من الطبيعي أن ينتابك شعور بالإحباط والوحدة في الأزمات وتحددياً الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، لكنَّ هناك طرقاً مؤكدة واستباقية لتتخطاها وتتفادى اضطراب ما بعد الصدمة.
ولعل السؤال الأكثر طرحاً على كوكب الأرض في عام 2020:"متى سينتهي هذا الوضع؟ إذا انتهى بالأساس، هل سأكون بخير؟".
تقول الأستاذة المساعدة في الطب النفسي السريري بجامعة كاليفورنيا جنيفر تيتز: "هذه هي الأسئلة التي يطرحها المرضى في عيادتي، ولا يسعني التشديد بما فيه الكفاية على أن الشعور بالقلق الآن أمر طبيعي. وتُعد الإصابة بمرض يهدد الحياة إلى جانب فقدان الأشياء التي نرتكز عليها عادةً، لكمتين متتاليتين يمكن أن تتركا أي شخصٍ على حافة الانهيار".
لكن تعاملك مع التوتر يشكل فارقاً في طريقة تأقلمك في نهاية المطاف.
وتوضح تيتز لصحيفة New York Times أنه يمكنك أن تخلق عادات إيجابية وتقلل أنماط الاستجابة التي تتنبأ بإصابتك باضطراب ما بعد الصدمة، وهو ما يحدث عندما يتسبب لك حدث مروع في أعراض على غرار رؤية لمحات من الذكريات والقلق الشديد.
لكن لسوء الحظ، لا يمكننا انتزاع الحزن والخوف بالرغبة فقط، بل يتطلب اختبار تلك المشاعر دون مفاقمة آلامك، بعض المهارات.
والحقيقة المتفائلة هنا هي أن هناك خطوات مؤكدة يمكنك التدرب عليها لتحسين صحتك النفسية خلال جائحة فيروس كورونا.
تقدير مناعتك الطبيعية
تقول أستاذة علم النفس في جامعة بوسطن والمديرة المشاركة بالمركز الوطني لاضطراب ما بعد الصدمة National Center for PTSD دنيس سلون، إن "الاستجابة الأكثر شيوعاً للصدمات هي الصمود".
وفي الواقع، تتعافى الأغلبية العظمى من الأشخاص الذين يمرون بحدث يهدد حياتهم من تلقاء نفسها ولا تستوفي معايير اضطراب ما بعد الصدمة.
وتقول سلون إن الثقة بتعافي الشخص تزيد الفرص في ذلك، أما توقع حدوث الأسوأ فيتنبأ بارتفاع خطر الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
ولذا، تحفز سلون مرضاها على توسيع وجهات نظرهم والتفكير في أنهم تعاملوا مع الأمر خلال الأوقات الصعبة الماضية، والعودة إلى هذه الرسالة التذكيرية بقوتهم عندما يشعرون بالضعف.
أما بالنسبة إلى من يعانون بشكل أعمق، فتثبت الأبحاث أنه حتى أقوى مشاعر اليأس تتلاشى في النهاية، مع بعض الاستراتيجيات.
احرص على رفع مستوى الرفاه
تقول أستاذة علم النفس بجامعة بنسلفانيا وواحدة من كبار الخبراء في القلق والصدمة إدنا فوا: "إذا كانت هذه الجائحة أصابتك بالهوس، فأنت بحاجة إلى إيجاد طرق لتشتيت نفسك. نحن في منتصف الصدمة، ولسنا فيما بعدها".
وشددت على أننا في أثناء الأزمة نحتاج أخذ فترات راحة لتهدئة أنفسنا؛ بل إن إحدى الدراسات وجدت أن لعبة Tetris في غرفة الطوارئ بعد حادث سيارة، قللت من اكتساب الذكريات الأليمة.
وبينما من الطبيعي أن تغمرك الأخبار السيئة، أضف أنشطة إيجابية إلى روتينك لتعويض الألم.
افعل شيئاً تفعله عادة عندما تشعر بالتفاؤل (دون أن تحوله إلى شيء سلبي، مثل مشاهدة مسلسل جديد أو فقدان النوم).
وبينما قد يُشعرك هذا ببساطةٍ بأنك تقوم بواجب منزلي آخر، يحسن الانغماس في شيء كنت تتمتع به من قبل، والشعور بالامتنان، رفاهيتك العامة ومقاومتك في وقت الأزمة.
بالطبع قد تبدو هذه النصيحة غير مقبولة إذا كان أحد أحبّائك مريضاً، أو كنت تعاني أزمة مالية.
لكن مثلما كتب أ.جاي. جاكوبس، مؤلف كتاب Thanks a Thousand، يمكنك أن تغلب انحيازاتك السلبية من خلال التمهل لملاحظة ما حولك وتقديره والامتنان له.
وقد يعني ذلك أن أخذ لحظات للتفكير في العرفان لن يعطيك راحة من مخاوفك فقط، بل سيساعد الآخرين أيضاً.
وقد تمنح مساعدة الآخرين والتبرع بالمال أو المجهود، في مكافحة الاكتئاب.
تواصَل وشارِك
ومن الموارد الأخرى الموجودة حالياً، ودائماً، الدعم الاجتماعي الملموس؛ وهو الشعور بتخطي هذا الأمر معاً، وأنا جميعنا جزء من المجتمع العالمي ونمر بالشيء نفسه في الوقت نفسه، وهو حدث نادر.
ولتجربة إحساس المجتمع، شاهِد مقطعاً للناس حول العالم وهم يحيّون العاملين في الرعاية الصحية.
وتحدَّث إلى الآخرين عما تمر به واطلب منهم أن يشاركوا ما لديهم في المقابل، إذ يحمي الشعور بالتواصل من الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة.
وإذا كنت تشعر بالوحدة، على غرار كثيرين، فربما يساعدك أن تفكر في منظومة الدعم لديك بشكلٍ أوسع، بداية من العائلة والأصدقاء والجيران.
ويمكن أيضاً أن تحسن المشاركة في النشاطات الصحية الجماعية، مثل الدردشات الافتراضية عن الوعي أو صفوف اللياقة البدنية، من شعورك بالتواصل ومزاجك العام.
أما إذا كنت تحتاج إلى مساعدة متخصصة، فهناك خبراء يمكن استشارتهم، خاصةً إذا كنت تعتقد أنك تعاني اضطراباً نفسياً.
راقِب أفكارك
تؤثر الأفكار بقوة في المشاعر، حتى إن معتقداتك تتنبأ بخطر إصابتك باضطراب ما بعد الصدمة.
احترس من الأفكار التي تحمل اللوم، مثل انتقاد نفسك على عدم امتلاك مدخراتٍ أكثر في حسابك لتكون مستعداً للفصل من العمل، أو في حالة العاملين بالقطاع الطبي، لوم أنفسهم على عدم القدرة على تقديم الرعاية المثلى للجميع.
لن يؤدي لوم النفس إلا إلى الشعور بالعذاب.
راقِب أيضاً الأحكام التي تشحن توترك بقوة، مثل "لا يمكنني التحمل"، وتحوَّل إلى عقليةٍ أكثر تشجيعاً.
تُعد إحدى الطرق التي تُبعد عن الأفكار السلبية هي أن تسأل نفسك: "هل يساعك هذا؟".
والرأفة بالنفس طريقة فعالة للتأقلم مع الألم، وبينما تفعل ذلك، توقَّف عن الحكم على الآخرين.
توقَّف عن التفكير المفرط
هل تشعر بأنك مرغَم على مراجعة تفاصيل عن تجربة مزعجة مراراً وتكراراً؟ الاجترار عادة عقلية فيها تفكر مراراً "لماذا؟" و"ماذا لو؟" بطريقة لا تحل المشكلة بقدر ما تبقيك عالقاً فيها.
إذا كنت تعاني من تلك الدوائر النفسية المفرغة، فالآن وقت ممتاز للتدرب على خطة الخروج منها.
ولمعالجة الأفكار المتعلقة بالجائحة والتي قد تدور بخاطرك، يمكنك أن تكتب مخاوفك في ورقة. إذ تعتبر الكتابة التعبيرية واحدة من الطرق للتفكير دون اجترار.
ومن الأساليب الأخرى، خاصة عندما لا تكون أفكارك مفيدة، أن تنخرط في أنشطة تشغل عقلك، مثل الاستماع إلى أغانيك المفضلة بينما تؤدي تمارين رياضية، أو تحل الكلمات المتقاطعة، أو ترسيخ نفسك من خلال مراقبة 3 مناظر و3 أصوات و3 أحاسيس مختلفة في بيئتك، مراراً وتكراراً.
وعندما تبدأ في اجترار الذكريات، استبدل ذلك بالشعور بالامتنان.
اختر الشجاعة على الابتعاد
إنه أمر فطري أن ترغب في تجنب المشاعر السلبية، لكنك أيضاً لا تريد أن تقمعها أو تبعدها. لاحِظ مشاعرك بدلاً من ذلك، وحدِّد إحساسك واستجِب له بعطف.
يساعد التدرب على الوعي ورؤية تجاربك من خلال منظور، على خلق علاقة صحية مع أفكارك.
حاوِل أن تراقب الأحكام التي لا تفيد قبل أن تدعها تذهب بعطف، تماماً كما يُصنف مرشح الرسائل المزعجة رسائلك.
في نهاية المطاف، من الضروري أن تحقق التوازن في قبول المشاعر الصعبة، دون أن تضاعفها، بينما تقوي من جهازك المناعي العاطفي.
ولاحقاً، عندما ينتهي هذا، إذا وجدتَ أنك صرت "متهرباً بارعاً" على حد وصف فوا -أي شخصاً يحاول الهروب من الأفكار والمواقف التي لم يعد لها ضرر- فتذكَّر أنه من المهم أن تواجه مخاوفك.