التأمل هو ممارسة التفكير العميق أو تركيز العقل لفترة من الوقت بهدف استحضار مشاعر الاسترخاء والسلام الداخلي.
والعلاج بالتأمل عبارة عن ممارسة قديمة كانت موجودة منذ قرون ولكنها اكتسبت انتعاشًا في السنوات الأخيرة، حيث يدرسها الباحثون لتحديد آثارها على الصحة.
فقد أثبتت عدة دراسات الفوائد العديدة للتأمل، بما في ذلك استخدامه كأداة في إدارة الأمراض المزمنة.
التأمل والصحة العقلية
نظرًا لأن التأمل يركز على تهدئة العقل، فقد يكون من الطبيعي أن نفترض أن الممارسة يمكن أن تساعد في تقليل أعراض الاكتئاب والقلق.
وبينما لا يعد علاجًا عالميًا، فإن العديد من الأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض يجدون بعض الراحة في ممارسة العلاج بالتأمل، وهناك أدلة علمية تدعم الفوائد.
إذ وجد تحليل تلوي أن برامج التأمل الواعي على مدى فترة ثمانية أسابيع قد تساعد في تخفيف أعراض الاكتئاب والقلق.
فيما وجدت دراسة أخرى أن العلاج القائم على اليقظة الذهنية قد يكون فعالاً في منع انتكاس الاكتئاب مثل مضادات الاكتئاب لأولئك الذين يعانون من الاكتئاب المتكرر، لكن المؤلفين لاحظوا أن النتائج كانت تستند إلى عدد صغير من التجارب ويجب تكرارها.
علاوة على ذلك، لا توجد طريقة لمعرفة أي المرضى قد يستفيدون من العلاج بالتأمل اليقظ وأيهم قد يستجيب بشكل أفضل للأدوية.
العلاج بالتأمل وصحة القلب
في السنوات الأخيرة، كان هناك اهتمام متزايد بتأثير التأمل على صحة القلب، إذ يمكن أن يساعد خفض مستويات التوتر، والحفاظ على ضغط الدم تحت السيطرة، وبالتالي هذا ما يعود بالفائدة على القلب.
وقد وجدت دراسة أن الأشخاص الذين مارسوا اليوجا، التي تتضمن جوانب من التأمل، لمدة ثمانية أسابيع شهدوا انخفاضًا طفيفًا في ضغط الدم مقارنة بأولئك الذين لم يمارسوها.
ومع ذلك، في حين يُشتبه في أن الفوائد كانت بسبب كل من النشاط البدني وتقليل التوتر، لم تكن هناك طريقة لفصل الاثنين لقياس تأثير كل منهما.
ويشير الدكتور ملادن جولوبيك، المدير الطبي في مركز أوشر للصحة المتكاملة في جامعة سينسيناتي الأمريكية، إلى المزيد من الأبحاث التي وجدت أن التأمل التجاوزي قد يكون له القدرة على خفض ضغط الدم.
حتى في المرضى الذين يعانون من ضغط دم يصعب السيطرة عليه والذين قد يتناولون دواءين أو ثلاثة أدوية، أظهرت التجارب السريرية العشوائية أنه بمجرد تعلمهم وممارسة التأمل التجاوزي يمكنهم تحسين ضغط الدم لديهم وفي الواقع يمكن لبعضهم التوقف عن تناول الأدوية في بعض الأحيان.
في عام 2017، أصدرت جمعية القلب الأمريكية (AHA) أول بيان لها على الإطلاق حول العلاج بالتأمل، قائلة إن الممارسة قد تقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب.
وقبل إصدار البيان، قامت لجنة من الخبراء بتحليل 57 دراسة حول أشكال مختلفة من "التأملات الجالسة"، مثل التأمل اليقظ والتأمل التجاوزي، و لم تنظر المجموعة إلى التأمل الذي يتضمن نشاطًا بدنيًا، مثل اليوجا، حيث ثبت أن التمرين نفسه مفيد للقلب.
بينما اقترح البحث أن هناك صلة بين التأمل وانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب، تؤكد جمعية القلب الأمريكية على ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث، ويجب على الناس التركيز على تعديلات نمط الحياة المثبتة للحد من خطر الإصابة بأمراض القلب، بما في ذلك اتباع نظام غذائي صحي، والنشاط البدني، والإقلاع عن التدخين، والتحكم في ضغط الدم، وإدارة مستويات الكوليسترول.
في هذه المرحلة، يجب النظر إلى التأمل على أنه دفعة إضافية نحو صحة القلب والأوعية الدموية، كما تقول جمعية القلب الأمريكية.
التأمل لعلاج الألم المزمن
مع استمرار معاناة الناس من وباء المواد الأفيونية، يحاول الباحثون إيجاد طرق بديلة لمساعدة المرضى على إيجاد الراحة من الألم المزمن، وإحدى التقنيات التي لجأوا إليها هي التأمل الذهني، وهناك بعض الأبحاث التي تشير إلى أنه قد يساعد.
فقد وجدت إحدى الدراسات أن العلاج بتقليل التوتر القائم على اليقظة الذهنية ساعد في تحسين الأعراض لدى البالغين الذين يعانون من آلام أسفل الظهر المزمنة.
ووجدت دراسة أخرى أن العلاج بالتأمل الذهني يمكن أن يساعد في تخفيف الألم المزمن باستخدام آلية مختلفة في الجسم عن تلك التي تستخدمها مسكنات الألم الأفيونية المسببة للإدمان.
إذ أنه كلما زاد الالتهاب لديك، زاد الألم الذي تشعر به، والطريقة التي تعمل بها الأسبرين والإيبوبروفين وجميع مضادات الالتهاب غير الستيرويدية الأخرى هي أنها تمنع وسطاء الألم الذين يسببون الالتهاب، وإذا كان التأمل يقلل الالتهاب، فمن المحتمل أن تكون هذه هي الآلية التي تقلل الألم.
العلاج بالتأمل والسرطان
هناك سبب للاعتقاد بأن التأمل يمكن أن يساعد مرضى السرطان أيضًا، إذ تشير بعض الأبحاث إلى أن التأمل يمكن أن يغير جسمك على المستوى الخلوي.
فقد وجدت دراسة أجريت عام 2014 أن التيلوميرات، وهي الأغطية البروتينية في نهاية خيوط الحمض النووي التي تحمي الكروموسومات، لمرضى سرطان الثدي الذين مارسوا التأمل الذهني بقيت بنفس الطول على مدار فترة الدراسة التي استمرت ثلاثة أشهر.
في المقابل، كان لدى المشاركين الذين لم يتأملوا تيلوميرات أقصر خلال هذا الوقت، وقد تم دعم هذا الاكتشاف من خلال تحليل تلوي عام 2020.
بينما لا يزال العلماء يعملون على فهم التأثير الصحي لطول التيلومير، فإنهم يعتقدون أن التيلوميرات الأطول لها فوائد وقائية ضد المرض.
كما يمكن أن يساعد العلاج بالتأمل أيضًا الناجين من السرطان على التعامل مع الضائقة العاطفية التي غالبًا ما تصاحب المرض.
فقد وجدت إحدى الدراسات أن التأمل الذهني يقلل بشكل كبير من التوتر ويقلل قليلاً من أعراض الاكتئاب لدى مرضى سرطان الثدي.
التأمل وتحسين النوم
يعزز التأمل الاسترخاء، لذا يبدو من المنطقي أن ممارسته من شأنها أن تعزز النوم الجيد، وهناك بحث علمي يدعم هذا الادعاء أيضًا.
إذ وجدت دراسة أن المشاركين الذين مارسوا التأمل الذهني كانوا يعانون من الأرق والتعب وأعراض الاكتئاب بشكل أقل في نهاية برنامج مدته ستة أسابيع مقارنة بأولئك الذين لم يمارسوا التأمل الذهني.
ووفقًا لمؤسسة النوم الأمريكية، فقد ثبت أن التأمل يقلل من استخدام حبوب النوم، علاوة على ذلك، وجد أن الجمع بين التأمل والعلاج السلوكي المعرفي للأرق يحسن النوم بشكل أفضل من العلاج السلوكي المعرفي للأرق وحده.
التأمل وعلاج أمراض الأمعاء
بينما لا يزال الباحثون يعملون على فهم العلاقة بين العقل والأمعاء بشكل أفضل، لديهم سبب للاعتقاد بوجود صلة حيث يؤثر أحدهما على الآخر.
إذ يبدو أن الإجهاد يؤدي إلى تفاقم أعراض متلازمة القولون العصبي وأمراض القولون العصبي مثل مرض كرون والتهاب القولون التقرحي.
يمكن أن يؤدي الإسهال وآلام البطن والتعب التي يمكن أن تأتي مع كلتا الحالتين أيضًا إلى الإجهاد، لذلك يعمل العلماء على إيجاد طرق للمساعدة في كسر هذه الحلقة المفرغة، و إحدى هذه الطرق هي العلاج بالتأمل.
فقد وجدت دراسة أجريت عام 2015 أن استجابة الاسترخاء التي تأتي من المشاركة في أنشطة مثل التأمل واليوغا والصلاة المتكررة تحسن بشكل كبير أعراض كل من أمراض القولون العصبي، وتقلل من القلق، وتحسن نوعية الحياة بشكل عام.
ثم أفادت دراسة أجريت عام 2020 بنتائج قوية مماثلة لمرضى القولون العصبي الذين شاركوا في دورة تدريبية لتقليل التوتر تعتمد على اليقظة الذهنية.
كما وجدت دراسة أخرى أن الأشخاص المصابين بالتهاب القولون التقرحي الذين مارسوا التأمل باليوغا أفادوا بزيادة في جودة الحياة وانخفاض في نشاط المرض.