لا شك في أن قوة جهاز المناعة تلعب دوراً مهماً لدى الإنسان في عملية الشفاء من فيروس كورونا، لذلك جميعنا نعلم أنّ جهاز المناعة يضعف مع تقدُّمنا في العمر، وهذا هو السبب الرئيسي لجعل مَن تجاوزوا سن الـ70 عاماً أكثر عرضةً للإصابة بالمرض.
الشفاء من فيروس كورونا يتعلق بالمناعة القوية.. ولكن
الأمر الذي بات واضحاً هو أنّ العُمر مُجرّد رقم حين يتعلّق الأمر بالصحة المناعية، إذ قال شاي شين-أور، أحد أخصائيي المناعة إن بعض الأشخاص الذين يبلغون 60 عاماً قد يملكون جهازاً مناعياً لشخص يبلغ 40 عاماً، والسبب الرئيسي هنا أنهم يهتمون بمناعتهم بشكل جيد.
الجهاز المناعي لدى الإنسان مُعقَّد للغاية
يعتبر جهاز المناعة لدى الإنسان مُعقّداً بدرجة كبيرة؛ إذ إنّه ثاني أكثر الأجهزة تعقيداً داخل الجسم، بعد الدماغ.
طبعاً سبب التعقيدات هو أنه يتكوّن من مئات الأنواع من الخلايا وجزيئات الإشارة التي يتحكّم فيها نحو ثمانية آلاف جين، والتي تتفاعل داخل شبكة من التعقيد.
لذلك فإن أجهزة مناعتنا تتدهور تدريجياً مع تقدُّمنا في العمر، إذ يبدأ هذا "التشيُّخ المناعي" وتزداد احتمالية إصابتك بمرضٍ خطير أو موتك.
وأثناء موسم الإنفلونزا الشتوية التقليدي مثلاً، لا يمرض الكثير ممن هُم دون الـ65 من عمرهم بدرجةٍ تتطلّب دخولهم المستشفى. في حين أنّ 20% ممن تتراوح أعمارهم بين 65 و74 عاماً يُنقلون إلى المستشفى عند إصابتهم بالإنفلونزا، رغم أن الغالبية العُظمى منهم لا يموتون في النهاية.
كما يُمكن أن تتزايد سرعة تشيُّخ الجهاز بسبب العوامل المرتبطة بأسلوب المعيشة، إذ نجد عادةً أنَّ المُدخنين، أو من يُعانون من السمنة هم أكثر عرضةً لامتلاك جهاز مناعة أكبر عمراً من سنواتهم الزمنية، فضلاً عن أنّ نمط الحياة الخامل يُمثّل عامل خطر آخر.
ما هو العمر المناعي؟
دفعت كل تلك الأشياء السابقة الأطباء والعلماء للوصول إلى مفهومٍ جديد يُسمى العمر المناعي.
وهو يُشبه العُمر الزمني الذي يستخدم البصمات الكيميائية، التي تُضاف تدريجياً إلى الجينات طوال العُمر، لقياس المدة التي اجتازها المرء على مسار الشيخوخة، بغض النظر عن عدد السنوات التي مضت على أرض الواقع.
ومعرفة عمرنا المناعي يُمكن أن يساعد الأطباء في الحُكم على مدى قابليتنا للإصابة بمرضٍ ما، وهذا قد يُساعدنا جميعاً في الحفاظ على جهازنا المناعي وتقويته.
كيف نقيس عمرنا المناعي؟
حتى وقتٍ قريب، كان من المُستحيل قياس العمر المناعي، ولكن في العام الماضي، كشف فريقٌ بقيادة شين-أور ومارك ديفيس من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا عن طريقةٍ لفعل ذلك.
وباستخدام نهج "علوم الأوميكس"، الذي يفحص المجموع الوراثي للإنسان (جينوم)، وجهازه المناعي، ووظائف البروتينات في جسده، عكف الباحثون على مراجعة الأجهزة المناعية لـ135 شخصاً من فئتين عُمريتين: 20 إلى 31 عاماً، و60 إلى 96 عاماً.
ثم كرّروا تلك القياسات عدة مرات على مدار تسع سنوات، واكتشفوا أن أجهزة المناعة البشرية تتبع مساراً يُمكن التنبُّؤ به.
إذ قال شين-أور: "يُمكننا أن نُعطيك رقماً يُوضّح موقعك على طول هذا المسار. وهذا هو عُمرك المناعي. وهو يُمثّل آليةً فعّالة للغاية في التنبُّؤ بالوفاة نتيجة مُختلف الأسباب".
تخبُّط عمل الخلايا المناعية مع التقدم في العمر
النهج الأساسي للحفاظ على انخفاض عُمرنا المناعي يرتبط بحقيقة أن بعض الخلايا المناعية تبدأ في التصرف بشكلٍ خاطئ مع تقدُّمنا في العُمر.
ويُمثل هذا إشكالية خاصة لفئة من الخلايا المناعية التي تُدعى الخلايا الحُبيبية المُتعادلة (العدلات)، وهي أكثر أنواع خلايا الدم البيضاء شيوعاً.
وتُمثّل كذلك جزءاً من جهاز المناعة الفطري، الذي يُعتبر خط الدفاع الأول عن الجسم ضد العدوى، وهو بالنسبة للجهاز المناعي أشبه بحرس الحدود الذي ينطلق في دوريات دون كلل داخل مجرى الدم بحثاً عن البكتيريا الضارة.
وحين تكتشف العدلات أي أجسام مُتسلّلة، تنطلق من الأوعية الدموية في اتجاه الهدف لتطردها بواحدةٍ من ثلاث طُرق:
- ابتلاعها
- رشّها بالمواد الكيميائية القاتلة
- الانتحار بالتخلّي عن الحمض النووي
ويُطلق على العملية التي تصنع من خلالها تلك العدلات أنفاقاً عبر الأنسجة اسم: "الانجذاب الكيميائي"، ويزداد عدم انتظامها مع تقدُّمنا في العمر.
الفيتامينات الحيوية
الفئة الأخرى من الخلايا المناعية التي تبدأ في الاختلال بالتزامن مع تقدُّمنا في العمر هي الخلايا التائية.
وهي خلايا محورية في عملية الاستجابة المناعية التكيّفية -وهي الجزء الأكثر استهدافاً في الجهاز المناعي- لكنّ "التشيُّخ المناعي" يُفسدها بطريقتين.
فكما هو الحال مع العدلات، فإنّ مسارات الإشارة الداخلية الخاصة به تنحرف، فضلاً عن أنّ الالتهابات تُحدّد حركتها. ولكن ربما تكون هناك طريقة بسيطة لوقف هذا الضرر.
والإجابة هنا هي تناول فيتامين "إي" و "د" كونهما يُعزّزان الوظائف المناعية.
الغدة الزعترية
السبب الآخر لتراجع جهاز المناعة مع التقدُّم في العمر يأتي من عضوٍ حيوي، ولكنّه غير معروف، يُسمى الغدة الزعترية، وهي موجودة على القصبة الهوائية أعلى القلب خلف عظمة القص.
وهذه الرقعة من الأنسجة اللمفاوية، على شكل قلب، هي مكان نُضج الخلايا التائية الجديدة قبل إطلاقها لخدمة الجسم.
وتنشط بشدة في مرحلة الطفولة، ثم تتراجع مع التقدُّم في العمر، لتتقلّص بنحو 3% سنوياً بعد بدء البلوغ.
وفي أواخر مُنتصف العمر، تكون قد تقلّصت في الحجم كثيراً، وتتراجع أعداد الخلايا التائية على نحوٍ كبير.
ويُمثّل تجديد الغدة الزعترية مجالاً نشطاً لأبحاث مكافحة الشيخوخة. إذ حاول بعض الناس تجديد غدتهم باستخدام هرمونات النمو البشري. ولكن هناك تدخلاتٌ غير دوائية.
إذ إنّ جزءاً كبيراً من أسباب تدهور الغدة الزعترية يرجع إلى الخمول البدني.
وهناك بعض الاقتراحات القوية من التجارب الحيوانية التي تُشير إلى أنّ التدريبات تحول دون انتكاس الغدة الزعترية، وربما تزيدها قوة الجهاز المناعي.
ممارسة رياضة الركض
الرياضة تساعد كثيراً على تقوية الجهاز المناعي، وخاصة الركض، إذ إنّ نشاط العضلة الهيكلية يُعَدُّ مضاداً للالتهابات، ومُحفّزاً للخلايا البلعمية.
والعضلة الهيكلية هي عبارةٌ عن نسيجٍ لتنظيم الاستجابات المناعية في الجسم، والحفاظ على وظائفها بالنشاط الجسدي له الكثير من الفوائد الصحية. فالتدريب مُفيدٌ لكافة الأعمار.
نصيحة: زد عدد الخطوات التي تمشيها يومياً إلى 10 آلاف خطوة.
أنواع الأطعمة
طبيعة الطعام الذي تتناوله مهمة أيضاً لجهازك المناعي، والآن هو الوقت الأنسب للعناية بالفلورا المعوية.
إذ إنّ هناك أدلة جيدة على أنّ المُعينات الحيوية تستطيع تعزيز جهاز المناعة، وأنّ سوء صحة الأمعاء يُعَدُّ من أسباب الشيخوخة المُبكّرة، وأنّ الميكروبيوم الصحي يُمكن أن يخفض عمرك المناعي.
وهناك الكثير من الأشياء التي يُمكنك فعلها من أجل الحفاظ على قوة الفلورا المعوية، وهذا يشمل: الاعتماد على نظامٍ غذائي صحي مُتنوّع وغني بالألياف، والمواد النباتية، فضلاً عن الأدلة المُتوافرة على فوائد تغييرات الأنظمة الغذائية الأخرى، مثل الصيام.
النظام الغذائي المناعي
يُعَدُّ "تحديد السعرات الحرارية" واحداً من أنجح استراتيجيات مُكافحة الشيخوخة المُكتشفة حتى الآن.
إذ يتطلّب هذا النظام خفضاً دائماً لجرعات الطاقة بنسبةٍ تصل إلى 60%.
وتبيّن أنّ هذا النظام يزيد فترة حياتك وصحتك وعدد سنوات عمرك الخالية من المرض بنهاية حياتك.
خفض السعرات الحرارية
يُعالج بعض الناس أنفسهم بعقار الراباميسين، رغم أنّه غير مُعترف به رسمياً بوصفه دواءً مُضاداً للشيخوخة أو مُعزِّزاً للمناعة.
ولكن هناك وسائل أخرى مثل الصيام المُتقطّع، الذي يُعَدُّ حالةً مُؤقتة من تقييد السعرات الحرارية.
وهناك العديد من الأنظمة المُختلفة مثل الصيام لـ16 ساعة، الذي ينطوي على تجنُّب السعرات الحرارية بالكامل لمدة 16 ساعة، وتناول الطعام خلال الساعات الثماني المُتبقية من اليوم.
وحتى في حال فعل ذلك لمرةٍ واحدة أسبوعياً؛ فهذه طريقةٌ فعّالة لإبطاء الشيخوخة وتقوية جهاز المناعة.