كعادة القرارات في المحروسة، جاء قرار تحويل الكتاب الجامعي من كتاب ورقي إلى كتاب إلكتروني بداية من العام الدراسي ٢٠٢١-٢٠٢٢ دون السماح بفترة كافية لهذا التحول، خاصة أن الجامعات الحكومية طلبت من أعضائها تسليم نسخ إلكترونية من الكتب التي ستدرس بحلول أغسطس/آب ٢٠٢١. ولا يمكن وصف هذا القرار بالحكمة أو مراعاة ظروف الطلاب أو بأنه يتماشى مع سياسة الدولة في السعي للتحول الرقمي لأسباب شتى. والسؤال الذي تحاول هذه المقالة الإجابة عنه هو: هل يتوقع أن يؤدي قرار التحول للكتاب الإلكتروني إلى تسهيل الحصول على الكتاب ومن ثم إفادة الطلاب منه على نحو أفضل، وهل يؤدي ذلك إلى الاقتصاد في استخدام الورق والأحبار؟
تأصيل لا بد منه
اعتاد طلاب الجامعات المصرية منذ زمن بعيد على متابعة دروسهم من مذكرات أو كتب مجمعة من مصادر مختلفة، وغالباً دون ذكر المصادر، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد البحث العلمي الذي يشتغل وينشغل به (أو هكذا يفترض) أساتذة الجامعات. تحول الأمر تدريجياً من وسيلة تسهل الحصول على المصادر المختلفة في كتاب واحد وبتكلفة بسيطة إلى تجارة كبيرة يقودها بعض أساتذة الكليات ذات الأعداد الضخمة مثل كليات الحقوق والتجارة والآداب قبل أن تنضم لهذه التجارة كليات دار العلوم والسياحة والهندسة والطب والتربية.
وتحولت هذه التجارة إلى صراع بين بعض أساتذة الجامعات وسبوبة تقتضي الدفاع عنها حتى ولو بضرب زملائهم بالكراسي والذهاب إلى أقسام الشرطة، كما تقتضي فساد أساتذة هذه الكليات بتعيين أبنائهم في الأقسام التي يعملون بها؛ حفاظاً على بقاء السبوبة في الأسرة. أما الكليات قليلة الأعداد فقد ظل وما زال أساتذتها يتكئون على رواتبهم التي تمنعهم من الفقر والغنى على السواء، وهم ينظرون لزملائهم من أساتذة الكليات ذات الأعداد الضخمة نظرة الفقير للغني، الأستاذ الفقير الذي يستأجر شقة لدى زميله الغني، والأستاذ الفقير الذي يقف منتظراً أتوبيس الجامعة بينا يمر زميله الغني بجواره بسيارته دون الالتفات لزميله الواقف… إلخ. ساهمت هذه الفروق الكبيرة بين أساتذة الجامعات في تكوين نظرة مجتمعية غير واقعية لكل أساتذة الجامعات وكأنهم جميعاً "محظوظون" بإيراد مبيعات الكتب الجامعية الخرافية في نظرهم، وبات كل من يرى أستاذ جامعة يظنه من ذوي الجاه والأملاك.
لم تحرك إدارات الجامعات ساكناً لتغيير هذا الواقع المرير واكتفت بتحصيل جباية عليه في شكل نسبة من دخل الكتب، وإذا بهذه الإدارات تفضل الكليات التي يأتيها منها "ربح" في مقابل امتعاض من الكليات الفقيرة التي تراها إدارات الجامعات حملاً كبيراً على كاهلها وعبئاً ثقيلاً تود التخلص منه لو كان بمقدورها.
رد فعل الطلاب
جاء قرار التحول للكتاب الإلكتروني صادماً لكثير من الطلاب؛ إذ كان يجب أن يسبق هذا القرار التأكد من امتلاك جميع الطلاب أجهزة إلكترونية يمكن من خلالها قراءة الكتب ومتابعة مواقع إلكترونية ومشاهدة فيديوهات قد تكون مرتبطة بالمقررات الدراسية، وكان يجب كذلك توفير هذه الأجهزة للطلاب قبل البدء في تنفيذ القرار، وهو ما لما يحدث.
يضاف لهذه المشكلة مشكلة أخرى تتمثل في تشتت الطلاب حال التحول للكتاب الإلكتروني كما تشهد بذلك خبرات طلاب التابلت في الثانوية العامة وخبرة التعليم الهجين في الجامعات التي نتج عنها انشغال الطلاب بالمواقع الاجتماعية مثل فيسبوك ويوتيوب دون متابعة حقيقية للمحتوى الدراسي المتاح على منصات تعليمية أو من خلال كتب إلكترونية.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك دراسات رصينة كثيرة وخبرات تعليمية بدول كبيرة مثل بريطانيا تؤكد على مشكلة تشتت انتباه الطلاب حال الاعتماد على مقررات إلكترونيةتتطلب استخدام أجهزة إلكترونية؛ ما يعني أن الاعتماد على الكتاب الورقي أفضل بكثير من الناحية التعليمية. وهذا هو بيت القصيد الذي يتحدث عنه طلاب الجامعات ويتناقشون حوله على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يرون في الكتاب الإلكتروني وسيلة إلهاء عن متابعة الدراسة وضرورة طباعة الكتب الإلكترونية على ورق، وهو ما يجعلنا نتساءل: فما فائدة الكتب الإلكترونية إذاً؟
هل يؤدي الكتاب الإلكتروني لتقليل النفقات؟
يزعم البعض أن التحول للكتاب الإلكتروني سيوفر نفقات الطباعة من أحبار وورق ونقل وما إلى ذلك، وينسون أو يتناسون أن الطباعة بالشكل التقليدي اقتصاد كبير لعدد ضخم من عمال المطابع وفنيي الماكينات وأصحاب المكتبات، كما أنها مصدر دخل كبير لمصانع وشركات الورق والأحبار، وهذه كلها تدفع ضرائب كبيرة للدولة. صحيح أنه لو لجأ الطلاب لطباعة الكتب الإلكترونية كما هو متوقع، لعاد اقتصاد المطابع للعمل دون خسارة كبيرة، لكن الطالب سيدفع ثمن الكتاب مرتين عندئذ، مرة للجامعة مباشرة مقابل الحصول على نسخة إلكترونية من الكتاب ومرة أخرى في صورة تكلفة طباعة الكتاب ليتمكن من الاطلاع عليه بأريحية أكبر، ما يضيف عبأين على كاهل الطالب وأسرته.
زيادة موارد الجامعة
وفقاً لما هو معلن الآن، سيتقاضى أستاذ الجامعة نسبة من دخل الكتاب الإلكتروني وستؤول نسبة أخرى للجامعة، وسيجبر الطالب على شراء الكتاب الإلكتروني وتسديد رسوم الكتب مع مصروفات الكلية (الكارنيه)، أي أن المشكلة المشار إليها أعلاه نتيجة الفرق بين أعداد الطلاب الكبيرة في بعض الكليات مثل الحقوق والتجارة في مقابل الكليات ذات الأعداد الصغيرة ستظل كما هي، وسيظل أساتذة الكليات التي يُحشر فيها الطلاب حشراً يحصلون على مبالغ طائلة في مقابل زملائهم بالكليات صغيرة الأعداد الذين سيحصلون على فتات لا يسمن ولا يغني من جوع، مع أن الجهد المبذول في إخراج كتاب إلكتروني واحد في الحالتين. أما التغير الكبير فسيكون في المقابل الكبير الذي ستحصله الجامعات من رسوم جميع الكتب الإلكترونية التي ستُباع لجميع طلاب الجامعة، أي أن الهدف الحقيقي من التحول للكتاب الإلكتروني قد يكون زيادة موارد الجامعة لا أكثر ولا أقل.
ما الحل؟
يجب التنويه بعد العرض السابق إلى أن ما تتبعه الجامعات الحكومية وأساتذتها في مصر يخالف العرف العالمي الذي يشجع على حرية البحث وتنويع مصادر التعلم دون إلزام الطالب بكتاب واحد؛ وهو ما يؤدي لدفع الطالب للبحث عن وفي المراجع بمكتبة الجامعة وعبر الإنترنت وبأي وسيلة متاحة، وهذه مهارة يجب تنميتها لدى الطالب. أما توفير كتاب واحد وإلزام الطالب به فأمر مخل حتى ولو كان علاجاً لنقص المراجع بمكتبات الجامعات. وإلى أن تزيد دخول أساتذة الجامعات بصورة تمكنهم من العيش بكرامة اعتماداً على رواتبهم فقط، وهو أمر يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن، يبقى حل الكتاب الجامعي كوسيلة لزيادة دخل الأساتذة لكن ذلك يجب أن يتم بصورة مختلفة. فلماذا لا يوزع الدخل المحصل عن جميع الكتب الإلكترونية بكل جامعة على جميع الأساتذة بها (كل حسب درجته العلمية) بغض النظر عن عدد الطلاب بكل كلية أو قسم أو شعبة؟ وهذا أمر يسهل تنفيذه في ظل التطور الحادث في نظام الرواتب بكل الجامعات، ويمكن ضبطه من خلال مكتب الشؤون المالية بكل جامعة. قد يتأخر عندئذ حصول أساتذة الجامعات على نصيب كل منهم من دخل الكتب الإلكترونية بعض الشيء لكن عدالة التوزيع كفيلة بإرضائهم.
أما الطلاب فلا بد من أن تضمن الجامعة توفر جهاز إلكتروني سليم لدى كل طالب، ويمكن أن يتم ذلك بتوفير أجهزة للطلاب بنظام التقسيط، وهو أمر يسير ويمكن للجامعة أن تنفذه بالتعاون مع بنك من البنوك العامة أو الخاصة أو شركات متخصصة في الأجهزة الإلكترونية. أما ضمان حصول البنك أو الشركة على الأقساط فهو أمر يسير كذلك، إذ يمكن ربط حصول الطالب على شهادته بدفع جميع أقساط الجهاز الذي حصل عليه، ولن يعدم البنك أو الشركة الوسيلة المناسبة لضمان حقه من الطالب. فهلَّا نبدأ في تنفيذ هذه المقترحات؟ أتمنى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.