من الصعب مقاومة الرغبة في لمس وجهك. هذا صحيح، وحقيقة غير قابلة للجدل مرتبطة بالوجود الإنساني منذ فترة. الآن، تواجه البشرية أزمة لمس الوجه أثناء تفشِّي فيروس كورونا . أثار الفيروس ارتباكاً وشكوكاً على نطاق واسع، لكنْ هناك إجماع بين مسؤولي الصحة العامة أن أولى الخطوات التي قد تتخذها لتحمي نفسك والآخرين هي غسل اليدين كثيراً، وإبقاء هذه الأيدي بعيدة عن وجهك.
يخبرنا العلم بأن قول هذا الأمر أسهل كثيراً من فعله. وجدت إحدى الدراسات حول "معدلات ملامسة اليد للوجه" أن الأشخاص محل الدراسة لمسوا وجوههم أكثر من 15 مرة في الساعة. وسجل باحثون في أستراليا هذا معدل بأنه يصل إلى 23 مرة في الساعة، وفقاً لما نشره موقع مجلة The New Yorker الأمريكية.
إلى أي مدى تنتشر عادة لمس الوجه؟
وعادة لمس الوجه منتشرة إلى حد أن المجتمع يوصم هذا الفعل. فطوال حياتنا، يُقال لنا ألا نلمس وجوهنا، خاصة أمام العامة، من أجل الآداب العامة. إنه سلوك سيئ أن تفرك عينيك وأنت جالس على طاولة حفل عشاء، وليس من الحكمة أن تعبث ببثرة في وجهك في مقابلة وظيفة جديدة.
هناك رفض قوي لمسألة استكشاف فتحات الوجه تحديداً، مثل نكش الأنف، واستخراج شمع الأذن، واستخدام أظافرك في إزالة بقايا الطعام الملتصقة بإحدى أسنانك، ربما لأن الدافع لتأدية هذا النوع من سلوكيات التنظيف الخفية قوي للغاية.
وعلى الرغم من احتمالية النبذ المجتمعي، والخوف من إثارة غثيان الأصدقاء والجيران، ومعرفة أننا عرضة لنقل البكتيريا لأجسامنا، أو منها إلى الآخرين عبر المساحات المشترك، يبدو أن لا شيء من كل هذا كافٍ لإيقافنا عن وكز وشد وفرك وجوهنا.
أوردت مقالة في صحيفة Washington Post الأمريكية من الأسبوع الماضي، تفاصيل حوادث لسياسيين يزيلون شعرة من جباههم، ويلعقون أصابعهم لتقليب الأوراق بعد ثوانٍ من تحذير الأمريكيين للامتناع عن مثل هذه السلوكيات. اختصاراً، ذكرتنا أزمة فيروس كورونا أنه على الرغم من كل المظاهر والأناقة، أننا بدون وعي كامل نرتكب أفعالاً ضارة وغير متحضرة.
لمس الوجه أثناء تفشِّي فيروس كورونا..لمحة من التاريخ قبل الأزمة
تلازمنا ملامسة الوجه عبر التاريخ، فهي مُخلدة في الأعمال الفنية والأدبية. تظهر تصورات الرسامين لآدم وهو يطرد من الجنة ويداه تغطي عينيه من الخزي. وتتردد أصداء صور ملامسة اليد للوجه في أغاني شعراء البطولة.
فكر في روميو، وهو يحدق في جولييت من شرفتها، فكر في أيقونات بارزة أخرى مثل منحوتة المفكر لرودان، ولوحة الصرخة للرسام مونك، وصرخة الممثل الطفل آنذاك ماكولي كولكين في فيلم وحدي بالمنزل، والدكتور إيفل في فيلم "أوستن باورز" الذي يضع خنصره على شفتيه كثيراً.
الكُتاب على وجه الخصوص تتأصل فيهم عادة لمس الوجه. افتح كتاباً ما وانظر إلى صورة المؤلف، ستجد أن رأسه تستند إلى يديه، إنها وضعية بها مزيج من الفكر، واللامبالاة، والإعجاب بالذات، وهو إشارة عالمية واضحة تقول "أنا أديب".
وينعكس لمس الوجه في لغتنا الجديدة المتمثلة في الصور الساخرة والرسائل القصيرة، مثل إيموجي "الابتسامة التعبيرية" قرد الحكمة الذي لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم. كيف ستكون الحياة إذا كان هناك فصل صارم للأيدي عن الوجه؟ كيف كانت ستبدو الثقافة في المستقبل؟ إنها أسئلة تجعلك تتحير قائلاً "همممم"، لتفكر في الأمر بشكل أعمق.
عندما تتعقد الأمور البسيطة
على جانب آخر قد تتعقد نظرتنا للأنشطة اليومية الأساسية. فبدون ملامسة وجهك، من الصعب أن تأكل وتشرب، على الأقل بالطريقة الحديثة المتحضرة، مثل بلع الخبز مع القهوة وأنت تتحرك. من الصعب أن تقابل العالم بوجه لائق.
تصفيف الشعر، وتشذيب الحواجب، ووضع مساحيق التجميل، ووضع مرطب البشرة، وواقي الشمس، دون استخدام الأيدي كلها مهمات صعبة.
وسيصبح التواصل مهدداً أيضاً. تخيل أنك تنادي صديقاً عبر الشارع. ولتجعل صوتك مسموعاً وسط الزحام المروري، تحيط فمك بيدك وتصنع مكبر صوت صغيراً، ثم يحيط صديقك أذنه بيده مثلاً. هذه ملامسات وجه عفوية، وفي واقعة واحدة.
بعض أكثر التصريحات التي ندلي بها فصاحة لا تحتاج لكلمات منطوقة. لكن قاموس الإيماءات لدينا سيصبح فقيراً إذا أزلنا من المعادلة ملامسة اليد للوجه. سيتوجب علينا إيجاد طريقة للإشارة إلى الزهو والغرور دون أن نرفع طرف الأنف، بالطبع التحدي الأكثر إلحاحاً الآن هو السيطرة على ملامسة يد المرء وجهه بإهمال.
الوعي بالأفعال
قدم دارسو المخ تفسيراً ممكناً. افترض معدّو دراسة نُشرت في عام 2014 أن "لمس الوجه التلقائي" تساعد في البحث عن ذاكرة ما، أو معالجة المعلومات، أو تنظيم المشاعر. مثل العديد من أصحاب العمل الحر في مجال المعلومات، أؤدي عملي في حالة شبه دائمة من الذعر الأعمى، أحني ظهري أمام الشاشة لساعات متواصلة.
فبدون هذه اللمسة الذاتية المطمئنة، والقليل من التدليك لتهدئة الأعصاب وإطلاق الوصلات العصبية العضلية، ربما تتوقف المنظومة كلها عن العمل.
الأمر أصبح شبه ساخر؛ فقد جاءت نصائح إيقاف لمس الوجه بالأيدي المخففة للتوتر – بحسب الدراسة – في الوقت الذي أصبحنا فيه أكثر توتراً، وأكثر عرضة من ذي قبل لردة الفعل التي تجعلنا نمد أصابعنا نحو وجهنا في محاولة لاستعادة التوازن.
ربما هناك سبب أعمق وراء، أننا نجد أنفسنا الآن أكثر من أي وقت مضى، لدينا رغبة في ملامسة وجهنا. في عصر الطاعون الجديد هذا، عندما غُمرت عناوين الأخبار بأنباء الحجر الصحي، وزيادة معدلات العدوى، الاحتمالات المرعبة التي تلوح في الأفق، فربما يلبي لمس الوجه احتياجاً روحانياً جسدياً لا واعٍ، يؤدي وظيفة نقطة تحقق ذاتي برغم سلبية الأمر بشكل عام، وخطورته هذه الفترة بشكل خاص.