كل شيء في أجسامنا هو نظام بيئي مترابط، ولذلك يُمكن أن يؤثر تطور أمراض اللثة سلباً على صحة جسمنا بالكامل، فقد أظهرت العديد من الأبحاث وجود علاقة قوية بين أمراض اللثة والقلب والسكري ومشاكل صحية أخرى، سنكتشفها في هذا التقرير.
أمراض اللثة وعلاقتها بالأمراض الأخرى
بداية، إن مصطلح أمراض اللثة يشير إلى مجموعة من مشكلات صحة الفم؛ التي تتراوح بين التهاب اللثة (التهاب أنسجة اللثة) والتهاب دواعم السن الأكثر شدة (حيث تنسحب أنسجة اللثة بعيداً عن الأسنان، ويمكن أن تحدث عدوى خطيرة).
ووفقاً لجمعية طب الأسنان الأمريكية، فإنَّ أعراض أمراض اللثة هي رائحة الفم الكريهة المستمرة، أو تورم اللثة، أو نزيف اللثة عند استخدام الخيط، أو تخلخل الأسنان، أو حساسية الأسنان، أو حدوث ألم في بعض مواضع اللثة عند المضغ.
وحتى لو لم تكن تعاني من انحسار اللثة، فهناك احتمال كبير للإصابة بأحد أشكال أمراض اللثة دون أن تدرك ذلك، إذ يعاني واحد من كل اثنين من البالغين من أمراض اللثة.
ومع ذلك، فإنَّ الخبر السار هو أنه يمكن عكس تأثير هذه الأمراض بالنوع الصحيح من العناية بالفم.
كيف تؤثر أمراض اللثة في الجسم بأكمله؟
لا شك في أنَّ أمراض اللثة يمكن أن تكون مدمرة للفم، وهي السبب الأساسي لفقدان أسنان البالغين وحدوث مشكلات الفم الأخرى، لكن المعلومة الأقل انتشاراً هي أنَّ أمراض اللثة والتهاب اللثة يمكن أن يكون لها أيضاً تأثير سلبي في أجزاء مختلفة من الجسم.
وفقاً لما ذكره موقع Wellness Mama الأمريكي، فإن الفم ليس نظاماً بيئياً منعزلاً، لكنه جزء لا يتجزأ من جهاز المناعة.
يرتبط فمك ارتباطاً وثيقاً بالعديد من أجزاء الجسم الأخرى، ويمكن أن يؤدي عدم التوازن البكتيري أو مرض اللثة في الفم إلى حدوث مشكلات مناعية والتهابات في أجزاء أخرى من الجسم.
أمراض اللثة تأتي من عدوى بكتيرية نشطة
يتجاوز التأثير السلبي لنظافة الأسنان السيئة، الفم، لأنَّ أمراض اللثة هي عدوى بكتيرية نشطة تصل إلى الجسم كله عبر مجرى الدم. و"الكائنات الدقيقة الضارة" المرتبطة بأمراض اللثة شديدة الحركة. ويمكنها السباحة في اتجاه التيار واستعمار مناطق أخرى من الجسم.
ترسبات اللويحات السنية (البلاك) الناتجة عن الكائنات الضارة في الفم هي أنواع اللويحات نفسها الموجودة في جدران الشرايين بمرضى القلب، وبالنظر إلى أنَّ هذه البكتيريا الموجودة في الفم تنتقل عبر مجرى الدم، من المنطقي أنَّ أمراض اللثة يمكن أن تؤثر في باقي الجسم.
ترتبط أمراض اللثة بالعديد من الحالات الصحية وقد تزيد من مخاطرها، وضمن ذلك:
- السمنة المفرطة
- أمراض القلب
- السكتة الدماغية
- الولادة المبكرة وانخفاض وزن الأطفال عند الولادة
- السرطان (وضمن ذلك سرطان الثدي وسرطان البنكرياس وسرطان المريء وغيرها)
- داء السكري
- بعض أنواع التهاب المفاصل
كيف تصل البكتيريا إلى الدم وأين يكمن الخطر؟
تدخل البكتيريا إلى مجرى الدم عن طريق الفم، إذ إن البكتيريا الضارة لأمراض اللثة تستعمر الفم ثم تصل إلى باقي الجسم عبر مجرى الدم. بمعنى أبسط، الشخص المصاب بمرض اللثة النشط لديه عدو "داخل البوابات"، ويتسبب، ببطء لكن بثبات، في تآكل صحته عن طريق تسميم نظامه بالبكتيريا.
ويعتقد البعض أنَّ الخطر الأول الذي تسببه البكتيريا هو أنها تدمر أنسجة اللحم والعظام في الفم؛ مما يؤدي إلى مشكلات شديدة باللثة وفقدان الأسنان، كما تقوم بتفريغ السموم في الجسم.
بينما يتمثل الخطر الثاني في كيف يرد الجسم هذا الهجوم البكتيري المزمن باستجابة مناعية والالتهاب الناتج.
إذ يتعرّف الجهاز المناعي على أمراض اللثة على أنها عدوى بكتيرية متفشية، تتمثل إحدى طرق هزيمة الجسم للعدوى في زيادة الالتهاب بمنطقة توطن العدوى؛ لزيادة تدفق الدم إليها، وبالتالي زيادة عدد خلايا الدم البيضاء لمحاربتها.
تعتبر اللثة المتورمة والمؤلمة والنزيف عند تنظيف الأسنان بالفرشاة أو الخيط علامات واضحة على وجود عدوى بكتيرية نشطة في الفم وعلامة تحذير مبكرة من أمراض اللثة الشديدة، التي يتجاهلها كثير من الناس حتى عندما يشير إليها اختصاصي صحة الأسنان.
تظهر المشكلة عندما تكون العدوى مزمنة مثل أمراض اللثة. وفي حالة العدوى المزمنة، يتحول رد فعل الجسم المكافح للعدوى إلى عادة؛ مما يؤدي إلى حالة من الالتهاب المزمن.
تبدأ المشكلات الأخطر في الظهور عندما تنتقل البكتيريا الموجودة في الفم من أمراض اللثة إلى أجزاء أخرى من الجسم، في هذه المرحلة، هو الآن التهاب مزمن على مستوى النظام المناعي بأكمله والذي يسهم في حدوث حالات أخرى مثل التهاب المفاصل والسكري وأمراض القلب والسرطان، بل يمهد الطريق لحدوثها.
كيف أعالج أمراض اللثة وأتجنب التأثيرات الخطيرة على الجسم؟
ووفقاً لطبيبة الأسنان الأردنية مُنى غانم، فإنّ هناك طرقاً لمعالجة أمراض اللثة وعكس تأثيرها وإعادة الفم والجسم إلى حالتهما الصحية، من خلال عدّة طرق، أهمها تنظيف اللثة المُنتظم مع طبيب الأسنان.
كما أضافت الطبيبة الأردنية لـ"عربي بوست"، أنه يمكن أيضاً محاربة التهاب اللثة في المنزل، من خلال اتباع نهج من جزأين:
الجزء الأول: تحسين صحة الفم؛ لتجنب الإصابة بالبكتيريا التي تؤدي لأمراض اللثة.
الجزء الثاني: تحسين مناعة الجسم بشكل عام.
ومن أجل تحسين صحة الفم تنصح الطبيبة مُنى غانم بما يلي:
حافظ على نظافة فمك: قم بتفريش أسنانك 3 مرات باليوم وبشكل صحيح من بداية اللثة لأسفل السن؛ لتستطيع إزالة اللويحة السنية ولتنشيط الدورة الدموية باللثة.
لا تتجاهل الخيوط: استعمال الخيط السِّني يعد أمراً ضرورياً ويساعد في التخلص من فضلات الطعام العالقة بين الأسنان والتي كثيراً من الأحيان يصعب على الفرشاة العادية إزالتها.
الغسول أمر مهم: استخدام غسولات الفم بشكل منتظم يساعدك كثيراً على تجنب تشكل المستعمرات الجرثومية.
حافظ على النظام الصحي: اتبع نظاماً غذائياً صحياً يضمّ العديد من الفواكه الطازجة، والخضراوات، وقلل من استهلاك كلٍّ من الأطعمة المصنّعة، والأطعمة التي تحتوي على سكريات مُضافة.
قل لا للتبغ والكافيين: يعد التدخين والمشروبات التي تحتوي على الكافيين من الأسباب الرئيسية لأمراض اللثة.
لا تتكاسل عن زيارة طبيبك: قم برحلة إلى طبيب أسنانك كل 6 أشهر؛ لإجراء فحص وتنظيف روتيني. سيكون طبيب أسنانك قادراً على اكتشاف العلامات المبكرة لأمراض اللثة وإزالة تراكم البلاك والجير.
أما المنظور الثاني فهو تعزيز مناعة الجسم من أجل خلق بيئة في الجسم غير ملائمة لانتشار للبكتيريا التي تسبب أمراض اللثة من خلال مايلي:
النظام الغذائي: تناول نظام غذائي غني بالمعادن، واستهلاك الكثير من الدهون عالية الجودة، والتخلص من الأطعمة مثل الزيوت النباتية والسكر.
أسلوب الحياة: من أجل مناعة صحية، من الضروري الحصول على قسط كافٍ من النوم، ومعالجة التوتر، وتجنب العادات مثل التدخين التي يمكن أن تؤثر في صحة الفم.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.