يبدو أنّ مرض الكوليرا قد بدأ بالتفشي في سوريا، إذ أصيب عشرات الأشخاص في 5 محافظات فيها، وفقاً لما أكدته وزارة الصحة السورية يوم 13 سبتمبر/أيلول 2022.
ويسجل المرض انتشاراً في البلاد للمرة الأولى منذ عام 2009، بينما تم الإبلاغ عن مزيد من الحالات المشتبه بها في محافظات أخرى، وفي الوقت نفسه فإن احتمالية الانتشار لا تزال مرتفعة.
أما الأسباب وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فهي التغير المناخي الذي أدى ألى انخفاض تدفق نهر الفرات، إضافة إلى النقص الكبير في الوقود لتشغيل محطات الطاقة، فضلاً عن هشاشة البنية التحتية للمياه ومرافق الإصحاح التي دُمر كثير منها أو تضرر في أثناء الأزمة السورية.
علاج الكوليرا والوقاية منه
الكوليرا هي عدوى إسهالية حادة تنتج عن تناول طعام أو ماء ملوث ببكتيريا ضمة الكوليرا.
خلال القرن التاسع عشر، انتشرت الكوليرا في جميع أنحاء العالم من خزانها الأصلي في دلتا نهر الغانج بالهند، قتلت 6 أوبئة لاحقة ملايين الأشخاص في جميع القارات، بينما بدأ الوباء السابع بجنوب آسيا في عام 1961، ووصل إلى إفريقيا في عام 1971 والأمريكتين في عام 1991.
هناك العديد من المجموعات المصلية من ضمة الكوليرا، ولكن اثنين فقط- O1 وO139- يسببان تفشي المرض، وقد تسببت ضمة الكوليرا O1 في جميع التفشيات الأخيرة، بينما تسببت ضمة الكوليرا O139- التي تم تحديدها لأول مرة في بنغلاديش في عام 1992- في حدوث فاشيات بالماضي، ولكن لم يتم تحديدها مؤخراً إلا في حالات متفرقة، وفقاً لما ذكرته منظمة الصحة العالمية.
ويرتبط انتقال الكوليرا ارتباطاً وثيقاً بعدم كفاية الوصول إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي.
تشمل المناطق المعرضة للخطر عادةً الأحياء الفقيرة في ضواحي المدن، ومخيمات المشردين داخلياً أو اللاجئين، حيث لا تتم تلبية الحد الأدنى من متطلبات المياه النظيفة والصرف الصحي.
يمكن أن تؤدي عواقب أي أزمة إنسانية- مثل تعطيل أنظمة المياه والصرف الصحي، أو نزوح السكان إلى مخيمات غير كافية ومكتظة- إلى زيادة خطر انتقال الكوليرا، في حالة وجود البكتيريا أو إدخالها.
ظل عدد حالات الكوليرا التي أُبلغت بها منظمة الصحة العالمية مرتفعاً خلال السنوات القليلة الماضية.
خلال عام 2020، تم الإبلاغ عن 323369 حالة إصابة، وتم الإبلاغ عن 857 حالة وفاة من 24 دولة.
يرجع التناقض بين هذه الأرقام والعبء المقدر للمرض إلى عدم تسجيل العديد من الحالات بسبب قيود أنظمة المراقبة والخوف من التأثير على التجارة والسياحة.
أعراض الكوليرا
لا يمرض أغلب المصابين ببكتيريا الكوليرا ولا يعرفون أنهم أصيبوا بالعدوى من الأساس، ولكن بالنظر إلى حقيقة أن بكتيريا الكوليرا توجد في برازهم لفترة تتراوح بين سبعة أيام و14 يوماً، فبإمكانهم نقل العدوى للآخرين عن طريق المياه الملوثة.
ووفقاً لما ذكره موقع Mayo Clinic الطبي الأمريكي، فإنَّ أعراض أغلب حالات الكوليرا تكون عبارة عن إسهال بسيط أو معتدل يصعب تفرقته عن الإسهال الناتج عن أية مشكلة صحية أخرى.
بينما يصاب البعض الآخر بمؤشرات وأعراض شديدة للكوليرا، غالباً ما تظهر خلال عدة أيام من الإصابة بالعدوى.
من أعراض عدوى الكوليرا:
الإسهال: يحدث الإسهال الناتج عن الكوليرا فجأةً وقد يسبِّب فقداناً كبيراً لسوائل الجسم، قد يصل لربع غالون (نحو 1 لتر) في الساعة، عادةً ما يبدو الإسهال الناتج عن الكوليرا باهتاً، وحليبيًّا ويشبه مياه الأرز.
الغثيان والقيء: يحدث القيء في المراحل الأولى من الكوليرا ويمكن أن يدوم لساعات.
الجفاف: يحدث الجفاف بعد ساعات من ظهور أعراض الكوليرا وتتراوح حدته من بسيط إلى حاد. فقدان 10% أو أكثر من وزن الجسم يعني حدوث جفاف حاد، ومن مؤشرات وأعراض الجفاف بسبب الكوليرا سهولة الاستثارة، والإرهاق، وغور العينين، وجفاف الفم، والعطش الشديد، وجفاف وذبول الجلد الذي عند قرصه يعود ببطء لموضعه الأصلي، قلة التبوُّل أو انعدامه، انخفاض ضغط الدم، واضطراب ضربات القلب.
يسبب الجفاف فقدان المعادن من الجسم بسرعة، وهي المسؤولة عن الحفاظ على توازن السوائل في جسمك. يُعرَف ذلك باضطراب الشوارد.
اضطرابات الكهرل
يمكن أن تؤدي اضطرابات الكهرل إلى الإصابة بمؤشرات وأعراض خطيرة مثل ما يلي:
تقلصات مؤلمة في العضلات: تنتج هذه التقلصات عن الفقدان السريع للأملاح، مثل الصوديوم والكلوريد والبوتاسيوم.
الصدمة: هذه إحدى مضاعفات الجفاف الأكثر خطراً. وهي تحدث حين يتسبب انخفاض كمية الدم في انخفاض ضغط الدم وانخفاض كمية الأوكسجين في الجسم. في حالة عدم معالجة هذه الحالة، يمكن أن تؤدي صدمة نقص حجم الدم الشديدة إلى حدوث الوفاة.
أسباب مرض الكوليرا
تنتج عدوى الكوليرا بسبب أحد أنواع البكتيريا، يسمى ضمة الكوليرا، الآثار المميتة للمرض هي نتيجة لسمّ تفرزه البكتيريا في الأمعاء الدقيقة.
يتسبب السم في إفراز الجسم كميات هائلة من الماء، مما يؤدي إلى الإسهال وفقدان سريع للسوائل والأملاح (الكهارل).
قد لا تسبب بكتيريا الكوليرا المرض لدى جميع الأشخاص الذين يتعرضون لها، لكنها لا تزال تمرر البكتيريا في البراز، وهي يمكن أن تلوث الطعام وإمدادات المياه.
المياه الملوثة هي المصدر الرئيسي لعدوى الكوليرا، وقد توجد البكتيريا في:
سطح التربة أو مياه الآبار: الآبار العامة الملوثة مصادر متكررة لتفشي الكوليرا على نطاق واسع. الأشخاص الذين يعيشون في ظروف مزدحمة بدون مرافق صرف صحي مناسبة معرضون للخطر بشكل خاص.
المأكولات البحرية: يمكن أن يعرضك تناول الأسماك القشرية النيئة أو غير المطبوخة جيداً، خاصةً الأسماك القشرية، التي تأتي من أماكن معينة، للإصابة ببكتيريا الكوليرا.
الفواكه والخضراوات النيئة: تعد الفواكه والخضراوات النيئة غير المقشرة مصدراً متكرراً لعدوى الكوليرا في المناطق التي توجد بها الكوليرا. في البلدان النامية، يمكن أن تلوث الأسمدة أو مياه الري التي تحتوي على مياه الصرف الصحي الخام الخضار والثمار في الحقل.
الحبوب: في المناطق التي تنتشر فيها الكوليرا على نطاق واسع، يمكن للحبوب مثل الأرز والدخن الملوثة بعد الطهي التي تُحفَظ في درجة حرارة الغرفة لعدة ساعات، أن تنمو فيها بكتيريا الكوليرا.
عوامل الخطر
جميع الأشخاص معرضون للإصابة بالكوليرا، باستثناء الرضع الذين يحصلون على المناعة من الأمهات المرضعات اللائي سبق لهن الإصابة بالكوليرا.
ومع ذلك، هناك عوامل معينة يمكن أن تجعلك أكثر عرضة للإصابة بالمرض أو أكثر عرضة للإصابة بعلامات وأعراض حادة.
تشمل عوامل خطر الإصابة بالكوليرا:
المرافق الصحية الرديئة: من المرجح أن تنمو الكوليرا في الحالات التي يصعب فيها الحفاظ على البيئة الصحية، بما في ذلك إمدادات المياه الآمنة. هذه الحالات شائعة في مخيمات اللاجئين والدول الفقيرة والمناطق التي فيها مجاعة أو حرب أو كوارث طبيعية.
انخفاض حمض المعدة أو عدم وجوده: لا يمكن لبكتيريا الكوليرا أن تعيش في بيئة حمضية، وعادةً ما يعمل حمض المعدة العادي كخط دفاع ضد العدوى. غير أن الأشخاص الذين لديهم مستويات منخفضة من حمض المعدة، مثل الأطفال وكبار السن والأشخاص الذين يتناولون مضادات الحموضة أو حاصرات الهيستامين 2 أو مثبطات مضخات البروتون يفتقرون إلى هذه الحماية، لذا فهم أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا.
العدوى المنزلية: أنت أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا إذا كنت تعيش مع شخص مصاب بالمرض.
فصيلة الدم O: لأسباب غير واضحة تماماً، يكون احتمال إصابة الأشخاص الذين يحملون فصيلة الدم O بالكوليرا ضعف احتمال الإصابة لدى الأشخاص ممن يحملون فصيلة دم أخرى.
مضاعفات مرض الكوليرا
يُمكن أن تُصبح الكوليرا من أسرع الأمراض القاتلة، فقد يُؤدِّي الفقد السريع لكميات كبيرة من السوائل والكهارل إلى الموت في غضون ساعات، في معظم الحالات الحادَّة.
أمَّا في الحالات الأقل حِدَّةً، فقد يموت المرضى الذين لم يتلقَّوا العلاج بعد ساعات أو أيام من ظهور أول أعراض الكوليرا؛ وذلك بسبب الجفاف وهبوط الدورة الدموية.
على الرغم من أن الجفاف وهبوط الدورة الدموية هما أسوأ مضاعفات الإصابة بالكوليرا؛ فإن مشكلات أخرى قد تحدث، مثل:
انخفاض نسبة السكر في الدم (نقص سكر الدم): يُمكن أن تنخفض مستويات السكر (الغلوكوز)- مصدر الطاقة الأساسي بالجسم- بدرجة خطيرة؛ بسبب عدم تناوُل المرضى الطعام من شدة الإعياء. الأطفال هم الأكثر عرضة لخطر هذه المشكلة؛ حيث إنها تتسبَّب في حدوث نوبات مرضية، وفقدان الوعي، حتى الوفاة.
انخفاض مستويات البوتاسيوم: يفقد المرضى المصابون بالكوليرا كميات كبيرة من المعادن في البراز، بما فيها البوتاسيوم. يُؤثِّر انخفاض مستويات البوتاسيوم على القلب ووظائف الأعصاب؛ وهو ما يُشكِّل خطراً على الحياة.
الفشل الكلوي: عندما تفقد الكُلى قدرتها على الترشيح، تتراكم كميات زائدة من السوائل، وبعض الكهارل، والفضلات في الجسم، الأمر الذي قد يُشكِّل خطراً على الحياة. غالباً ما يترافق الفشل الكلوي مع الهبوط الدموي عند المرضى المصابين بالكوليرا.
الوقاية من الكوليرا
إذا كنت مسافراً إلى مناطق معروفة بتفشِّي الكوليرا، فإن خطر إصابتك بالمرض منخفض للغاية إذا اتبعت هذه الاحتياطات:
أولاً: اغسل يديك بالصابون والماء بشكل متكرِّر، خاصة بعد استخدام المرحاض وقبل تناوُل الطعام. افرك الصابونة، بلل اليدين معاً لمدة 15 ثانية على الأقل قبل الشَّطف. إذا لم يتوافر الماء والصابون، فاستخدم معقِّم اليدين الذي يحتوي على الكحول.
ثانياً: اشرب الماء الآمن فقط، بما في ذلك المياه المعبَّأة في زجاجات أو الماء الذي قمت بغليه أو تعقيمه بنفسك. استخدم المياه المعبأة حتى لتنظيف أسنانك.
ثالثاً: تعتبر المشروبات الساخنة آمنة بشكل عام، مثل المشروبات المعلبة أو المعبأة في زجاجات، ولكن امسح الزجاجة من الخارج قبل فتحها. لا تضف الثلج إلى مشروباتك إلا إذا صنعته بنفسك باستخدام مياه آمنة.
رابعاً: تناوَلْ الطعام المطبوخ والساخن تماماً وتجنَّب طعام الباعة المتجولين، إن أمكن. إذا اشتريت وجبة طعام من بائع متجول، فتأكد من طهيها في حضورك وتقديمها ساخنة.
خامساً: تجنَّب السوشي، وكذلك الأسماك والمأكولات البحرية النيئة أو المطبوخة بشكل غير صحيح من أي نوع.
سادساً: التزم بالفواكه والخضراوات التي يمكنك تقشيرها بنفسك، مثل الموز والبرتقال والأفوكادو. وابتعد عن السَّلطات، والفواكه التي لا يمكن تقشيرها مثل العنب والتوت.
قد يهمك أيضاً: حصدت أرواح الآلاف.. أخطر الأوبئة التي ضربت العالم خلال آخر 20 عاماً