرئية التي يخلقها البشر في أدمغتهم أثناء النوم مرتبطة بـإدراكهم للواقع و هم مستيقظين. هذا جزئياً ما كان فولكس يحاول إيصاله: "نظراً لأن الأطفال لديهم القليل من الخبرة العاطفية والحسية للاستفادة منها، فليس هناك الكثير من المواد التي يمكن تحويلها إلى حلم".
لكن بولكيلي استشهدت بأدلة تشير إلى أن الأحلام تخدم -جزئياً على الأقل- كآلية غريزية للجسم لحماية نفسه من الأخطار الافتراضية. وقد كتب عالم الأعصاب الفنلندي أنتي ريفونسو الذي طرح هذه النظرية لأول مرة في عام 2000: "الوظيفة البيولوجية للحلم هي محاكاة الأحداث المهددة، والتدريب على إدراك التهديد وتجنب التهديد".
وانطلاقاً من هذه النظرية فإن الأطفال أيضاً قد يشعرون بمخاوف معينة ويعيشونها في الحلم، خاصة أن بعض الدراسات تشير إلى أن بعض الثدييات والطيور مثلاً تحلم.
الخلاصة
لسوء الحظ، لم يتم الكشف عن إجابة محددة وقاطعة لهذا اللغز، فلا يستطيع الطفل في سنواته الأولى إخبارنا بنفسه. أما خبراء النوم والمختصين فينقسمون بين "نعم يحلمون لكن لا يستطيعون إخبارنا" أو "لا يحلمون لأن قدرات عقلهم لم تستوعب بعد العالم الخارجي لتحول مشاهده إلى أحلام". لكن الحقيقة الحالية هي أننا لا نملك دليلاً قاطعاً يرجح كفة أحد الاعتقادين.