نعلم جميعاً أن الحرمان من النوم في الليل يعني أنك ستمضي يوماً مرهقاً ومليئاً بالخمول، لكن هل تعلم ما هي التأثيرات طويلة المدى للأرق على أدمغتنا وأجسادنا؟
بدون نومٍ جيِّد، يتوقَّف المخ والجسم عن العمل بالمستوى الأمثل، فالحرمان من النوم يؤثر سلباً على أدمغتنا ويمنعها من أداء مهامها بالشكل المطلوب، كذلك فإن للأرق آثاراً سلبية على صحة أجسامنا بشكل عام، فهو يرهق القلب والأوعية الدموية والجهاز الهضمي والتنفسي كذلك.
إليكم المزيد من التفاصيل في هذا التقرير:
كيف يؤثر الحرمان من النوم على أدمغتنا وأجسادنا؟
التأثير على الغدة النخامية
أخبر الدكتور أبيناف سينغ، المدير الطبي لمركز إنديانا للنوم، موقع Live Science الأمريكي، أن النوم مرتبط بجزءٍ صغيرٍ من الدماغ بحجم اللوزة يُسمَّى الغدة النخامية.
بالإضافة إلى تنظيم درجة حرارة الجسم وإدارة الاستجابات العاطفية والتحكُّم في الشهية، فهذه الغدة مسؤولة أيضاً عن إفراز الهرمونات وضبط ساعة الجسم الداخلية.
ومع ذلك، كي تعمل الغدة النخامية بكفاءة، فإنها تحتاج إلى إرسال الإشارات المناسبة في الأوقات المناسبة.
فإذا كان نومك مضطرباً أو غير منتظم، فلن تعمل الغدة ببساطة كما ينبغي، مِمَّا يجعلك تقع في دوَّامةٍ من التعب أثناء النهار والأرق أثناء الليل.
التأثير على الذاكرة والتعلُّم
أثناء النوم، تصبح موجات الدماغ أبطأ ويبرد الجسم، وترتفع أيضاً إفرازات الميلاتونين، وهو الهرمون المسؤول عن النوم.
وفي هذه الأثناء، تهدأ النواقل العصبية المُعزِّزة للاستيقاظ، وتتولَّى الناقلات العصبية المُعزِّزة للنوم زمام الأمور، مِمَّا يدفعك إلى مراحل النوم التي تقل فيها موجات الدماغ في التردُّد ولكنها تزيد في الاتساع، وهو ما يسمى نوم حركة العين غير السريعة، يليه نوم حركة العين السريعة، حيث تزداد موجات الدماغ في النشاط، مصحوبةً بحركات العين السريعة.
ينحرف الدماغ بين نوم حركة العين غير السريعة ونوم حركة العين السريعة طوال الليل بين أربع إلى ست دوراتٍ عند البالغين، كلٌّ منها يستمر حوالي 90 دقيقة.
وكما أوضح الدكتور سينغ، فإن هذا ليس فقط مفتاح الحصول على ليلةٍ من النوم الهانئ، بل أيضاً للتمتُّع بصحةٍ دماغيةٍ أفضل بشكلٍ عام.
أضاف الدكتور سينغ: "نحن نعلم أنه أثناء النوم العميق في النصف الأول من الليل، يُزال البروتين السام بيتا أميلويد. وقد تؤدِّي قلة النوم إلى تراكم هذه النفايات الأيضية، والتي يمكن أن تؤثِّر على الذاكرة والتعلُّم والتنظيم العاطفي".
التأثير على الجهاز العصبي المركزي
يعتبر النوم ضرورياً للحفاظ على صحة الجهاز العصبي المركزي، في حين يؤثر الأرق سلباً على الطريقة التي يرسل بها جسمك المعلومات ويعالجها.
أثناء النوم ، تتشكل مسارات بين الخلايا العصبية في دماغك والتي تساعدك على تذكر المعلومات الجديدة التي تعلمتها. يؤدي الحرمان من النوم إلى إرهاق دماغك، فلا يمكنه أداء واجباته أيضاً.
قد تجد أيضاً صعوبة في التركيز أو تعلم أشياء جديدة. وقد تتأخر الإشارات التي يرسلها جسمك، مما يقلل من قدرتك على التوازن.
يؤثر الحرمان من النوم أيضاً سلباً على قدراتك العقلية وحالتك العاطفية. فقد تصبح عرضة للتقلبات المزاجية .
إذا استمر الحرمان من النوم لفترة طويلة، فقد تبدأ في الشعور بالهلوسة- رؤية أو سماع أشياء غير موجودة بالفعل.
التأثير على الجهاز الهضمي
إلى جانب تناول الكثير من الطعام وعدم ممارسة الرياضة، فإن الحرمان من النوم هو عامل خطر آخر لزيادة الوزن والسمنة.
يؤثر النوم على مستويات هرموني اللبتين والجريلين، اللذين يتحكمان في الشعور بالجوع والامتلاء وفقاً لما ورد في موقع Healthline.
يخبر اللبتين عقلك بأن لديك ما يكفي من الطعام. بدون نوم كافٍ، يقلل دماغك من هرمون اللبتين ويزيد هرمون الغريلين، وهو منبه لزيادة الشهية.
يمكن أن تجعلك قلة النوم تشعر أيضاً بالتعب الشديد من ممارسة الرياضة. بمرور الوقت، يمكن أن يؤدي انخفاض النشاط البدني إلى زيادة الوزن لأنك لا تحرق سعرات حرارية كافية ولا تبني كتلة عضلية.
يؤدي الحرمان من النوم أيضاً إلى إفراز جسمك كمية أقل من الإنسولين بعد تناول الطعام، مع العلم أن الإنسولين يساعد على خفض مستوى السكر في الدم (الغلوكوز).
التأثير على الجهاز التنفسي
العلاقة بين النوم والجهاز التنفسي هي علاقة عكسية. يمكن لاضطراب التنفس الليلي المسمى بانقطاع النفس الانسدادي النومي (OSA) أن يقلل من جودة نومك ليلاً.
وفي حال كنت لا تنام بشكل جيد، قد يجعلك الحرمان من النوم أكثر عرضة لالتهابات الجهاز التنفسي مثل نزلات البرد والإنفلونزا. يمكن أن يؤدي الحرمان من النوم أيضاً إلى تفاقم أمراض الجهاز التنفسي، مثل أمراض الرئة المزمنة .
التأثير على القلب والأوعية الدموية
يؤثر النوم على العمليات التي تحافظ على صحة القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك تلك التي تؤثر على نسبة السكر في الدم وضغط الدم ومستويات الالتهاب. كما أنه يلعب دوراً حيوياً في قدرة الجسم على إصلاح الأوعية الدموية والقلب.
لذلك فإن الأشخاص الذين لا ينامون بشكل كافٍ هم أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.
ماذا يمكن أن يحدث لدماغك إذا لم تحصل على قسطٍ كافٍ من النوم؟
لا يؤدِّي عدم الحصول على نومٍ جيِّد إلى الشعور بالتعب أو الإرهاق فحسب، بل يمكن أن يتسبَّب أيضاً في فوضى داخل عقلك، مِمَّا يؤدِّي إلى مجموعةٍ من المشكلات المُحتَمَلة.
عندما تُحرَم من النوم الجيِّد، لن تعمل الخلايا العصبية في دماغك بكفاءةٍ في ترميز المعلومات وترجمتها إلى المسار الصحيح في العمل، مِمَّا يؤدِّي إلى مشكلاتٍ في الإدراك البصري، بالإضافة إلى الوقوع في الهفوات العقلية وفقدان الذاكرة.
وفي الواقع، وجدت إحدى الدراسات، التي نشرتها مجلة Nature الأمريكية عام 2017، أن قلة النوم لها نفس التأثير على الدماغ مثل شرب الكثير من الكحول، مِمَّا يبطئ أوقات الاستجابة ويجعلك تشعل بالخمول.
هناك مشكلةٌ شائعةٌ أخرى مرتبطة بالأرق، وهي الزيادة في هرمون التوتُّر، وهو الكورتيزول.
مع ارتفاع هذا الهرمون، يقوم بقمع الميلاتونين، ويمنع النوم الكافي ويؤدِّي إلى تقلُّباتٍ في المزاج، وإلى الشعور بالقلق، وربما بعض المشكلات السلوكية.
قلة النوم يمكن أن تؤثِّر على قدراتك المعرفية طوال اليوم التالي، مِمَّا يؤدِّي إلى ضعف الانتباه إلى التفاصيل، والوقوع في الأخطاء في العمل، وحتى الخلافات في العلاقات.
ومع ذلك، هذا ليس كلَّ شيء. يمكن أن يؤدِّي الإرهاق الناجم عن فترةٍ من النوم غير الكافي إلى ما سماه الدكتور سينغ "خللاً في تنظيم الشهية"، مِمَّا يجعلك تشعر بالجوع، وربما تكون أكثر عرضةً لزيادة الوزن.
وأخيراً، يمكن أن تؤدِّي قلة النوم أو سوء جودة النوم أيضاً إلى زيادة خطر الإصابة بالعدوى وضعف الاستجابة للتطعيمات.