يُقال إن الإنسان يحتاج إلى الطعام حتى يبقى على قيد الحياة، لكننا جميعاً نعرف أننا نأكل الطعام الشهي لنستمتع بالحياة أيضاً، ولم يخف ذلك عن القدماء بطبيعة الحال.
أطعمة قديمة ما تزال موجودة حتى الآن
فقد اخترع الناس عبر الثقافات والعصور العديد من الأطباق الشهية المصنوعة من مكوناتٍ تُزرع وتُرعى محلياً، لذلك ندعوك لتلقي نظرةً على هذه الأطعمة اللذيذة والمفاجئة أحياناً كونها قادمة من العالم القديم.
الزوكولاتي: مشروب الشوكولاتة المُبهر من عند آلهة المايا
كانت كثيرٌ من الثقافات القديمة تعتقد أن الطعام منحةُ للإنسانية من الآلهة ليساعدها على النجاة والبقاء على قيد الحياة، غير أن بعض المأكولات التي كانوا يأكلونها كانت تُعد أميز من غيرها، وأشهى، وأكثر فائدةً وتميزاً إلى حد أن تلك المأكولات كان ينظر إليها باعتبارها "هدايا من الآلهة".
بالنسبة لشعب المايا كانت الشوكولاتة، أو الزوكولاتي كما كانوا يسمونها، واحدةً من تلك المأكولات وفقاً لما ذكره موقع Ancient-origins الأمريكي.
وقام سكان المايا بزراعة الشوكولاتة حتى عام 900 تقريباً بعد الميلاد في أمريكا الوسطى، لكنها لم تكن تستهلك لديهم كطعامٍ حلوٍ يذوب في فمك كقطعةٍ من الجنة أو حلوىً ذائبة الدسم كما نعرفها اليوم.
وإنما كانت الشوكولاتة بالنسبة لشعب المايا، ولحضارة الأزتيك من بعدهم مشروب طاقة مر، وتعني كلمة زيكولاتي، التي اشتقت منها الكلمة الإنجليزية chocolate، الماء المر.
واليوم تحتوي مشروبات أو قطع الشوكولاتة الموجودة في القارة الأمريكية التي تحمل شعار "شوكولاتة المايا" أو "شوكولاتة الأزتيك" على القرفة والفلفل الأسود أحياناً بالإضافة إلى الفلفل الحار.
تلك الأخيرة فقط هي الوحيدة التي كانت تستخدم في إعداد مشروب الشوكولاتة القديم، إذ كانت وصفة الزوكولاتي البسيطة أنذاك تحتوي عادةً على الماء الساخن وحبوب الكاكاو المحمصة المطحونة، والفلفل الحار، وأحياناً الذرة المحمصة، والعسل، والفانيليا، أو نباتاً حاراً يُدعى زهرة الأذن.
وصحيحٌ أن حضارة الأزتيك قد حولت الزوكولاتي لاحقاً إلى حلوىً فاخرةٍ للملوك والأمراء والكهنة، لكن المايا كانت تعتبره هديةً لكل الإنسانية، لذلك كان متاحاً للناس في كل الطبقات الاجتماعية.
البورش: حساءٌ قرويٌ من العصور الوسطى سافر إلى الفضاء
تثير قليل من الأطعمة جدلاً دولياً بقدر ما فعل الحساء المعروف باسم البورش، وأبرز المتنافسين على موطن هذا الحساء هما روسيا وأوكرانيا.
ورغم أن الجدل لا يزال قائماً، فإن مؤرخي الطعام يعتقدون أنهم فكوا غموض المسألة، إذ يتفق أغلبهم على أن الحساء يرجع لفترة ما بين القرن الخامس والتاسع بعد الميلاد، في منطقةٍ باتت تعرف الآن باسم أوكرانيا وفقاً لما ذكره موقع Finedining Lover.
لكن البورش كان مختلفاً وقتها، وأبرز اختلافٍ هو أن المكون الأساسي فيه كان نبتة الهرقلية الصوفية، التي كانت تُسمى باللغة السلافية القديمة "برش".
وقد كتب عطارو العصور الوسطى أن نبتة الهرقلية الصوفية كانت تُجمع عادةً في الربيع وتحديداً في مايو/أيار، قبل أن تصبح البراعم قاسيةً وخيطيةً للغاية.
ثم كان الطباخ يقطع الأزهار، والسيقان، والأوراق، ويضعها في إناءٍ مع ماءٍ ويترك الخليط.
وحين يصبح جاهزاً كان السائل حامض الطعم، يضاف إليه مرق الدجاج أو اللحم، وصفار البيض، والقشطة.
في تلك الأيام كان البورش يُعتبر طعاماً مريحاً، لكن بالنظر إلى طبيعة وبساطة مكونات أصوله، فلعل من غير المفاجئ أن يُعتبر هذا الحساء اللذيذ طعاماً للفلاحين.
ولم تتواضع طبقة النبلاء وتتناوله إلا أواسط القرن السابع عشر غير أن هذا القرار كان يعني أن البورش سيتعرض لبعض التغييرات الكبيرة.
فقد ولت الأيام التي كانت نبتة الهرقلية الصوفية فيها المكون الرئيسي للطبق، والآن حلت محله خياراتٌ حامضةٌ أخرى مثل الليمون.
ويعتبر الحساء الآن من أشهر الأطعمة في روسيا حتى أنّ رواد الفضاء أخذوا معهم البورش المجمد إلى الفضاء.
الكرودي والكرانشان: من جبنة قديمة إلى حلوىً سكوتلنديةٍ تقليدية
كان الناس حول العالم يشربون حليب الأبقار ويستخدمونه لصناعة الجبن لآلاف السنوات، أما في اسكتلندا يرجع تاريخ صناعة الجبن إلى البكتيون القدماء، ويُقال إن كل صانعٍ تقريباً أو مالكٍ لمزرعةٍ صغيرةٍ في المرتفعات الاسكتلندية يصنع جبنه الخاص، الذي بات يعرف باسم الكراودي.
وكانت كلمة كرودي تطلق سابقاً على طبقين في اسكتلندا، هما العصيدة والجبن اللين، أما اليوم يُطلق الاسم على الجبن فقط، والتي تُغلف أحياناً بالشوفان وفقاً لما ذكره موقع Press And Journal.
في الماضي كان صناع الجبن يصنعون الكرودي بترك الحليب الخام يحمض في عتبة نافذة دافئةٍ أو قرب النار ثم كانوا يستخلصون مصل اللبن ويكون المنتج النهائي جبناً أبيض مفتت.
كان يُقدم عادةً مع كعك الشوفان كنوع من المقبلات، كما كان يُخلط مع دقيق الشوفان والفلفل الأسود لصنع الكراودي الأسود المعروف باسم غروث دوبه أو الرائب الأسود.
ومن ثم أصبحت الكرودي مصدر إلهام لصنع حلوى الكرانشان التي أضيف إليها القشدة والعسل والشوفان وتوت العليق.
تعتبر حلوى الكرانشان حالياً كابوساً لمتبعي الحميات الغذائية، وحلماً لعشاق الطعام.
محشي الكرنب (الملفوف)
يعتبر محشي الكرنب أو كما يسمى في دول أخرى محشي الملفوف طعاماً مشبعاً ولذيذاً سيما أنه رخيص السعر ويمكن تحضيره بالرز فقط بدون إضافة اللحم لمن يرغب.
يعتقد بعض المؤرخين أن طبق محشي الكرنب، المعروف بعدة أسماء أخرى عبر أوروبا الشرقية، كان طبقاً مفضلاً عند يهود الأشكناز (يهود أوروبا الشرقية) منذ نحو 1500 عامٍ.
غير أن أصوله على الأرجح ترجع للشرق الأوسط إذ تقول الأساطير إن أول من أكل محشي ورق العنب كان جنود الإسكندر الأكبر، عندما كانت إمدادات اللحم شحيحةً وفقاً لما ذكره موقع Once upon a Paradigm.
ومع تطور طرق التجارة وحركات الهجرة انتشر المفهوم فيما بعد وتحول ليناسب أذواق أوروبا الشرقية.
واليوم يمكننا أن نجد أوراق الملفوف المحشوة بأسماء ومكوناتٍ شتى.
البلغاريون مثلاً يسمونه سارمي ويصنعونه مع لحم العجل والنعناع المفروم والبابريكا الحلوة، واللبن الرائب.
أما الرومانيون يفضلون إضافة الشبت داخله واللحم المقدد فوقه.
في حين يزينه الأوكرانيون بالملفوف المخلل ويقدمونه مع المعجنات، أما الروس فيسمونه "الحمائم الصغيرة"، ويضيفون إليه جرعةً من الكريمة الحامضة.
الخاتشابوري: خبز تقليدي محشو بالجبن من جورجيا، يسبب الإدمان
يعتبر خبز الخاتشابوري من أشهر الأطباق الشعبية في منطقة القوقاز بشكل عام، وفي جورجيا بشكل خاص إذ أنه مدرجٌ ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لجورجيا.
وتتألف كلمة خاتشابوري من المقطعين الجورجيين "خاتشو"، والتي تعني الجبنة، و"بوري" والتي تعني الخبز.
ويرجع التنوع في وصفات الخاتشابوري إلى منطقة أجاريا ذات الحكم الذاتي في البحر الأسود، ويُقال إنه يعكس ثقافة المنطقة وجغرافيتها.
وعادةً ما يصنع الجورجيون هذه المعجنات اللذيذة بمزيج من جبنة الإيميرولي وجبن السولجوني، ولكن مزيجاً من الجبن الفلاحي الطازج وجبن الموزاريلا، وجبن الفيتا قوي النكهة سوف يجعلك قريباً من النسخة التقليدية للخاتشابوري.
إذ تقول الأساطير المحلية إن الخاتشابوري يجب أن يصنعه أشخاص سعداء فقط -فإذا لم تكن في حالة مزاجية جيدة، فإن طعم مخبوزاتك يتغير كما يُزعم، وسيعتقد الناس أن هناك "خطباً ما" بشأنه.