منذ القدم هناك جدل قائم حول فوائد الحليب، فبعض الجهات تنصح بتناول ما يصل إلى 3 أكواب يومياً من الحليب أو ما يعادلها من مشتقات الألبان، والبعض الآخر يشكك في الروايات حول فوائد الحليب الكثيرة، ويتطرف البعض فيصفونه بـ"السمّ القاتل".
فما فوائد الحليب الحقيقية؟ وهل فعلاً له تأثير سحري على الطول والوزن والوقاية من السرطانات؟ وهل يجب علينا حقاً تناول كميات كبيرة من الحليب؟
إليكم ما ورد في موقع Medical News Today بهذا الخصوص:
فوائد الحليب ما بين الحقيقة والمبالغات
مما لا شك فيه أن للحليب فوائد كثيرة، أبرزها تأثيره في صحة العظام لاحتوائه على الكالسيوم، وهو معدن أساسي لتقوية العظام.
لكن يعتقد البعض أن كميات الحليب المُوصى باستهلاكها يومياً مبالغ بها بعض الشيء.
فوفقاً للتوصيات الغذائية التي وضعتها وزارة الصحة في الولايات المتحدة، فإنه يتوجب على الأفراد الذين تزيد أعمارهم على 9 سنوات تناول 3 أكواب يومية من منتجات الألبان الخالية من الدهون أو قليلة الدهون.
وتشمل تلك المنتجات الحليب البقري والألبان والأجبان وحليب الصويا المدعم.
لكن بعض الخبراء يشككون في أن هذه هي الكمية المثالية التي يجب على الأفراد تناولها، فوفقاً لما ذكر هؤلاء في مجلة New England الطبية لا توجد أدلة كافية تدعم هذه التوصيات.
ويقترح هؤلاء الخبراء مصادر متنوعة للحصول على حاجة الجسم من المواد الغذائية بدلاً من استهلاك كمية كبيرة يومياً من منتجات الألبان.
أدلة محدودة على كمية الحليب الواجب استهلاكها
في الواقع، الجدل حول الحليب ليس جديداً، لكن ما بين الآراء المتطرفة الداعمة بشدة لأهمية الحليب وتلك التي تنظر إليه باستهتار هناك أُناس معتدلون ينظرون إلى الموضوع باعتدال مثل الأستاذة الفخرية في قسم علوم التغذية بجامعة بوردو الأمريكية، كوني إم ويفر.
إذ تعترف كوني بأهمية الحليب ومنتجات الألبان في نظامنا الغذائي، إذ تعمل على توفير مجموعة من العناصر الغذائية الأساسية والمكونات المهمة للصحة والتي يصعب الحصول عليها في الوجبات الغذائية الأخرى.
وتوضح أن أهمية الحليب تاريخية، حيث تقول: "منذ الثورة الزراعية، عندما تحولت مصادر الطاقة من الأطعمة النباتية التي تحتوي على نسبة عالية من الكالسيوم نسبياً في الوجبات الغذائية للصيادين إلى محاصيل الحبوب التي تحتوي على نسبة منخفضة من الكالسيوم، كان الحليب هو المصدر الرئيسي للكالسيوم الغذائي".
لكن، مع ذلك تسلِّط ويفر الضوء على نقص الأدلة الداعمة للدراسات التي تعتمد عليها التوصيات الغذائية الأمريكية التي تقترح تناول ما يُعادل 3 أكواب من منتجات الألبان يومياً.
وبالرغم من أن الحليب ومنتجات الألبان عموماً تعتبر مصدراً غنياً بالكالسيوم، فإنه عندما يتعلق الأمر بالصحة بشكل عام فلا توجد دراسات بحثية تعتمد على أدلة قوية تدعم أهمية استهلاك الحليب أو غيره من منتجات الألبان بكميات كبيرة.
المخاطر المحتملة من استهلاك الحليب
في عام 2020 نشر الطبيبان والتر ويليت وديفيد لودويغ مقالاً في مجلة New England Journal of Medicine يجادلان فيه العلاقة بين استهلاك الحليب ومخاطر قد تهدد الصحة والبيئة معاً.
يؤكد الطبيبان في مقالتهما أهمية الحليب، لكن وكحال الأستاذة ويفر يشككان في دقة الكمية المُوصى بها من قبل وزارة الصحة الأمريكية.
يقول الطبيبان: "الحليب هو واحد من عدد قليل من الأطعمة التي تشكّل على وجه التحديد جزءاً من الإرشادات الغذائية في الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى".
ويضيفان: "لم تدعم الدراسات على مدى العقود العديدة الماضية بشكل واضح الحاجة إلى الجرعات الكبيرة الموصى بها من الحليب أو منتجات الألبان، لذا من المهم دراسة الموضوع بتأنٍّ أكبر وإلقاء نظرة شاملة على فوائد الحليب ومخاطر استهلاك جرعات كبيرة في آن معاً".
وأوضحا: "للحليب بصمة بيئية ثقيلة، إذ ستسهم زيادة إنتاج الحليب في زيادة إنتاج غازات الاحتباس الحراري، وإذا استهلك الجميع 3 أكواب يومياً، فإن ذلك سيجعل تجنب الاحتباس الحراري العالمي المفرط أمراً صعباً للغاية".
"يجب أن يؤخذ هذا في الاعتبار على الأقل عند اتخاذ قرارات بشأن إنتاج الحليب واستهلاكه".
على ماذا اعتمدت الدراسات التي توصي بتناول 3 أكواب من الحليب؟
وفقاً للطبيبان، فإن أساس توصيات الولايات المتحدة لاستهلاك الحليب بكميات كبيرة مستمدة من دراسات لتقييم توازن تناول الكالسيوم وإفرازه لدى 155 بالغاً فقط، ويعتقد الأطباء أن هذا العدد البسيط غير كافٍ لتعميم نتائج الدراسة على العالم بأجمعه.
بالإضافة إلى العدد المتواضع للمشاركين في الدراسة، فإن دراسات التوازن هذه تستمر لفترات قصيرة تتراوح من أسبوعين إلى 3 أسابيع، وهي فترة لا تكفي لتحديد كميات الكالسيوم الواجب على الفرد استهلاكها فعلياً بشكل يومي.
وبالرغم من أن الحجة الأساسية لمثل هذه الدراسات أن الحليب يساعد في الوقاية من كسور العظام، فإن الأدلة لا تدعم النظرية القائلة إن استهلاك الحليب مفيد للحد من مخاطر كسور الورك.
على العكس من ذلك، فإن البلدان التي يستهلك أفرادها كميات كبيرة من الحليب والكالسيوم لديها أيضاً معدلات عالية من حالات كسور الورك، حالها كحال البلدان التي لا يستهلك أفرادها كميات كبيرة من الحليب.
وقد أشار الطبيبان إلى دراسة أُجريت عام 2014 فحصت خطر كسر الورك لدى الرجال مقارنة بكمية الحليب التي شربوها خلال سنوات المراهقة.
وأظهرت النتائج أن ارتفاع استهلاك الحليب يؤدي إلى زيادة خطر كسور الورك في وقت لاحق من الحياة.
دراسات ضعيفة تدعم فوائد معينة للحليب
لقد بحثت العديد من الدراسات ما إذا كان استهلاك الحليب مفيداً لإدارة الوزن لدى البالغين والأطفال، ويجادل الخبراء بأن هذه الدراسات لم تظهر أي "آثار واضحة".
علاوةً على ذلك، وعلى عكس نصيحة وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) التي توجه المستهلكين لاختيار منتجات الألبان قليلة الدسم، لا يبدو أن الحليب قليل الدسم له مزايا على الحليب الكامل في التحكم في الوزن.
إذ تشير الأدلة المتاحة إلى زيادة الوزن على المدى المتوسط مع الحليب قليل الدسم مقارنة بالحليب كامل الدسم.
كما أن الأدلة التي تدعم التأثير الإيجابي للحليب على ارتفاع ضغط الدم ومستويات الكولسترول ضعيفة.
وفي حين ربطت بعض الدراسات استهلاك الحليب بانخفاض خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، ربما بسبب ارتفاع مستويات الكالسيوم الموجودة في الحليب أشارت دراسات أخرى إلى زيادة معدلات الإصابة بسرطان الثدي والبروستاتا وسرطان بطانة الرحم مع زيادة استهلاك الحليب.
ولكن عندما يتعلق الأمر بأمراض القلب، فهناك إجماع على أن تناول أطعمة الألبان المعتدلة قد يقلل من أمراض القلب والأوعية الدموية من خلال توفير القيمة الغذائية وخفض نسبة السكر في الدم.