"يشك في أنني أخونه رغم أني أجلس معه 24 ساعة"، "بمجرد أن يستيقظ يبحث عن سبب للشجار وإن اعترضت يضربني"، "تشاجر مع زوجته، وانتهى الأمر برمي ابنتيه من شرفة الطابق الثاني"، "تبتزني عائلتي بالمال مقابل العيش معهم أنا وابني"، هذه بعض التجارب السيئة لسيدات وفتيات حول العالم مع الحجر المنزلي الذي ألزم أكثر من ثلث سكان العالم (2.5 مليار شخص) على ملازمة منازلهم لوقف انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19).
إذ سجل العنف المنزلي ارتفاعاً كبيراً في دول أجنبية وعربية، زادت فيها الاتصال بالخطوط الساخنة للدعم الأسري أو الشكاوى على الإنترنت، ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة للمطالبة بحماية النساء والفتيات من "العنف الذي لا يقتصر على ساحات المعارك".
كما حذر من طفرة عالمية مروعة في العنف المنزلي الذي رأينا نموذجاً عنه بالصوت والصورة في إيطاليا، حيث ضرب رجل زوجته التي خرجت إلى شرفة منزلها لعزف الموسيقى، لذلك أعلنت الأمم المتحدة عن حلها لمواجهة هذا العنف المتزايد، والذي يتمثل في الاستعانة بالصيدليات والمحلات التجارية.
دعوة أممية لوقف "الطفرة المروعة": لأن المنازل باتت المكان الأخطر
دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لحماية النساء والفتيات اللواتي لجأن إلى بيوتهن في جميع أنحاء العالم خلال فترة الحجر الصحي.
وأشار إلى تسجيل "طفرة مروعة" في الأسابيع الأخيرة من العنف المنزلي، داعياً الحكومات للتحرك السريع، عبر مقطع فيديو تحدث فيه بالإنجليزية وترجم إلى اللغات الفرنسية والعربية والإسبانية والصينية والروسية، ونقلته وكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب).
شعور الخوف من العنف لدى النساء وصفه غوتيريش قائلاً: "إن أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف هو المكان الذي يُفترض به أن يكون واحة الأمان للعديد من النساء والفتيات. إنّه المنزل"، مشيراً إلى تزايد طفرة العنف المنزلي بالتزامن مع تزايد الضغوط الاقتصاديّة والاجتماعيّة وتنامي المخاوف بشأن الفيروس الذي أصاب حتى ظهر الثلاثاء 7 أبريل/نيسان أكثر من مليون و400 ألف شخص حول العالم، وقتل أكثر من 75 ألفاً آخرين.
ثم حث حكومات العالم على اتخاذ إجراءات لمنع العنف ضدّ المرأة وجبر الضرر الواقع من جرّاء هذا العنف، على أن يكون ذلك جزءاً رئيسياً من "خططها الوطنيّة" للتصدّي للفيروس المستجد، وطالبها أيضاً بمقاضاة المعتدين، وتوفير ملاجئ للنساء المعنفات.
في أسبوع واحد: العنف ضد المرأة تزايد بشكل غير مسبوق حول العالم
الأمم المتحدة قالت إنّها غير قادرة على تحديد عدد النساء أو الفتيات اللواتي يتعرّضن لعنف أسري حول العالم نتيجة الحجر المنزليّ في هذه الفترة، لكنّها أشارت إلى أنّ واحدةً من كلّ ثلاث نساء تتعرّض للعنف خلال حياتها.
لكن تفصيلاً؛ إذا نظرنا إلى الدول الأوروبية، نجد زيادة صارخة في نسبة التبليغ عن التعرض للعنف المنزلي.
ارتفعت على سبيل المثال حوادث العنف المنزلي في فرنسا بنسبة 32% في مناطق وبنسبة 36% في مناطق أخرى خلال الأسبوع الأول فقط من الحجر الذي بدأ في 17 مارس/آذار، وفق تصريحات وزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستانير، التي نقلتها شبكة Euronews الفرنسية.
أما في بريطانيا، فقد سجلت نسبة قريبة، إذ شهد خط المساعدة الوطني للإساءات المنزلية زيادة بنسبة 25٪ في المكالمات منذ إعلان الحجر المنزلي، لكن النسبة زادت أضعافاً عبر الإنترنت إذ وصلت إلى 150%، حسب تصريحات لمفوضية اللاجئين الخيرية نقلتها شبكة الإذاعة البريطانية BBC.
الاعتداءات المسجلة تنوعت بين النفسي والجسدي واللفظي في البلد التي سجل العام الماضي 1.6 مليون اعتداء على سيدات في إنجلترا وويلز فقط، في ظروف لم تشمل حجراً صحياً لـ24 ساعة يومياً و7 أيام بالأسبوع يجتمع فيها أفراد الأسرة في منزل مغلق يمنع الخروج منه إلا لضرورة.
عالمنا العربي ليس بعيداً عن التعنيف الأسري
المثير للقلق أن هذه الإساءات ليست بعيدة عن عالمنا العربي، ففي تونس أطلقت الحكومة خطاً ساخناً لتمكين النساء من التبليغ عن تعرضهن للعنف المنزلي بعد تسجيل زيادة 5 أضعاف بنسبة العنف اللفظي والجسدي خلال 6 أيام فقط من بداية الإغلاق التام المفروض في 22 مارس/آذار.
كما وفرت تونس خطوطاً مجانية لتقديم استشارات نفسية وأسرية واجتماعية للأزواج والأسر خلال 24 ساعة يومياً، كذلك وفرت مركز إيواء للمعنفات، وفق تأكيد وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن التونسية، أسماء السحيري العبيدي، في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية (أ ف ب).
أمّا في لبنان فقد شهد الخط الساخن المخصّص لتلقّي شكاوى العنف الأسري في قوى الأمن الداخلي ارتفاعاً بنسبة 100% في عدد تبليغ الحالات لشهر مارس/آذار 2020، مقارنةً بعدد الحالات في العام 2019، وفق جريدة "النهار" اللبنانية، فيما حذرت أكثر من منظمة مناصرة لحقوق المرأة في لبنان من تزايد الأزمة بشكلٍ لا يمكن السيطرة عليه بعد انتشار أخبار عن حوادث مخيفة أبرزها إلقاء زوج لابنتيه (17و20عاماً) من الشرفة بعد شجار مع زوجته.
الأردن أيضاً ليس ببعيد، فقبل أيام، انتشر مقطع فيديو لشابة أردنية مطلقة وأم لطفل وحيد، تدعى إيمان الخطيب تتحدث عن تعرضها للتعنيف والترهيب والضرب من قبل عائلتها بسبب مشاكل مادية تتعلق بالنفقة والإرث.
وأشارت الخطيب في مقطع الفيديو المباشر (Live) الذي استمر لـ20 دقيقة إلى طلبها المساعدة من أكثر من شخص وجهة، لكن الرسمية منها لم تتجاوب لانشغالها بأزمة كورونا الراهنة، وأكدت اضطرارها لتحمل العنف لعدم وجود مكان آخر تلجأ إليه. وقد شجع هذا الفيديو العشرات على مشاركة تجاربهن وتجارب من يعرفونهن مع العنف الأسري.
كيف تهرب النساء؟ الحل في الصيدليات ومحلات البقالة!
رغم جهود الحكومات العربية والغربية لمكافحة العنف الأسري المتزايد حالياً، لكن بعض النساء لا يستطعن التواصل مع الأرقام الساخنة للتبليغ عن تعرضهن للعنف الأسري، خاصةً في وجود أزواجهن أو أقاربهن بالمنزل أغلب الوقت أو كله.
لذلك استخدمت النساء حيلة للتبليغ اعتمدتها الأمم المتحدة وطلبت تفعليها بشكلٍ رسمي من حكومات الدول، وهي التبليغ عن طريق الصيدليات ومحلات البقالة، كونها الأماكن الوحيدة المفتوحة حالياً في معظم دول العالم، وأيضاً هي أمكنة لا يشتبه الزوج في زوجته إن ذهبت إليها خلال فترة الحجر.
عودةً إلى كلمة الأمين العام للأمم المتحدة سالفة الذكر، نجد أنه طالب بـ "إنشاء أنظمة إنذار طارئة في الصيدليّات ومحلات البقالة"، كونها "الأماكن الوحيدة التي لا تزال مفتوحة في بلدان كثيرة، واعتبارها أيضاً سبيلاً آمناً للنساء لالتماس الدعم، من دون أن يتنبَّه المعتدون إلى ذلك".
ويبدو أن دعوة الأمم المتحدة لاعتماد هذه الطريقة للإبلاغ جاءت بعد استخدامها من قبل مئات النساء في دول أوروبية أبرزها فرنسا وإسبانيا اللتان اعتمدتاها رسمياً بالفعل، حيث قامت النساء هناك بتقديم معلوماتهن حول تعرضهن للعنف المنزلي لأقرب صيدلية من منزلهن، لتقوم الصيدليات بإبلاغ الشرطة التي تقوم بدورها بإلقاء القبض على الأزواج المعتدين، وفق تجارب نقلتها شبكة NBC News الأمريكية.
وفي بعض الحالات التي لم تستطع فيها النساء الشكوى مباشرةً للصيدلي، استخدمت بعضهن كلمات سر، إذ تقول الواحدة منهن "قناع 19-mask 19" للصيدلي فيفهم مباشرةً أنها تريد الإبلاغ عن تعرضها للعنف المنزلي، وفق تقرير شبكة CNN الأمريكية.