منذ بداية جائحة كورونا فرضت العديد من الدول حظر التجول الكامل أو الجزئي للتخفيف من حدة انتشار الفيروس، لكن السؤال الموجه للعلماء: هل يعتبر حظر التجول فعالاً حقاً أم أنه مجرد إجراء تعسفي؟ وهل توجد أدلة علمية تدعم فاعليته في الحد من انتشار الفيروس أم أنها مجرد تخمينات؟
حظر التجول في ظل انتشار فيروس كورونا
كان حظر التجول يستخدم في الغالب كأداة للقمع السياسي أو العنصري، كما يستخدم في الحالات الطارئة، وفي ظل اشتعال الرأي العام ضد مسألة معينة، فعلى سبيل المثال، فرضت العديد من المدن في الولايات المتحدة حظراً للتجول بعد مقتل جورج فلويد الذي أشعل العديد من الاحتجاجات خلال صيف 2020.
ومنذ عقود مضت، لم يُسمح لذوي البشرة السوداء بالخروج إلى الشوارع بعد مغيب الشمس، في بعض المدن في الولايات المتحدة، كنوع من التفرقة العنصرية.
ومع بداية انتشار جائحة كورونا فرض حظر التجول في كثير من الدول حول العالم، بهدف التخفيف من انتشار الجائحة، لكن إلى أي مدى يعتبر هذا الإجراء فعالاً؟
هل كان حظر التجول الذي فرض منذ بداية الجائحة فعالاً؟
يفترض أن بقاء الناس في منازلهم بعد ساعات معينة سيكبح الانتشار السريع للفيروس، لكن تم فرض حظر التجول في الواقع إلى جانب تدابير وقائية أخرى، مثل إغلاق المحال التجارية في ساعة مبكرة وإغلاق المدارس، والالتزام بالتباعد الاجتماعي ووضع الكمامات، كل ذلك جعل من الصعب تقييم واستنتاج مدى فاعلية حظر التجول وحده.
مع ذلك، فإن الأدلة العلمية على فاعلية الحظر ليست كافية تماماً، إذ لم تقع جائحة شبيهة بهذه منذ قرنٍ مضى.
وفي حين يبدو فرض الحظر منطقياً بالبديهة، لكن يصعب فهم آثاره تحديداً في انتشار العدوى الفيروسية، ناهيك عن فيروس كورونا، وفقاً لما ورد في صحيفة The New York Times الأمريكية.
يعتقد إيرا لونجيني، الإحصائي الحيوي في جامعة فلوريدا، أن حظر التجول في مجمله طريقة فعالة لإبطاء الجائحة، لكنه اعترف بأن وجهة نظره مبنية على الحدس وحده.
قال لونجيني: "الحدس العلمي يخبرك بشيء، لكنك لا تستطيع قياسه بدقة".
أما ماريا بولياكوفا، الأستاذة في جامعة ستانفورد، فقد درست آثار الجائحة على اقتصاد الولايات المتحدة. وقالت: "في العموم، توقعنا أن البقاء في المنزل سيبطئ الجائحة بشكل نموذجي، من ناحية أنه يُقلل درجة التفاعل بين الناس".
وأضافت بولياكوفا: "وكان المقابل هو أن انخفاض النشاط الاقتصادي يضر بعديد من العمال وعائلاتهم في قطاع الخدمات الاقتصادية الكبير". إذاً هل تستحق فوائد الحظر هذا الثمن؟
لا تستطيع بولياكوفا فهم المنطق الكامن خلف فرض حظر التجوال، وقالت: "بفرض أن المطاعم والمحلات التجارية أُغلقت بالفعل، فإن منع الناس من الخروج والتنزه على مقربة من منازلهم مع عائلاتهم ليلاً لن يُقلل التواصل على الأرجح".
والأهم هو أن الفيروس ينتشر في الأماكن المغلقة، إضافة إلى شيوع العدوى الجماعية داخل العائلات وأفراد المنزل. وهكذا فإننا في هذه الحالة نواجه السؤال المخيف التالي: هل إجبار الناس على البقاء في تلك البيئات لمدد زمنية أطول يُبطئ من انتشار العدوى أم يزيدها؟
ماذا أوضحت البيانات حتى الآن؟
حللت دراسة نُشرت مؤخراً في مجلة Science بيانات مأخوذة من مقاطعة خونان الصينية في بداية الجائحة.
وخلص الباحثون إلى أن تدابير حظر التجول والإغلاق كان لها تأثير متناقض، إذ قللت هذه القيود انتشار الفيروس داخل المجتمعات، لكنها زادت خطر انتقال العدوى بين أفراد المنزل الواحد، وفقاً للباحث في معاهد الصحة الوطنية كايوان صن.
وقال جون زيلنر، عالم الأوبئة في جامعة ميشيغان، إنه ليس ثمة أدلة علمية كثيرة لمعرفة ما إن كان فرض حظر التجول تدبيراً فعالاً، لكن مثل تلك التدابير القسرية نادراً ما تنجح على المدى الطويل.
قال زيلنر: "مع احترامي للحظر، أعتقد أنه يصعب فهم التأثير الإيجابي الذي سيُحدثه. ومن الأمور التي تثير قلقي في القرارات المبهمة إلى حد ما أو التي تفتقر إلى المنطق، هو أنها تقوض الثقة التي يحتاج إليها الناس للالتزام بتلك القرارات".
وفي دول مثل اليابان، التي شهدت إصابات بكوفيد-19 أقل كثيراً من الولايات المتحدة، يبدو أن السر يكمن في شعب يقبل بالإرشادات التوجيهية ويلتزم بها، على غرار التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات "وليس سلسلة من القيود الشبيهة بالقوانين" مثل حظر التجول.
آراء مؤيدة للحظر
خلص لونجيني وزملاؤه أن الإغلاق وحظر التجول من الممكن أن تكون طرقاً فعالة في الحد من انتقال الفيروس.
كذلك يعتقد آخرون أن الحظر قد أثبت فاعليته في بعض الدول، عندما تم تطبيقه إلى جانب إجراءات أخرى مثل التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات، وفقاً لما ورد في موقع The Scramento Bee.
ويقول مايكل ليفي، عالم الأوبئة بجامعة بنسلفانيا، لصحيفة USA Today، إن حظر التجول هو ما نحتاجه حقاً لتحقيق أثر ملموس في الحد من انتشار الفيروس.
ويضيف: "كل ما يساعد الناس على التوقف عن الاتصال بالآخرين هو أمر بالغ الأهمية في الوقت الحالي".