ما الذي يجعل حياتك أكثر سعادة مع ضغط العمل أو المهام الكثيرة التي تنتظرك؟ قطعة براوني أو رول كيك أو كرواسون هش أو فطيرة خرجت لتوها من الفرن، ويكون الأمر ممتعاً حقاً عندما تترك هذه المهام وتصنع المخبوزات بنفسك بمزاج وصبر واهتمام دقيق بالتفاصيل، لكن أترى أين المشكلة الوحيدة؟ أنك تسوّف أعمالك الأساسية لتصنع هذه المخبوزات اللذيذة بنفسك.
لهذه العادة اسم علمي، وهو "المماطلة" أو "التسويف"، وهي الترجمة العربية الأقرب للمصطلح الإنجليزي Procrastibake، لكن معناه مختلف قليلاً عما نفهمه بالعربية. المماطلة هنا تعني تأجيل المهام التي يجب عليك القيام بها، وهذا جزء صحيح من توصيف الـProcrastibake، لكن هناك شيء واحد يفعله من يعاني هذه المتلازمة، وهو التلكؤ والهرب عن طريق صنع الخبز والكعك والحلوى والفطائر.
أراك تبتسمين ابتسامة صفراء وتقولين لا، لست أهرب، إنني أحب طهي الحلوى والفطائر والكعك، ومن منا لا يحب هذه المعجنات اللذيذة ورائحتها الدافئة وهي تُخبز على نار هادئة ومشاهدتها وهي تعلو ببطء وتقرمش أطرافها، لكن أنت تفهم ما يقصده العلماء بهذا المصطلح.
تهرب من التفكير في مشكلة جادة تقابلها في الحياة، أو تؤجل مهمة يجب عليك إنجازها بصنع هذه المعجنات اللذيذة. عموماً، نرحب بك في مجموعة "المماطلون"، فهناك آلاف مثلك حول العالم، فنجد على إنستغرام مثلاً أكثر من 40 ألف صورة شهية لأشخاص يشاركونك هذه المتلازمة.
بعد جولة لدقائق بين هذه الصورة، أحب أن أخرج عن نص الموضوع وأضيف رأيي: إذا كان كل هؤلاء الذين ينشرون الميمات حول هذه العادة، يماطلون في إنجاز أشياء ما في حياتهم لإنجاز هذه المعجنات والمخبوزات الشهية التي يسيل لها اللعاب، فلا بأس أن يماطلوا لإنتاج هذه القطع الفنية لجعل العالم مكاناً أجمل.
عودة إلى حديثنا، هذه العادة الموجودة منذ أمد بعيد أصبح لها وصف يتداوله الخبراء بالعام 2008، ثم انتشر أكثر بين الناس بعد 10 أعوام مع اكتشاف أناس كثيرين أنهم مدمنون لها.
لكن نقطة نظام فقط، مع الحجر الصحي الحالي أصبح التعريف مرتبطاً بشكلٍ ما بـ"خبز الحجر الصحي" أو Quarantine Baking لكن هذا أمر آخر، مرتبط بوقت الفراغ الأطول الذي بتنا نملكه مع العمل المنزلي، وأصبح بعضنا تسطير عليه متلازمة الخبز في الحجر الصحي، كما أوضح موقع Mother Nature Network الأمريكي.
وليكن بعلمك أن بعض أشهر الطهاه يملكون هذه العادة أيضاً، ومن يدري، ربما هي سبب لشهرتهم بالأكلات اللذيذة! كونهم يصبون تركيزهم على صنع الطعام رغم أنهم يتركون مهامهم الأخرى.
مثلاً، نجد الطاهي جيري جيمس ستون، وهو طاهٍ شهير على يوتيوب حققت مقاطع الفيديو التي ينشرها أكثر من 28 مليون مشاهدة منذ تأسيس القناة، نجده هو أيضاً يسوف أعماله اليومية مقابل الخبز والطبخ، إذ يقول: "في بعض الأحيان يجب أن أقوم بغسل الملابس أو أي شيء آخر، لكني أقرر الطهي لاختراع وصفة جديدة، فوصفة التسويف المفضلة لدي هي White Chocolate Blondies".
لذلك، فإن الجانب الإيجابي بشأن هذا النوع من التسويف أنك تنفذ بالفعل شيئاً عملياً، فأنت تبتكر وصفة جديدة أو تصنع كيكة لذيذة، فضلاً عن حصولك على التسلية والمتعة، على عكس عادات التسويف الأخرى مثل مشاهدة التلفزيون أو قضاء ساعات على مواقع التواصل الاجتماعي.
كذلك يعتقد العديد من الكتاب أن التسويف هو جزء من عملهم، كونه يسمح لهم بالدخول في "حالة تدفق" تؤدي إلى التفكير الإبداعي. إذ قالت كاتبة الروايات الأمريكية ميا هويكنز لصحيفة "نيويورك تايمز": "عندما تفرغت لكتابة الروايات بدوام كامل كان عليّ أن أجد طريقة جديدة للمماطلة. وجدت ذلك في الضغط على العجين، وتقطيع الفاكهة، وتزيين الكعكة. هذه التفاصيل تساعدني على الخروج من تشابك الكلمات في رأسي والعالم المادي، وتساعدني على الإنجاز لاحقاً".
الفارق الجوهري بين صنع المخبوزات في هذه الحالة وبين صنعها باتباع الطرق المنشورة على الإنترنت كوجبات الطعام اليومية، أن صنعها هنا يتميز بالإبداع واستخدام المكونات المتوفرة، وتأليف وصفات جديدة لمخبوزات شهية، لأنهم يصبون تركيزهم على الإحساس بتفاصيل الوصفة، ويبدأون في تجربة إضافات جديدة ربما تصنع وصفة ألذ.
لكن نصيحتنا مع هذا الحجر الصحي الذي يبدو أنه سيطول قليلاً: إذا كنت تملك هذه العادة فحاول أن تسيطر عليها وتكبح جماحها، فأنت تجلس بالمنزل بلا حركة يومية أو رياضة، ولديك وقت فراغ طويل، وبالتأكيد لا تريد أن تنهي الحجر وأنت ترى رقماً صادماً على شاشة ميزانك.