هل تشعر أن عليك عبء الإجابة عن تساؤلات صغيرة كل يوم، بمعنى أنك بالتأكيد تسأل نفسك ماذا ينبغي أن أتناول اليوم في وجبة الغداء؟ كم من المفترض أن أدخر هذا الشهر، أي المنتجات أحتاجها وأيها من الممكن الاستغناء عنه؟
نعم حياتنا عبارة عن جملة من القرارات، وفي تلك المواقف، ومواقف مشابهة لا حصر لها، يشعر الناس أنهم المتحكمون في اختياراتهم، لكن الحقيقة أنهم تلقوا دفعة محفزة لتفضيل خيار على الآخر، فكيف يعمل كل هذا التحفيز داخل العقل؟
أنت عبارة عن عقلين (أو أكثر)
أظهر علماء الأعصاب أن العقل البشري لا يشبه حاسوباً آلياً، بل يعتمد على العديد من الأنظمة البسيطة نسبياً، يوجد بعضها داخل الرأس وبعضها موزع في جميع أنحاء الجسم.
وحسب مجلة The National Interest الأمريكية، وهذه الأنظمة لا تكون على وفاق دائماً؛ إذ تصبح بعض الأنظمة أنانية وقصيرة النظر، وبعضها يهتم بالعلاقات مع الآخرين وبعضها يعطي الأولوية للأمور السامية مثل الله ومستقبل البشرية.
بالإضافة إلى ذلك، يتباين إدراك الناس لكل آلية، ومن ثم تجد نفسك أحياناً تتخذ القرارات بعناية وبشكل مدروس وفي أحيان أخرى تتخذها بشكل حدسي بحت.
عندما تكون أنظمتك في حالة خلاف، فإن تحديد النظام الذي يُملي عليك قرارك التالي يعتمد على طبيعة الأمور التي تحدث حولك في هذه اللحظة.
على سبيل المثال، قد ينظر مريض داء السكري إلى مسؤولياته الصحية والعائلية بعناية حين يدخل أحد المطاعم ويفكر في تناول الطعام الصحي بدلاً من الخبز، لكنه في مرة لاحقة قد يستجيب لرائحة الخبز ومن الممكن أيضاً أن يتناول كل ما في سلة الخبز ويرضخ للنظام غير الصحي.
مناشدة معاييرك الداخلية
تعتمد إحدى طرق التحفيز على تسليط الضوء على قرارات الآخرين الذين قد يحسبهم الشخص مؤثرين.
ومن المثير للاهتمام، أن مثل هذه المحفزات، سواء كانت وفقاً لمعايير اجتماعية أم شخصية، لا تسري على الجميع؛ إذ قد يستجيب البعض بشكل أفضل من غيره في بعض الثقافات (على سبيل المثال، في المجتمعات الآسيوية) ومع بعض الفئات العمرية (مثل في حالة الشباب الأصغر سناً) أكثر من ثقافات وفئات عمرية أخرى.
تمهيد السبيل أمام اختيار مرغوب؟
تعتمد إحدى السبل الأخرى لدفع الناس لاتخاذ قرار ما، على تغيير بيئة القرار، بمعنى أنه إذا افترضنا أن متجر بقالة يحاول تشجيع المستهلكين على شراء منتجات مسؤولة بيئياً، مثل دفاتر الملاحظات الورقية المعاد تدويرها. إذا عرضت جميع المنتجات الصديقة للبيئة معاً في شاشة عرض، سوف يلحظها الناس وتنشط معاييرهم الداخلية.
لكن هذا النشاط قد لا يُترجم إلى عمليات شراء متعددة، لأن شراء منتج واحد فقط يكفي للوفاء بالغرض.
ولكن إذا عرضت المنتجات في جميع أنحاء المتجر، يمكن عندئذ لعدة شاشات عرض موزعة داخل المتجر أن تعيد حث المعايير الداخلية في كل مرة، فيحتمل للمستهلك حينها إجراء عمليات شراء مسؤولة بيئياً أكثر في رحلة التسوق نفسها.
لا يعد تحفيز الناس خداعاً. ففي معظم الحالات، يعمل التحفيز عن طريق تعزيز قرار بعينه أو استثارة أهمية سلوك ما. إذا كنت ميالاً بالفعل لأمر ما، مثل الالتزام بتناول الأطعمة الصحية، ستساعدك دفعة بسيطة على توجيه آلياتك العقلية في هذا الاتجاه. فما التحفيز إلا عملية تعزيز، خاصةً في الحالات التي تتعارض فيها آلياتك لاتخاذ القرار مع بعضها، كما هو الحال عندما تفوح رائحة الخبز الطازج في الهواء.
في الوقت نفسه، تعد الرائحة الفواحة هذه دفعة محفزة في حد ذاتها؛ قد تتعزز عن عمد لتشجيع الاستهلاك الجلي الذي يحسن المزاج وقد يؤدي إلى مزيد من الإنفاق أو دفع إكراميات أكثر، ويمكن للتحفيز أن يعمل على تعزيز أو قمع السلوكيات الحميدة، وتقع مسؤولية استخدام المحفزات بحكمة وبحس المسؤولية على عاتق الشركات والمؤسسات.
جدير بالذكر أنه لا يمكن للتحفيز أن يجبر الناس على فعل شيء لا يرغبونه، برغم أن الرغبة تكون موجودة بشكل غير واعٍ في بعض الأحيان، وتكون كامنة في الخلفية؛ إذ إن التحفيز لا يفعل أي شيء إلا أنه يشجع الناس على متابعة قرار أو سلوك قد تطغى عليه حالياً عوامل أخرى.