في جزيرة تقع إلى أقصى الشرق من روسيا، تصطف بقايا عظام حيتان عملاقة على امتداد 550 متراً. هذا الممر المريب بات يُعرف بـ"طريق عظام الحوت"، فمن بناه ولماذا؟
يوجد هذا المكان الغريب بجزيرة يتيغران الواقعة في بحر بيرينغ على بُعد 24 كيلومتراً شمال غربي كيب شابلينو، قرب سيبيريا.
باتت هذه الجزيرة، التي كانت ذات يومٍ نائية وغامضة وباردة، وجهةً مزدهرة للسياحة البيئية، حسب موقع Ancient Origins الأمريكي.
تحتوي الجزيرة على بقايا تركتها العديد من القبائل الأصلية، التي عاشت هناك منذ مئات السنين، لكن الحيتان مقوّسة الرأس والحيتان البيضاء وهي تسبح في المياه المحيطة بالجزيرة إلى جانب طريق عظام الحوت، وفّرت المقومات الأولية المُتسبّبة في شهرة هذه الجزيرة.
جزيرة يتيغران
تقع الجزيرة على بُعد 1.5 كيلومتر قبالة ساحل شرق آسيا، جنوب الدائرة القطبية الشمالية، على بُعد نحو 200 كيلومتر عن ولاية ألاسكا في الولايات المتحدة الأمريكية.
يبلغ طول جزيرة يتيغران نحو 13.5 كيلومتر فقط وعرضها 5 كيلومترات فقط. قد تكون هذه الجزيرة صغيرة، لكنها تملك تاريخاً فريداً لتقدمه للزائرين.
لهذا السبب، وإضافة إلى جمال طبيعتها الجبلية، تحظى الجزيرة بشعبية كبيرة في الوقت الحاضر بصفتها موقعاً سياحياً مميزاً شكَّل مصدراً رئيسياً لدخل سكان هذه الجزيرة، التي هي جزء من روسيا الاتحادية.
طريق عظام الحوت
اكتشف علماء آثار سوفييت هذا المكان في عام 1976 في أثناء استكشافهم الجزيرة. واحتوى الموقع الأوَّلي، الذي اكتشفوه، على نحو 34 عظمة من عظام الحيتان مقوَّسة الرأس، حسب موقع Atlas Obscura.
تقف هذه العظام أفقياً في الأرض لتُشكّل ما يشبه مساراً طولياً، فأطلق علماء الآثار عليه اسم "طريق عظام الحوت". وقد تبيّن أنَّ هذه العظام يعود تاريخها إلى 600 عام مضت.
اتّخذ ترتيب العظام شكلاً استثنائياً للغاية ومثيراً للاهتمام من منظور أنثروبولوجي.
كانت العظام ضخمة جداً، تزن كل واحدة منها نحو 300 كيلوغرام ومغروسة بعمق في الرمال ومدعومة بحجارة حولها من الأسفل.
لماذا وُضعت العظام بهذا الشكل؟
اختلف المؤرخون في تأويل السبب، حيث احتوى الموقع أيضاً على بعض الحفر، التي يُعتقد أنَّها استُخدمت لتخزين لحم الحيتان.
وعلى الرغم من مرور عقود منذ اكتشاف المكان أول مرة، لم يتأكد بعدُ علماء الآثار من الغرض الرئيسي منه، ولا يزال هناك العديد من الأسئلة العالقة بشأنه.
وبناءً عليه، ثمة العديد من النظريات الجامحة حول طريق عظام الحوت. ساهمت هذه النظريات في تعزيز شهرة الموقع وجذب مزيد من السائحين الراغبين في رؤية هذا الترتيب الغامض لعظام الحيتان.
تقول النظرية السائدة إنَّ جزيرة يتيغران كانت مأهولة بقبائل أصلية من شعب "الإنويت" يُطلق عليهم اسم "اليوبيك". كانت الجزيرة أكثر برودة مما هي عليه اليوم في وقت بناء الموقع بالقرن الـ14، وهو ما أدّى إلى تكوين طبقات جليدية تغطي البحار المحيطة وحدوث نقص في الغذاء بجميع أنحاء الجزيرة.
كان شعب "اليوبيك" معروفاً بصيد الحيتان باعتبارها المصدر الوحيد المضمون للغذاء في تلك الأوقات. تفترض تلك النظرية أنَّ العظام المكتشفة في الجزيرة هي بقايا حيتان نظّمها أفراد القبائل بشكل زخرفي.
يعتقد علماء الآثار أنَّ قبيلة "اليوبيك" على الجزيرة قد تفرّقت خلال فترة "العصر الجليدي الصغير"، وأنَّ هناك عنفاً اندلع بين فصائل مختلفة من القبيلة، حسب ما نشره موقع Science Alert.
في ضوء ذلك، ربما بُني الموقع ليكون مكاناً مقدساً أو مزاراً تستطيع الفصائل المختلفة الالتقاء فيه وتناول الطعام دون خوف من التعرّض للعنف، إضافة إلى إمكانية مناقشة مشاكلهم في هذا المكان ومحاولة إيجاد حلول معاً.
ويعتقد علماء الآثار أيضاً أنَّ رجال القبيلة ربما شاركوا أيضاً في طقوس تقديم القرابين بهذا الموقع.
ومع ذلك، لم يكتشف العلماء بعدُ تفاصيل مثل هذه الطقوس، بينما يقول سكان "اليوبيك" الذين يعيشون في المنطقة حالياً، إنَّ هذا الموقع لم يكن سوى مخزن قديم لتجميع اللحوم.
وفي ضوء حقيقة أنَّ لحم الحيتان كان غذاءً أساسياً لأجداد "اليوبيك"، فثمة احتمالية أن يكون "طريق عظام الحوت" مجرّد منزل قديم لجزار لحم حيتان.
لا يزال البحث جارياً لاكتشاف المزيد عن أصول "طريق عظام الحوت". ومع ذلك، فإنَّ حالة الغموض والعزلة المحيطة بالمكان حتى يومنا هذا تجعله أحد أغرب المواقع التاريخية في العالم، ويخلق جو الغموض الصامت والمنظر المهيب للعظام جمالاً طبيعياً خالصاً.
وبينما يواصل العلماء فهم ما حدث وقراءة التاريخ، يستمر توافد السائحين من جميع أنحاء العالم لزيارة الترتيب الغريب والمثير، للعظام في الجزيرة المعزولة.