المسامحة ليست سهلة عندما يؤذيك شخص ما، يتطلب الأمر قوة كبيرة (ونضجاً) لأخذ نفس عميق وتنحية نفسك جانباً، وقبول اعتذار صادق. ولكن ماذا يحدث إذا كان الشخص الذي تحتاج إلى مسامحته هو نفسك؟
غالباً ما يتم تعريف المسامحة على أنها قرار متعمد للتخلي عن مشاعر الغضب والاستياء والانتقام تجاه شخص تعتقد أنه أساء إليك. ومع ذلك في حين أنك قد تكون كريماً جداً في قدرتك على مسامحة الآخرين، لكن الأمر يصبح صعباً عندما تتعامل مع نفسك.
سواء أكنت قد أدليت ببعض التعليقات غير المبالية على اجتماع زوم مؤخراً، أو سئمت من عدم الالتزام بهدف وضعته لنفسك، فقد تشعر أنه من المستحيل أن تسامح نفسك.
كيف تسامح نفسك؟
في ما يلي أسباب وكيفية مسامحة النفس، لأنها بكل بساطة تستحق هذا "الإفراج" من أجل أن تستمر في الحياة بجو خال من العار والذنب وتمضي قدماً نحو خيارات أفضل.
تعامل مع نفسك كما لو كنت ستتعامل مع أعز أصدقائك
حينما نفعل شيئاً يخالف المعايير الأخلاقية، غالباً ما نبدأ في جلد أنفسنا حيال ذلك دون جدوى. لذلك علينا أن نمارس الكثير من التعاطف مع الذات، حسب ما قالت أخصائية العلاقات الزوجية والطب العائلي إيميلي جامي لموقع SELF.
لتوضيح الأمر عندما يتصل بك صديقك المقرب بعد انفصاله عن شريكته ويبدأ في قول أشياء فظيعة عن نفسه؛ فعلى الأرجح ستقول له: "أنت إنسان- كن لطيفاً مع نفسك بعض الشيء، جميعنا يخطئ".
ومع ذلك، لا نقول هذه الجملة لأنفسنا في خضم مرحلة "جلد الذات"؛ إذاً كيف ستبدو مخاطبة نفسك كما لو كنت تتحدث إلى صديق؟
تقول الدكتورة جامي: "هذا السؤال وحده يمكن أن يساعد في تشكيل منظور للأمر وتخفيف المشاعر السلبية التي نكوّنها تجاه أنفسنا".
إذا كنت قاسياً بشكل سيئ على أصدقائك (تحت ستار "الصدق")، فقد لا تنجح هذه النصيحة.
بدلاً من ذلك حاول أن تنظر إلى نفسك كما لو كنت طفلاً، الفكرة- برأيها- هي أن تلين قلبك تجاه أخطائك.
بدوره يقول استشاري العلاقات روبرت آلان والأستاذ المساعد في علاج الأزواج والأسرة في جامعة كولورادو إنه يجب أن تتذكر أن "ارتكاب الأخطاء أمر بشري". وأضاف: "هناك فرق بين قول "ما فعلته كان فظيعاً" و "أنا فظيع".
اكتب (أو تحدث) عن الحقائق
في كثير من الأحيان عندما تفعل شيئاً خطأً، فقد تشعر بموجة جارفة من الذنب.
أضف عليها مزيجاً ضبابياً من الخزي والتفكير الكارثي، أو حتى محاولة إنكار التأثير الذي أحدثته أفعالك.
في هذه الحالة قد يساعد تدوين ما حدث، حتى لو لم يكن جميلاً، في أن تقوله بصوت عالٍ لنفسك، أو أن تناقشه مع شخص تثق به ولا تقلق من حكمه على تصرفاتك.
السر هنا هو في فعل كل ما يجب لتتحمل مسؤولية الفعل وتتحضر لما يجب فعله في المرحلة المقبلة.
تذكر أن جميع السلوكيات لها جذور عميقة
يقول الدكتور آلان إذا كنت تصيح عندما تكون غاضباً أو تعمل بجد لإرضاء الآخرين، فمن المحتمل أن تكون هذه التكتيكات قد ساعدتك في مرحلة ما.
لذا ذكر نفسك أنه على الرغم من أن الوقت قد حان للتخلي عن هذه الاستراتيجيات، إلا أنها مكنتك من بقائك على قيد الحياة.
ولتحقيق هذه الغاية يجب أن تشمل المسامحة "قبول هذا الجزء من أنفسنا".
فكر في الأمر على أنه شخصيتك؛ بمعنى: اشكر تلك العادات على مساعدتك، ولكن- نظراً لأنها لم تعد تثير الفرح أو توفر الحماية العاطفية- دعها.
حاول أن تصلح
لقد نظرت في هذه المرحلة إلى موقفك من خلال عدسة أكثر تعاطفاً، وقمت بتسمية ما حدث بالأسماء، وأقررت كيف كانت السلوكيات المدمرة مفيدة في الماضي، لذا اسأل نفسك الآن كيف ترغب في التعويض؟!
لنفترض أنك غاضب من نفسك لأنك تركت أسبوعاً آخر يمر دون تنظيف شقتك، ألقِ نظرة على مواعيدك وخصص يوماً أفضل.
إذا كان طبعك يميل إلى الصراخ في وجه الآخرين عند الجوع مثلاً، حاول السيطرة على هذا الأمر كي لا تصل إلى هذه المرحلة المتقدمة.
الفكرة ليست أن تعاقب نفسك، حسب الدكتورة جامي وإنما: "يأخذ التعديل الاعتذار خطوة أخرى إلى الأمام عبر الاعتراف بمسؤولية ما فعلته والالتزام بتغييره في المستقبل".
تذكر أن المسامحة عملية تحتاج وقتاً
جزء من السبب الذي يجعل مسامحة الذات تبدو ضبابية وغير مجدية هو أنها ليست أمراضاً تتم مرة واحدة فقط، ولن تتم تلقائياً بعد أن تقول: "أنا آسف" في المرآة.
يقول الدكتور آلان: "المسامحة عملية نشطة ويمكن أن تتطلب التكرار". قد لا تكون هذه هي المحادثة الوحيدة التي تحتاجها للتخلص من الضغينة التي تحملها ضد نفسك.
ربما تحتاج إلى العمل مع معالج أو غيره من متخصصي الصحة العقلية لدعمك.
اعتنِ بنفسك عقلياً وجسدياً
لأن الشعور بالذنب هو شعور عميق، يمكن أن يتجلى من خلال التوتر الذي ينعكس سلباً على مجمل صحتك.
تحذر الطبيبة النفسية جيني سكوت عبر مجلة Oprah من التالي: "إذا تحملنا الشعور بالذنب والعار لفترة طويلة جداً، فقد يتسبب ذلك في تباعد علاقاتنا وتغيير تصورنا لأنفسنا ويؤثر بشكل كبير على ثقتنا وصحتنا العقلية".
لهذا السبب من المهم أن تعتذر وتسامح نفسك بأسرع ما يمكن، وإذا كنت تواجه مشكلة خطيرة في المضي قدماً، فاطلب المساعدة من معالج.
من الجدير ذكره أن مسامحة الذات ممارسة قوية، ولكنها ليست مخصصة للأشخاص الذين يلومون أنفسهم ظلماً على شيء ليسوا مسؤولين عنه.