بعد قضاء الناجين من الزلزال المدمر، الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، ساعات طويلة تحت الأنقاض، تعرض العديد منهم لآثار جانبية خطيرة، بعد إصابتهم بمتلازمة الهرس، التي تحدث جراء الضغط الحاصل على الأعضاء بسبب الركام والأحجار الثقيلة، التي سقطت على أجسامهم.
وتبدأ أعراض هذه المتلازمة عادة بعد قضاء الشخص ما يزيد عن 6 ساعات تحت الأنقاض، أو في مكان تكون فيه أعضاؤه معرضة لضغط قوي، ما يسبب انقطاع وصول الدم للمنطقة المضغوطة، واحتمالية تعطل وظيفتها.
وفي سوريا، قد أعلنت مديرية صحة إدلب إصابة نحو 80 ناجياً بـ"متلازمة الهرس"، معظمهم في غرف العناية المشددة، فيما توفي الطبيب مصطفى عبد الفتاح، متأثراً بالمضاعفات الناتجة عن المتلازمة.
فما هي "متلازمة الهرس"؟ وكيف يتم تشخيصها؟ وما طرق العلاج التي يجب اعتمادها؟
أسباب متلازمة الهرس
متلازمة الهرس، وتسمى بالإنجليزية "Crush syndrome"، عبارة عن ضغط قوي على الذراعين أو الساقين، وهي الأماكن المصابة الأكثر شيوعاً، أو أجزاء أخرى من الجسم، ما يؤدي إلى تورم العضلات واضطرابات عصبية في المناطق المصابة، بعد انقطاع وصول الدم إليها.
ويتسبب هذا الضغط الحاصل على العضلات بصدمة كبيرة في أعضاء الجسم، تؤدي إلى الفشل الكلوي، وخلل في بقية الأعضاء الداخلية في الجسم، بسبب تخثر الدم في الأوعية، ليكون الحل في بعض الحالات الصعبة، والتي يستعصي فيها العلاج، هو بتر الجزء الذي كان مضغوطاً تحت الركام، من أجل تفادي فقدان المريض.
ليس فقط في حالات الزلازل، إذ يمكن أن تكون حوادث السير من بين الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بمتلازمة الهرس، بسبب احتمالية وجود الشخص في مكان ضيق لمدة طويلة، قبل التمكن من إنقاذه.
اكتشاف متلازمة الهرس لأول مرة
تم الكشف عن متلازمة الهرس لأول مرة سنة 1923، من قبل الطبيب الياباني سيجو مينامي، بعد أن درس حالة ثلاثة جنود ماتوا في الحرب العالمية الأولى، متأثرين بالفشل الكلوي.
فيما تم دراسة هذه المتلازمة مرة أخرى من طرف الطبيب البريطاني إريك بايواترز، بعد إصابة عدد من الأشخاص في حملة القصف الألمانية ضد المملكة المتحدة، خلال عامي 1940 و1941، في الحرب العالمية الثانية.
وتم وصف هذه المتلازمة على أنها إصابة ضخمة، تتم خلال إطلاق نواتج تكسير العضلات في مجرى الدم، أبرزها الميوغلوبين، والبوتاسيوم، والفوسفور، والتي هي نتاج انهيار عضلات الهيكل العظمي التي تضررت بسبب حالات نقص تروية الدم.
وقد تم تشخيص السبب في تأثر الكلى بعد التعرض للمتلازمة، وهو إنتاج الجسم لمادة تسمى "الميوغلوبين"، وهي مادة سامة مضرة للكلية، تُفرز بعد الضغط المفاجئ الذي يعاني منه الشخص العالق تحت الأنقاض.
كما أن الأنسجة تتعرض للتكسير، ويكون من الصعب ضخ الدم بها، وغياب وصول الأوكسجين لها، ما يجعل احتمالية الموت السريع حتى بعد النجاة مرتفعة.
أعراض متلازمة الهرس وطرق الإسعاف
هناك العديد من الأعراض التي تبرز إصابة الشخص الناجي من الزلزال، أو حادث سير، بمتلازمة الهرس، والتي تتمثل في:
- الشعور بالألم
- الشحوب
- الشعور بالغثيان
- التنميل في المنطقة التي تعرضت للضغط
- الشعور بوخزات شبيهة بوخز الدبابيس
- الشلل
- عدم وجود نبض في المنطقة المضغوطة
- نزيف تحت الملتحمة
- انتفاخ الوجه
- كسور في الأضلع
- ظهور كدمات رئوية
- تمزق الكبد أو الطحال
وعند ظهور هذه الأعراض على الشخص المصاب، يجب إسعافه بشكل سريع، لأن التأخر في عملية الإسعاف من الممكن أن يؤدي إلى حالة الوفاة، بسبب تلف الكلى.
ومن أجل عملية العلاج، يحتاج الطبيب إلى نقل المريض من أجل عملية غسل الكلى، التي من الممكن أن تتم أكثر من مرة، من أجل ضمان سلامة المريض.
فيما يجب مراقبة العمليات الحيوية، وتشبع الأكسجين، لذا فقبل وصول المريض إلى المستشفى، وفي حال نقص الأكسجين، يجب تعويضه على الفور.
كما يجب تزويد المريض بالمحلول الملحي في الوريد، مع تعديل مستوى الكهارل، مثل الكالسيوم والبوتاسيوم، ومراقبة الإخراج البولي.
طريقة تشخيص متلازمة الهرس
هناك مجموعة من فحوصات الدم التي يتم القيام بها، من أجل تحديد ما إذا كان الناجي مصاباً بمتلازمة الهرس، وهي مستويات البوتاسيوم في الدم، ومستوى الكرياتينين، ومستوى الكالسيوم، ومستوى فوسفات الدم.
كما يتم القيام بفحوصات أخرى لمعرفة مستوى الكرياتين كيناز، بحيث يكون 5-10 مرات أعلى من المعدل الطبيعي، وكذا مستوى حمض اليوريك في الدم، وفحوصات تخثر الدم، وغازات الدم، ثم مستوى إنزيمات الكبد.
كما يمكن أن يقوم الطبيب بإجراء فحوصات أخرى، لتشخيص متلازمة الهرس بشكل أكثر دقة، وتشتمل مخطط كهربية القلب، والأشعة السينية، ثم مستوى ميوغلوبين البول.