لا شكّ أنّ التنفس هو أمرٌ نفعله بشكلٍ طبيعي دون أنّ نفكر به عادة، لكن العديدين منا يفعلونه بطريقة خاطئة، وهو ما قد يؤدي إلى عواقب سيئة لصحتهم.
ويوصف التنفس بأنه "الجزء المفقود للصحة" فهو مهم جداً لصحة الإنسان مثله ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والنوم بشكل كافٍ، والتنفس بشكل خاطئ قد تكون له تداعيات وخيمة على الصحة ويتسبب في مشكلات التنفس أثناء النوم مثل الشخير وانقطاع النفس النومي والأرق.
إضافة إلى الحالات العقلية والسلوكية مثل القلق والاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والعديد من المشكلات الطبية الأخرى مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب ومرض السكري.
أيهما أفضل التنفس من الأنف أو التنفس من الفم؟
يبدأ التنفس الصحيح من الأنف، إذ لا تُحب الرئتان الهواء البارد الجاف كما يعمل التنفس الأنفي على تدفئة وترطيب أنفاسك قبل وصولها إلى الرئتين وفقاً لما ذكره موقع How Stuff Works الأمريكي.
وحين تتنفس من أنفك، يتحرك الهواء عبر الهيكل العظمي في التجويف الأنفي المسمى بالمحارة الأنفية، المغطاة بأنسجة رقيقة تُعرف باسم الغشاء المخاطي وهذه المحارة الأنفية هي التي تُدفّئ أنفاسك وترطبها.
كما يعمل التنفس الأنفي على تنظيف الهواء الذي تتنفسه، بفضل المرشحات الصغيرة الشبيهة بالشعر داخل تجويف الأنف، وتُدعى الأهداب.
في حين تلتقط تلك الأهداب الغبار، والتلوث، والمواد المسببة للحساسية، والدخان، والبكتيريا، والفيروسات، وغيرها من الملوثات في الهواء الذي تستنشقه لتحتجزها داخل المحارة الأنفية، ومن هناك، يجري دفع تلك الملوثات في النهاية إلى الحلق لتبتلعها.
وكذلك يُجبرك التنفس الأنفي على استخدام الحجاب الحاجز، وهي العضلة الواقعة أسفل الرئتين.
والتنفس الحجابي- أو التنفس من البطن (بعكس التنفس من الصدر)- يزيد كفاءة الرئتين عن طريق تنشيط الفصوص السفلية التي تحتوي على نسبةٍ أكبر من الدم مقارنةً بالفصوص العلوية.
ليس ذلك فحسب وإنما يزيد التنفس عبر الأنف من كمية الأكسجين الموجودة في الدم أكثر من التنفس عبر الفم، وهو أمرٌ حيوي لكل خلية وعضو ونسيج في جسمك.
وهذا لأنّ التنفس الأنفي يُفرز أكسيد النيتريك، وهو الجزيء المهم لصحة الأوعية الدموية، إذ إنّ أكسيد النيتريك هو موسع للأوعية الدموية، أي أنّه يُرخي ويُوسّع الأوعية الدموية ويدفعها لزيادة الدورة الدموية مما يسمح للدم، والمغذيات، والأكسجين أن تنتقل بفاعلية أكبر داخل الجسم.
فوائد التنفس من الأنف.. تحسين الأداء الرياضي
يُمكن للتنفس الأنفي أن يُحسّن الأداء الرياضي أيضاً، إذ أجرى الدكتور جون دويلارد، مدرب نخبة من الرياضيين، العديد من الدراسات في التسعينيات للمقارنة بين التدريبات بالتنفس الأنفي والتدريبات بالتنفس الفموي عن طريق ربط مجموعة من راكبي الدراجات بأجهزة استشعار وتسجيل معدلات تنفسهم وضربات قلبهم.
ووجد أنّه ليس هناك فارق كبير في معدل ضربات القلب بين التدريبات بالتنفس الأنفي والتدريبات بالتنفس الفموي، لكن معدلات التنفس كانت منخفضة باستمرار في التدريبات بالتنفس الأنفي.
فمثلاً، وصل معدل التنفس الأنفي لأحد ممارسي أقصى جهد على دراجة ثابتة إلى 14 نفساً في الدقيقة، مقارنةً بمعدل تنفس فموي وصل إلى 48 نفساً في الدقيقة.
كما كان الجهد الملحوظ أقل كثيراً مع التنفس الأنفي، بناءً على مقياس تم الإبلاغ عنه ذاتياً من واحد إلى 10، حيث يُمثّل رقم عشرة الإرهاق الشديد.
فمع أقصى جهد على الدراجة الثابتة، قيّم المشاركون جهدهم الملحوظ برقم 10 أثناء التنفس من الفم، لكنّ قيّموا جهدهم بأربعة (تُشير إلى الراحة) أثناء التنفس من الأنف.
كما يُنشِّط التنفس الأنفي الجهاز العصبي اللاودي لدى الرياضيين، مما يُشير إلى كونهم أكثر هدوءاً واسترخاءً عند التنفس من الأنف مقارنةً بالتنفس من الفم.
ينشط الجهاز العصبي الذي يدعم الراحة
ووفقاً لصحيفة The Washington Post فإن التنفس الأنفي ينشط أيضاً الجزء الموجود في الجهاز العصبي الذي يسبب الراحة والتعافي والهضم بدلاً من الجزء المسؤول عن الإجهاد.
وهذا يعني أنه حتى لو كان الجسم في حالة إجهاد عالية الشدة فإن التنفس الأنفي يمكن أن يوفر إحساساً بالهدوء ويسمح لنا بالعمل بشكل أفضل.
ويقول بريان ماكنزي مؤلف ورياضي ومؤسس فن التنفس، وهو برنامج يعلم كيفية استخدام التنفس لتحسين الأداء الرياضي: "يؤدي فرط التنفس عبر الفم إلى الشعور بالتوتر وأيضاً إلى قيام الجسم بإفراز المزيد من ثاني أكسيد الكربون، مما يجعل من الصعب تزويد الخلايا بالأوكسجين، أما التنفس من الأنف فيعد الطريقة المثالية لتزويد أنظمة بالأوكسجين.
يحسن وظيفة القلب والأوعية الدموية
من الفوائد الرئيسية للتنفس الأنفي أنّ له تأثيراً إيجابياً على وظيفة القلب والأوعية الدموية، وقد ثبت أنه يخفض بشكل كبير من العوامل مثل معدل ضربات القلب ومعدل التنفس وضغط الدم وفقاً لما ذكره موقع Health line.
يخفض معدل ضربات القلب
كما يمكن أن يساعد التنفس من الأنف عوضاً عن الفم في خفض معدل ضربات القلب وتعزيز صحته وسلامة الأوعية الدموية.
ووفقاً لدراسة أجريت عام 2006 فإن الانخراط في التنفس البطيء من الأنف قد يقلِّل بشكل كبير من معدل ضربات القلب ومتوسط إيقاع التنفس.
التأنّي في الزفير
أظهرت دراسة أُجرِيَت على مدار 29عاماً، ونُشِرَت عام 2000 في دورية Chest، أنّ سعة الرئة لها علاقةٌ كبيرة بالصحة، والنجاة فالأشخاص ذوو الرئات الأصغر والأقل كفاءة هم أكثر عرضةً للإصابة بالمرض والوفاة.
ومن خلال التنفس ببطء شديد "يستيقظ" الحجاب الحاجز ويصير أكثر اعتياداً على السعة الأوسع بحيث يسهل التنفس بعمقٍ أكبر.
كيف تتدرب على التنفس الأنفي؟
هناك العديد من تقنيات التنفس التي تستطيع فعل كل شيء، بدءاً من زيادة حرارة جسمك حتى تستطيع تحمُّل درجات الحرارة القاسية ووصولاً إلى تلك التي يُمكنها إصابتك بالهلاوس.
ولكن إذا كنت قد بدأت للتو في تمرينات التنفس، فمن الأفضل الحفاظ على بساطة الأمور.
وفي البداية، بإمكانك اتباع تقنية تُدعى "التنفس الواعي"، التي تتضمن الشهيق ببطء لـ5 أو 6 ثوان، ثم الزفير لنفس الفترة الزمنية.
وأظهرت الدراسات أنّ التنفس الواعي يُمكنه خفض معدل ضربات القلب وضغط الدم، مع زيادة كمية الأكسجين التي تصل إلى الدماغ.
وهناك العديد من مقاطع الفيديو على يوتيوب التي تُحدّد لك وقت الشهيق والزفير حتى لا تضطر لإبقاء عينك على الساعة.
وبالنسبة لمن يُعانون من القلق، ينصح بالزفير لفترة أطول من الشهيق.
ويُمكنك مثلاً الشهيق مع العد حتى 3، ثم الزفير مع العد حتى 6 أو أكثر.
كيف أعرف أنني أتنفس من خلال فمي؟
هناك كثير من الناس لا يعرفون ما إذا كانوا يتنفسون من فمهم بدلاً من الأنف خاصة أثناء النوم، لذلك هذه الأعراض ستكون بمثابة دليل لهم:
- الشخير.
- جفاف الفم.
- رائحة الفم الكريهة.
- بحة في الصوت.
- التعب المزمن.
- ضباب الدماغ.
- الهالات السوداء تحت العينين.
أعراض التنفس من الفم عند الأطفال
بالنسبة للوالدين، من المهم لهما أيضاً البحث عن علامات تنفس الفم لدى أطفالهما، فقد لا يتمكن الطفل من التعبير عن أعراضه مثل البالغين.
في حين أنّ الأطفال الذين يتنفسون من الفم يتنفسون وفمهم مفتوح ويشخرون في الليل، قد يعانون من الأعراض التالية:
- بطء في معدل النمو.
- التهيج.
- زيادة نوبات البكاء في الليل.
- شفاه جافة ومتشققة.
- مشاكل التركيز في المدرسة.
- النعاس أثناء النهار.