يُعدّ الإرهاق العقلي حالةً شائعةً يتعرض لها العديد من الأفراد نتيجةً لمتطلبات الحياة الحديثة التي تفرض ضغوطاً متزايدة على العقل. فمثلما نشعر بالتعب الجسدي بعد ممارسة نشاط بدني مكثف، يمكن أن يؤدي النشاط العقلي المستمر إلى استنزاف طاقة العقل بشكل كبير.
ويحدثُ الإرهاق الذهني عندما يتعرض الدماغ لمستويات مرتفعة من التحفيز أو يتطلب منه الحفاظ على مستوى عالٍ من النشاط دون الحصول على فترات راحة كافية. يمكن ملاحظة هذا النوع من الإرهاق إذا كان الشخص يعمل أو يدرس لساعات طويلة بدون فترات راحة، أو يتعامل يومياً مع مسؤوليات كبيرة وضغوط نفسية مستمرة.
في هذا التقرير، سنستعرض مفهوم الإرهاق الذهني بشكل أعمق، ونقدم نصائح قيمة تساعدك على إدارته والوقاية منه للحفاظ على صحة عقلك وسلامته.
ما هي أسباب الإرهاق الذهني؟
يمكن أن يحدُث الإرهاق العقلي عندما ننخرط كثيراً في مهام تتطلب الكثير من الجهد المعرفي والعاطفي، وخاصةً عندما لا نخصّص وقتاً للراحة والعناية الذاتية في أيامنا.
تختلف محفزات وأسباب الإرهاق العقلي من شخص لآخر، ولكنها تشملُ في العموم مايلي:
- القيام بوظيفة عالية الضغط.
- العمل لساعات طويلة دون أخذ إجازة للراحة.
- التعرض لضغوط مالية.
- عدم الرضا الوظيفي.
- توفير الرعاية لشخص عزيز مريض أو لديه احتياجات خاصة.
- العيش بمرض مزمن أو حالة صحية عقلية.
- فقدان أحد الأحباء.
- عدم التوازن بين العمل والحياة أو الدعم العاطفي.
علامات تشير إلى أنك منهك ذهنياً
علامات الإرهاق الذهني ليست دائماً واضحة، بل قد تظهر تدريجياً على شكل تغيرات طفيفة في السلوك والمزاج والأداء اليومي. إن التعرف على هذه العلامات في وقت مبكر يمكن أن يكون المفتاح لاتخاذ الخطوات اللازمة للوقاية من الانهيار الذهني وتحقيق التوازن في حياتك، إليك أبرزها وفقاً لما أرشدنا إليه موقع web md:
- التوتر والغضب وفقدان الصبر
يمكن للإرهاق الذهني أن يدفعك نحو حالة من المزاج السيئ، حيث تصبح سريع الانفعال والغضب تجاه الآخرين. يكون التحكم في مشاعرك أكثر صعوبة عندما تكون منهكًا ذهنيًا، ما يجعل الأمور اليومية أكثر تعقيدًا.
- عدم القدرة على إنجاز العمل
بينما تتفاوت إنتاجية الجميع بين فترات الذروة والانخفاض، فإن الإرهاق العقلي يجعل من الصعب التركيز وإتمام المهام. ستجد نفسك مشتتًا، تفتقر إلى الدافعية، وقد تفوتك المواعيد النهائية، حتى أبسط المهام قد تبدو مرهقة للغاية بالنسبة إليك.
- فقدان الوعي والتركيز
قد تشعر بالشرود الذهني أو النعاس، ما يصعّب عليك التركيز في ما تقوم به. قد تصبح ردود أفعالك بطيئة ما قد يكون خطيرًا في مواقف مثل القيادة.
- صعوبة النوم
رغم أنك قد تعتقد أن النوم يصبح أسهل عندما يكون عقلك متعبًا، إلا أن هذا ليس الحال دائمًا، فقد تؤدي قلة النوم إلى تفاقم الإرهاق الذهني.
- اتباع سلوكيات غير صحية
مع الإرهاق الذهني، قد تجد نفسك تلجأ إلى سلوكيات غير صحية مثل شرب الكحول أو تعاطي المخدرات. وقد يكون هذا الأمر أكثر تأثيرًا على من يعانون بالفعل من اضطرابات تعاطي المواد، حيث يعتقد الخبراء أن الإدمان يغير أجزاء من الدماغ تتحكم في التوتر والسلوك الاندفاعي.
- الاكتئاب وفقدان الطاقة
إذا كنت تشعر بفقدان للطاقة أو تتحرك ببطء، فقد يكون الإرهاق الذهني هو السبب. يمكن أن يجعل هذا الشعور من الصعب إنهاء المهام أو القيام بالأنشطة اليومية. إذا استمرت مشاعر الاكتئاب أو اليأس لأكثر من أسبوعين، فتحدث إلى طبيبك، فقد يكون هذا دليلاً على أن الاكتئاب لديك أصبح أكثر خطورة.
- القلق المفرط
يؤدي الإرهاق الذهني إلى تنشيط جهازك العصبي الودي، ما يضعك في حالة "قتال أو هروب". القلق هو إشارة إلى أن هناك شيئًا ما خطأ. إذا كنت تعاني من الإرهاق الذهني بشكل مستمر، فقد تبدأ في الشعور بالذعر أو القلق بشكل متواصل، وغالبًا ما يتزامن ذلك مع أعراض الاكتئاب.
- تغير العادات الغذائية
يمكن أن يؤثر الإرهاق الذهني على شهيتك بطرق مختلفة. قد تلاحظ أنك تتناول وجبات خفيفة أكثر من المعتاد دون أن تولي اهتمامًا لما تأكله. فالتوتر قد يجعلك تتوق إلى الأطعمة السكرية أو المالحة أو الدهنية، أو قد تفقد شهيتك تمامًا.
- زيادة ارتكاب الأخطاء
من الطبيعي أن يرتكب الإنسان بعض الأخطاء، لكن الإرهاق الذهني يقلل من قدرتك على اكتشافها وإصلاحها بسرعة. يمكن أن يكون لهذا تأثير سلبي في وظائف معينة، خاصة تلك التي تتطلب دقة عالية أو تتعلق بسلامة الآخرين.
- زيادة الشعور بالألم
يتفاوت تأثير الإرهاق الذهني على الجسم من شخص لآخر، ولكنه قد يزيد من حدة الصداع، وآلام العضلات، والظهر، أو مشاكل المعدة. إذا كنت تعاني من حالة مزمنة مثل الألم العضلي الليفي، فقد تشعر بألم أكبر من المعتاد.
كيف يمكن التعامل مع الإرهاق الذهني والتغلب عليه؟
بعد التعرف على علامات الإرهاق الذهني، قد يتبادر إلى ذهنك السؤال التالي: "ما الخطوة التالية؟". من المهم أن تعلم أن هناك العديد من الأساليب التي يمكنك اتباعها لتخفيف حدة هذا النوع من الإجهاد، نعدّد لك منها مايلي:
- التخلص من مسببات الإجهاد
على الرغم من أنك قد لا تتمكن دائمًا من التخلص من جميع محفزات الإجهاد، فإن الحد منها غالبًا ما يكون أحد أكثر الطرق فعاليةً لتخفيف التوتر.
إذا كنت تشعر بالإرهاق بسبب المسؤوليات في العمل، فقد يكون من المفيد التفكير في طلب المساعدة من المشرف أو زملائك، أو محاولة توزيع بعض المهام على الآخرين. أما إذا كنت تجد صعوبة في التعامل مع الأعباء المنزلية أو رعاية الآخرين، فربما يكون من الجيد طلب دعم الأصدقاء أو أفراد الأسرة.
- أخذ استراحات منتظمة
بحسب ما ذكره لنا موقع healthline فإن تخصيص وقت للراحة وإعادة شحن طاقتك يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في تقليل مشاعر الإجهاد الذهني. قد تتضمن الاستراحة خطوات بسيطة مثل:
- تخصيص بضعة أيام خالية من المهام غير الضرورية.
- أخذ إجازة طويلة للابتعاد عن الروتين اليومي.
- تخصيص ساعة يوميًا لنفسك للقيام بنشاط مريح.
- مغادرة المكتب خلال استراحة الغداء والقيام بنشاط غير مرتبط بالعمل.
- تخصيص بعض الأمسيات الأسبوعية للاستمتاع بوجبة عشاء أو مشاهدة فيلم مع الأصدقاء.
- ممارسة بعض تقنيات الاسترخاء التي يمكن أن تساهم في تخفيف التوتر والضغط، مثل التخيل الموجه، تمارين التنفس العميق، والتنويم الذاتي.
- النوم الجيّد
لا يقتصر النوم الجيد على تعزيز الصحة البدنية فقط، بل هو ضروري أيضًا للحفاظ على الصحة العقلية والعاطفية.
إن الحصول على 7 إلى 8 ساعات من النوم الجيد كل ليلة يمكن أن يساعد بشكل كبير في تخفيف الإرهاق الذهني والجسدي. لتحسين جودة نومك، حاول تجنب الاستلقاء في السرير طوال اليوم، وهو ما قد تشعر بميل للقيام به خلال فترات الإرهاق العقلي. يمكن أن يساعدك روتين نوم جديد يتضمن أنشطة مريحة على الاسترخاء وتحسين نومك، مثل:
- أخذ حمام دافئ قبل النوم بساعة.
- ممارسة بعض تمارين اليوجا أو التمدد اللطيف قبل النوم.
- قراءة كتاب أو الاستماع إلى موسيقى هادئة بدلًا من استخدام الهاتف أو الكمبيوتر.
- خفض أو إطفاء الإضاءة غير الضرورية أثناء الاستعداد للنوم.
- كتابة مذكرات الامتنان
عندما تشعر بالإرهاق أو الاكتئاب، قد تبدو الأفكار السلبية أكثر قوة وإزعاجًا. لمواجهة هذه الأفكار وإعادة التركيز على الجوانب الإيجابية في حياتك، حاول الاحتفاظ بمذكرات تكتب فيها الأمور التي تشعر بالامتنان لها كل يوم.
فقد أظهرت عدة دراسات أن الأشخاص الذين يمارسون الامتنان يتمتعون ب:
- رفاهية عامة أكبر.
- أعراض أقل للأمراض الجسدية.
- انخفاض مستويات التوتر.
- سعادة أكبر ورضا عن الحياة.
- نوم أفضل وصحة بدنية محسنة.